التهريب من الشمال: الأردن وحيدا في المواجهة
تؤكد الحصيلة التي أعلنتها القيادة العامة للقوات المسلحة مؤخرا بإحباط 361 عملية تسلل وتهريب العام الماضي، أن مهمة قوات حرس الحدود على الثغور باتت بالغة الخطورة في التصدي لعصابات المخدرات.
ومؤخرا، كشفت عملية احباط محاولة قيام مجموعة من الأشخاص باجتياز الحدود بطريقة غير مشروعة، على المنطقة العسكرية الشرقية، فجر الاثنين، عن نمط شديد الخطورة من هذه المجموعات، خصوصا وأن الجيش أعلن أن هذه المجموعة التي جرى أحباط محاولتها الاخيرة في اجتياز الحدود ترتبط بالمجموعة التي قامت بالعملية التي أسفرت عن استشهاد النقيب محمد ياسين موسى الخضيرات.
وغير بعيد عن الحادثة الأخيرة، عملية تسلل وتهريب من سورية إلى الأراضي الأردنية، أحبطتها المنطقة العسكرية الشرقية، بالتنسيق مع إدارة مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية ظهر امس، وفق مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة، اذ بين أنه جرى تطبيق قواعد الاشتباك مع المهربين الذين فروا إلى العمق السوري، وبعد تفتيش المنطقة عثر على كميات كبيرة من المخدرات، حولت للجهات المختصة.
وما يزيد من خطورة هذه المحاولات، ما كشفته القيادة العامة للقوات المسلحة في انجازاتها ان عمليات التسلل التي أحبطت، للمحافطة على الأمن الوطني، اذ أسفرت عن ضبط 15.443.707 حبة مخدرات مختلفة الانواع و760 كغم من الحشيش، العام الماضي، في وقت بلغت كمية المخدرات المضبوطة اليومين الماضيين وباءت بالفشل على واجهة حدود المنطقة العسكرية الشرقية 5,004,000 حبة كبتاجون و6123 كف حشيش.
في هذا الصدد، يكشف خبراء عسكريون أن قوات حرس الحدود، تتولى مهمة حماية الحدود وحدها، في ظل تراخ في الجهات المقابلة، كما يشيرون إلى عصابات المهربين وأنهم ينفذون عمليات منظمة.
هذه التطورات دفعت رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي خلال زيارته لقيادة المنطقة العسكرية الشرقية، لتوجيه تغيير قواعد الاشتباك المعمول بها في القوات المسلحة، وملاحقة كافة العابثين بالأمن الوطني.
قواعد الاشتباك
في هذا الصدد، بين مصدر أمني لـ”الغد”، أن تغيير قواعد الاشتباك، يكون بناء على تقييم درجة الخطورة التي يجري التعامل معها، فالقوات المسلحة تقدر الخطورة بما يتناسب مع العملية حينها بحيث توضع القواعد لكل عملية على حدة.
اما بالنسبة للتنسيق مع الجانب الآخر، فاكد المصدر ان الحدود الشمالية منذ بداية الازمة لا يوجد تعامل معها، لانه غير مسيطر عليها من قوات النظام السوري بشكل كامل، وبعضها خاضع لسيطرة ميليشيات.
وكان الحنيطي زار قيادة المنطقة العسكرية الشرقية، استمع لإيجاز حول سير الأمور العملياتية والتدريبية واللوجستية وجهود المنطقة للحفاظ على أمن الوطن على طول امتداد منطقة المسؤولية وبالتنسيق مع الجهات الأمنية المختصة.
وبين الحنيطي خلال زيارته القيادة العسكرية، أن القيادة العامة تولي قوات حرس الحدود الأولوية القصوى في دعمها واسنادها بقوات منتخبة من القوات الخاصة وقوات رد الفعل السريع مسندة بطائرات من سلاح الجو الملكي، وتذليل كافة المعاضل اللوجستية ضمن مناطق المسؤولية، والتي كان لها الدور الكبير في إحباط عمليات تسلل وتهريب مختلفة، والحد من دخول المواد المخدرة والممنوعة إلى الأراضي الأردنية في إطار الخطة الأمنية التي تنفذها القيادة العامة للمحافظة على أمن واستقرار حدود المملكة.
في هذ الصدد، قال الخبير الاستراتيجي اللواء المتقاعد الدكتور مأمون ابو نوار إن الرقم (361) لعمليات التسلل والتهريب “يعني إن هناك رخاوة من الجانب السوري في حماية الشريط الحدودي مع الاردن والذي يمتد الى 360 كلم”، موضحا ان الأردن في المرحلة الحالية يبذل جهودا دبلوماسية لعودة سورية الى الحضن العربي، كما انه اول دولة عربية اعترفت بشرعية النظام السوري من حيث الحدود البرية التي أعيد فتحها عام 2018.
واضاف، في تصريح لـ”الغد”، انه من الواضح ان قوات حرس الحدود في الجيش العربي تتولى مهمة حماية الحدود وحدها وتحديدا من عصابات المخدرات التي تنشط في المناطق الحدودية والتي ازدادت قواتها ونفوذها اثناء الازمة السورية من حيث زيادة كميات المخدرات وتنوع وتحديث قوة السلاح الذي تمتلكه.
واشار إلى أنه مع الامكانات التي تملكها عصابات المخدرات وتمس الامن الوطني الأردني يأتي قرار رئيس هيئة الاركان بتعديل قواعد الاشتباك “لاحتياجات أمنية ملحة وضرورية لحماية الاراضي الأردنية من خطر المخدرات التي باتت تشكل خطرا يساوي خطر التنظيمات الارهابية والفكر الظلامي”.
وقال ابو نوار إن الاسلحة التي تستخدمها عصابات المخدرات هي من النوع الخفيف الثقيل تصلح احيانا لإسقاط الطائرات، ولهذا اكد ان تعديل قواعد الاشتباك يأتي ايضا من باب الدفاع عن النفس وقرار اللواء الحنيطي اتخذ في الوقت المناسب لملاحقة عصابات المخدرات بقوة القانون والسلاح.
من هؤلاء المهربون؟
بدوره أوضح قائد لواء حرس الحدود الشرقية سابقا العميد المتقاعد محمد سليم السحيم ان ما