البيوت التراثية في الوهادنة: استملكتها دائرة الاثار العامة لتحافظ عليها كونها مبنية على أنقاض آثار بيزنطية

تُعد بيوت (الحجر والطين) إحدى أنواع العمارة (القديمة)، التي تعكس المستوى الحضاري للشعوب في الزمن القديم .

كانت المساكن متلاصقة وبشكل تجمعات كان يطلق عليها قديما (حارات)، كانت تلك المساكن تعتمد في بنائها على الحجر مع استخدام الطين المضاف إليه التبن، يتم خلطه مع الطين لزيادة قوة البناء وتماسكه .

 في هذه المساكن عاش آباؤنا وأجدادنا، ومنها خرج رجالات كان لهم دور بارز في بناء وأعمار هذه البلاد.

وقبل الحديث بالتفصيل عن البيوت التراثية لابد لنا من القاء ومضات عن خربة الوهادنة في الماضي .

خربة الوهادنة إحدى قرى بلدات الشفا من محافظة عجلون الغربية يسكنها التاريخ ،  تفاصيلها غنية بالذاكرة العميقة، وبالحكايات التي تدل على جوانب ثريَّة من حكاية خربة الوهادنة .

اسمها القديم (خربة الوهادنة)، واسم الوهادنة يطلق على الأرض والسكان، وهذا الاسم يلتصق بها منذ مدة طويلة من الزمن .

تقع على سفح جبل ينحدر باتجاه الغرب.  ترتفع عن سطح البحر بمقدار (590م )،  ومنها تشاهد السهول الخضراء الساحرة في غور الوهادنة،  وتستطيع أن تشاهد أجمل المناظر في فلسطين العربية المحتلة؛ حيث سهول بيسان وجبال الناصرة، وجنين، ونابلس، والقدس

يعيش فيها خمس عشرة (عائلة / عشيرة )  يختلف عدد أفرادها من عشيرة إلى أخرى، منها ثلاث عشرة عشيرة مسلمة وعشيرتان مسيحيتان  .

 

أما خربة الوهادنة في التاريخ ، فتدل الشواهد على أن منطقة الوهادنة سُكنت منذ أقدم العصور، حيث أقيمت فيها المراكز العمرانية منذ فترة تزيد على خمسة ألاف سنة ، وتُعد  من ضمن خرب جبال عجلون التي وجدت فيها مخلفات أثرية كقطع الفخار والتي تعود تواريخها إلى العصر النحاسي، والعصر البرونزي، كما وجدت فيها قطع فخارية تعود إلى العصور البيزنطية والأموية والعباسية والأيوبية والمملوكية، يوجد فيها بيوت وآبار وكهوف موغلة في القدم، وبعض بيوتها مبنية على مغائر قديمة، وكذلك وجود العديد من الآبار لجمع الماء وبأعماق واتساعات مختلفة، وكذلك العديد من الكهوف، منها ما هو منحوت في الصخر بشكل هندسي بديع تصل إليه من خلال درج صخري كما هو في (الراهبي)، أو بضخامة واتساع مدخله كما هو في (عراق صوفره)،  وبعضها فيه سراديب متداخلة كما هو في وسط القرية، وهذه السراديب تعدُّ وسيلة دفاعية قديمة لساكنيها .

عثر فيها على معاصر حجرية للزيتون والعنب، وعلى بقايا من الأعمدة والتيجان من الطراز الأيوني ( نقش حلزوني الشكل)  وعلى قطع فخارية بيزنطية وعربية، كما عثر فيها على الفسيفساء البيضاء والملونة، خاصة في البلدة القديمة، وتعود هذه الآثار حسب مديرية آثار محافظة عجلون إلى العصر البيزنطي من القرن الرابع وحتى القرن السابع الميلادي، كما أنها تشتهر بالزيتون الروماني القديم، ويؤكد بعض الباحثين أن القرية أساسها خربة رومانية، وفيها آثار فسيفساء ملونة، وغير ملونة في مواقع عديدة قريبة أو بعيدة عن مركز القرية.   

قامت دائرة الآثار العامة في نهاية القرن العشرين بحماية بعض هذه الآثار باستملاك جزء محدد من بيوت القرية القديمة في وسط القرية للمحافظة على هذه الكنوز الاثرية الثمينة، وهي محور هذا البحث .

كانت خربة الوهادنة أكثر قرية تدفع ضريبة للعثمانيين . زارها  الرحالة الألماني عالم الاثار” شوماخر” ، عام 1887م ، وكتب عن أحوالها والأماكن المجاورة لها من الناحية الاجتماعية والطبيعية وطريقة حياة الناس ، كانت تقاريره من وجهة نظر مهندس وعالم آثار .وحصر بيوتها في ذلك الوقت (……..)

ظلت هذه البيوت تؤدي وظيفتها بشكل تام حتى نهاية الستينيات من القرن العشرين الماضي، والى حين حلت محلها البيوت الحديثة المبنية من الاسمنت ومدعمة بالحديد، ولم يتبقى منها في هذا الوقت سوى مجموعة من بقايا البيوت المتهدمة، يقدر عددها بعشرة بيوت قديمة ، كانت ملكا لعشيرة البدور، احدى عشائر خربة الوهادنة، كانت تعرف بحارة البدور .

استملكتها دائرة الاثار العامة في أواخر التسعينيات من القرن العشرين الماضي ، لتحافظ عليها كونها مبنية على انقاض كنيسة بيزنطية قديمة لم يبقى منها سوى رقع متفرقة من الفسيفساء الجميلة .

امتازت هذه البيوت باتساعها وبعرض جدرانها وقلة النوافذ فيها، وكانت معظم الجدران متلاصقة تفتح أبوابها على ساحة واحده ، تحيط بها المساكن من جميع الجهات،  وكان لها مدخل واحد مسيطر عليه للضرورات الأمنية.

1 . أقسام بيت الطين

صُمم بيت الطين ليكون البيت الدائم للفلاح، وجرت العادة أن يكون البيت حجره واحده ، وفي هذه الحالة، تتطلب الضرورة أن تكون هذه ألحجره واسعة وقد تصل حوالي (100) م2، وقد يقام هذا البيت على كهف. … يقسم داخل البيت حسب حاجة صاحبه إلى ثلاثة أقسام :

(1) قاع البيت :

وهو القسم الذي يلاقيك مباشرة عندما تخل من باب البيت وهو يقسم داخل البيت الى قسمين وحسب الحاجة ، يوضع فيه جرة الماء ، مرابط الفدان في فصل الشتاء (الخيل او البقر ، او الحمير ) والمذود (الجرن الذي يوضع فيه علف الدواب) ، ويبيت فيه بعض الغنم ان كانت بأعداد قليلة ،  ويوجد به الأركان التالية :

أ . المتبن (التبان):

مبني بين قنطرتين من طين الصلصال المخلوط بشعر الغنم ، يشبه الكواره، يخصص لخزن علف الحيوانات من شعير أو ذره أو تبن. له فتحة بالسقف تسمى الروزنا يفرغ فيه التبن من السقف ، وله باب صغير من الأسفل في قاع البيت ليخرج منه التبن لإطعام الدواب  .

ب . سدة الحطب:

تقع بين قنطرتين مرتفعه عن مستوى أرض البيت، على شكل عرزان  يوضع عليها الحطب الذي يخزن من أجل استعماله للتدفئة في فصل الشتاء أو لطبخ الطعام طيلة أيام السنة.

ج . الشباك والطواقي : جرت العادة أن يكون للبيت شباك واحد ويكون على محاذاة قوسه الباب من الأعلى ويكون تصميمه على شكل قوس ومحمي بشبك من قضبان الحديد للضرورات الأمنية .

 (2) المصطبة:

تعد القسم العالي من أرضية البيت، وقد يكون ارتفاعها حوالي مترا ، حتى لا تصل إليها الحيوانات التي تبيت في البيت، وتستعمل المصطبة من قبل الساكنين في البيت للجلوس والنوم والأكل ، وعلى المصطبة يتم الطبخ وصنع القهوة ويتوسطها موقدة النار وتسمى (النقرة) ، ويوجد فيها الأركان التالية :

 أ .  المطوى:

يكون في إحدى جدران البيت، يسمى(بالمطواة) أو المطوى يخزن فيه فراش النوم وأللحف والبسط والتي تستخدم لفرش الأرضية في أوقات الشتاء، وقد يكون داخل جدار البيت أو يكون بشكل بارز في أحد أركانه.

ب . الرف :

يصمم الرف من الطين ويرتكز على أعمده خشبية تدق بالجدار، ويقسم بشكل أحواض يصل عددها من 7-10 أحواض ، يوضع بداخله الأدوات المنزلية، ويحفظ فوقه المواد الغذائية من سمنه وجبنه وزيت، أو يخزن فيه الرمان والليمون، التي يتم الاحتفاظ بها إلى فصل الشتاء.

ج . الكواره:

المكان الواقع ما بين القنطرتين الحاملتين للسقف، تبنى من الطين والتبن وقد يوضع معه شعر الماعز لزيادة المتانة، ويخزن فيها مادة القمح أو الطحين، وقد يفتح لها منفذ من السطح ، لتفريغ القمح فيها من أعلى سطح البيت، ولها فتحة صغيره من الأسفل لتفريغ المخزون فيها  .

(3) . العقدة : تكون العقدة في البيوت الواسعة المساحة ولا يستخدمها سوى وجهاء العشائر أو المختار، والعقدة بمثابة طابق أول داخل البيت، تبني في إحدى واجهات البيت وعلى حافة المسطبة ويصعد إليها من خلال ثلاث أو أربع درجات مبنية من الحجر ومسقوفة بالحجارة على شكل أقواس أو تسقف بالخشب ، ويبيت أسفلها الغنم .

 2 : ملحقات البيت

(1) ألعريشه:

موقعها خارج البيت وهي ملاصقه للجدار الخارجي بجانب الباب وهي المكان المخصص للنوم والجلوس والسهرات في فصل الصيف والخريف، ومساحتها تعتمد على حجم الاسره وعلى الوضع الاجتماعي لصاحب البيت .

 (2) بئر الماء :

قد يكون بئر الماء داخل البيت ، أو في فناء الدار وداخل الحوش أو خارجه. ومعظم الآبار التي كانت مستعمله قديما” في هذه المنطقة هي آبار روميه أو كفريه كما يسميها الأهالي،  تمتاز بعمقها وسعتها، ولكن في الفترات اللاحقة تعلم الناس حفر آبار جمع الماء في أي مكان يريدون، ويستعمل ماء البئر للاستخدام المنزلي وسقاية المواشي.

(3)  الخم (ألقن) : يستعمل لتربية ومبيت الدجاج والطيور الأخرى .

(4)  الصيره: هي المكان المخصص لمبيت المواشي في فصل الصيف ، أمّا في فصل الشتاء وأيام البرد والمطر فيلجأ الفلاح إلى مبيت مواشيه في الكهف أو داخل بيته .

(5)  الحوش:

وهو السور الذي يحيط بالبيت ويكون ارتفاعه من ثلاثة إلى أربعة أمتار، وذلك للضرورات الأمنية، وعادة يكون السور ذو جدار متين ، وفي داخل الحوش يوجد مكان ( موقدة خاصة لخبز الشراك ). كما يوجد بإحدى أطرافه مكان خاص يسمى الطابون لإنتاج الخبز، وهو عبارة عن فرن من الطين يشبه الفخار في صلابته، حيث يستخدم لاحمائة (ألجله) وهي مخلفات الحيوانات ويتم إشعالها حولة  ليلاً وعند الصباح يكون قد اكتسب درجة حرارة عالية ، حيث يتم تنظيفه ومن ثم الخبز فيه .

(6) الخشه:

حجره صغيرة الحجم تستعملها مبيت ” الفدان ” وهو الدواب من خيل أو بغال أو بقر أو حمير والمستخدمة لحراثة الأرض أو نقل ما يلزم عليها .

 

الباحث / محمود حسين الشريدة

تصوير/  بدر الصمادي

التعليقات

  1. كرم سلامه حداد يقول

    شكرا للاستاذ منذر الزغول المحترم على هذا النشر والتوثيق لما كتبه الاخ محمود الشريده المحترم, عن البيوت القديمة في الوهادنه, مشكورا على جهوده الرائعة في جمع التراث وتوثيقة ,
    اتمنى لو في كل بلدة مؤرخا وباحثا يكتب وينشر ويوثق تاريخ وتراث القرى ,

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة