“التراث الشعبي في مادبا”.. روايات شفوية على لسان معمرين

بالتعاون مع الجامعة الألمانية، أقامت مديرية ثقافة مادبا ندوة حول كتاب “التراث الشعبي الأردني في مدينة مادبا وجوارها” للدكتور عبدالله العساف، شارك فيها الدكتور الباحث حكمت النوايسة، وأدار الحوار الدكتور محمد الحصيه.
وأكد أكاديميون وباحثون في التراث على أهمية المحافظة على التراث الذي يعد ثروة أممية ووطنية وإنسانية، فهو للشعوب والمجتمعات القديمة والحديثة جزء من وجدانها وروحها القومية، فالتراث هو كل ما ينتقل عبر الأجيال من تقاليد وعادات وطقوس، وعلوم وآداب وفنون، ويشمل حقولا غنية من الفنون والمأثورات الشعبية كالشعر والغناء، والموسيقا والروايات، والقصص والحكايات، التي تجري على ألسنة المنتمين لهذا التراث.
من جانبه قال مدير مديرية التراث في وزارة الثقافة السابق الشاعر والناقد الدكتور حكمت النوايسة، إن كتاب العساف يعد مرجعا مهما لدراسة التراث الشفوي غير المادي للمجتمع الأردني، مجتمع “مادبا ولواء ذيبان”؛ لأنّه سجل الكثير من الروايات الشفوية عن معمرين لم يعودوا موجودين في أيامنا، رحمهم الله، وقد تم تسجيل المادة الأولية له، أشرطة صوتية من خلال مقابلات تمت في سبعينيات القرن الماضي، وكانت محفوظة في محفوظات وزارة الثقافة، ثم تم تحويلها إلى مادة من الشريط العادي إلى مادة صوتية مسجلة على الكمبيوتر في مديرية التراث في الوزارة.
وتحدث النوايسة عن بعض الاصطلاحات المهمة التي جاءت في الكتاب مثل التراث الثقافي غير المادي الذي اشتملت عليه الأشرطة، إذ يشير المفهوم إلى كل ما يتوارثه الناس جيلا عن جيل من عادات وتقاليد وقصص وحكايا ومهارات يدوية ومعارف متعلقة بالطبيعة والكون، وهذا ما نجده ماثلا في هذا الكتاب.
ووصف النوايسة الكتاب بأنه “شمولي”، فهو يشتمل على القصص، والقصائد المتعارف عليها والمتداولة في مجالس السمر، فضلا عن الأمور المتعلقة بحياة الإنسان مثل تربية الخيول وأنواع الخيول وتربية الماشية وطرائق التعامل معها، ثم داخل البيت مثل العادات المتعلقة بالولادة وتربية الطفل والقيم التي تزرع في الأطفال، وألعاب الأطفال، والطعام والشراب، والطب الشعبي، والصناعات اليدوية.
ولفت النوايسة إلى أن الكتاب يشير إلى الحياة العلمية وبداياتها في مدينة مأدبا إذ تمت الإشارة إلى أن أول مدرسة كانت في العام 1882، بالإضافة إلى العديد من الموضوعات الطريفة المتعلقة بالموضوع والمفهوم وما يدور فيه.
وخلص النوايسة إلى أن العساف بذل جهدا كبيرا في هذا الكتاب باتباع المنهج التاريخي، والصعوبة البالغة التي واجهها في الاستماع لأشرطة كانت متهالكة، وتحويلها إلى مادة مكتوبة؛ إذ إن التسجيل لم يكن بذلك الوضوح، فضلا عن غياب بعض الكلمات أو عدم وضوحها الكافي، واستعانة الدكتور ببعض العارفين باللهجة وأبنائها، وتوثيق ذلك، وتدوين معاني الكلمات التي صارت غريبة الآن في هوامش الصفحات وما إلى ذلك من متطلبات المنهج التاريخي.
من جهته تحدث المؤلف الدكتور عبدالله العساف، عن أهمية التراث حيث رأى أنه ثروة وطنية وأُمميّة وإنسانيّة، فهو جزء مِنْ وُجدانِ الشعوبِ والمجتمعاتِ القديمةِ والحديثة، وركن رئيس من روحِها القومية، فضلا عن قيمته التاريخية للأجيال التي تتبادله وتجعله جزءًا أو مكونًا رئيسًا من مكونات حياتِها وسلوكِها، وهويتها المميزة؛ لِما يمثله من قيمة رمزية تنبع أساسا مما يشمل من قيم وعاداتٍ وتقاليد وخبرات شعبية وفنون تشكيلية وأغان فلكلورية وأزياء شعبية، وهي كلّها صنوف من شأنِها أن توفر للباحثين والدارسين حقلا خصبا لإجراء البحوث الرصينة، الأمر الذي يسهم في تكريس هذه القيم في ذاكرة الأجيال المعاصرة واللاحقة.
وقال العساف إن كتابه يأتي ضمن مشروع بحثي يختص بجوانب عديدة من التراث الشعبيِّ الأردنيِّ في “مدينةِ مادبا وجوارِها ولواءِ ذيبان”، فجل المعلوماتِ والرواياتِ والمادةِ التراثيةِ في الكتاب أخذت من أشرطة مسجلة (كاسيت)، محفوظة لدى أرشيفِ مديريةِ التراثِ في وزارةِ الثقافة.
وأشار العساف إلى أن “تسجيلات مادبا”، اشتملت على مقابلات شخصية أجريت مَعَ عدد مِنَ الرواةِ الكِبارِ من أهالي مدينةِ مادبا والقرى المجاورةِ لها ولواءِ ذيبانَ على اختلافِ مكانَتِهِمُ الاجتماعيَّةِ وتنوُّعِها، وهيَ مقابلات تحدّثوا فيها عَنْ تُراثِهِم وتاريخِهِم وأحوالِهِم، وَعَنْ مُختلَفِ مجالاتِ التراثِ، وبشكلٍ أكبرَ عَنِ التاريخِ الشفويِّ الأردنيّ، لا سِيّما عَنْ طبيعةِ حياةِ المنطقةِ أيامَ الحكمِ العثمانيّ، والغزوِ القَبَلِيّ، وكيفيَّةِ التعليمِ في مادبا آنذاكَ، والقضاءِ العشائريّ، وإيواء الدخيلِ، وغيرِها.
وقال العساف أن التراثُ َيعرف بأنه كل ما ينتقلُ عبرَ الأجيالِ من تقاليدَ وعاداتٍ وطقوسٍ وعلومٍ وآدابٍ وفنون، فهوَ لذلكَ يشملُ حقولًا غنيَّةً مِنَ الفنونِ والمأثوراتِ الشعبيَّةِ كالشِّعرِ والغناءِ والموسيقى والرواياتِ والقصصِ والحكاياتِ التي تجري على ألسنةِ المُنتَمينَ لهذا التراث، فضلًا عَنْ طقوسِ الزواجِ والمناسباتِ الاجتماعيَّةِ المختلفة، وما تشتملُ عليهِ من تقاليدَ في الأداءِ وأشكالِ التعبيرِ وألوانِ الرقصِ والألعابِ، وغيرِها.
وأكد على أنَّ القيمةَ الرمزيَّةَ الكُبرى التي يشغلها التراث في وُجدانِ المجتمعاتِ التي تنتمي إليه تكمن في تلكَ الديناميّةِ التي يشكلها التراث من خلالِ التواصلِ مَعَه، وممارستِه، والاحتفاءِ بهِ لدى الأجيالِ الحاضرةِ واللاحقة، على أساسِ الإفادةِ القُصوى من المعاني والقيم التي يقدمها لأبناءِ المجتمع، وكذلكَ تهيئةِ عقولهم ونفوسهم بأنه يعكس أصالة الأمةِ من حيث إنها أمة مُمتدّة فِي التاريخِ عبرَ سلسلةِ الأجدادِ الذين أنتجوا هذا التراث من جهة، وَمِنْ جِهَةٍ ثانيةٍ تأكيدُ استمرارِ حُضورِهِ في أذهانِ الأجيالِ وعقولِهِم وضمائرِهِم.
من جانبه قال الدكتور محمد الحصيه، إن التاريخُ يعطي للإنسان تصورا دقيقا وواضحا عن الزمن الماضي وأحداثه، وهو أساس لتجنّب الأخطاء التي وقع بها الأقدمون، والسير على خطاهم بما حققوا من نجاحات في المجالات كافة، فضلا عن حفظ هوية الأمة وتراثها الحضاري.
وأشار الحصيه إلى أن العساف أحبّ التاريخ، فعكف على دراسته وأبدع فيه أيُّما إبداع، فإلى جانب تخصصه الأكاديمي كان علمُ التاريخ ودراسة التراث الهواية التي نشأ على حبها وعشقها، فقد هام بالتاريخ هياما تخبرنا عن حجمه الثمارُ الوفيرة والنتاجات الغزيرة، التي تمثّلت بما يزيد على العشرين مؤلفا في موضوعات التاريخ والتراث والترجمة لعدد كبير من الأعلام.

عزيزة علي/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة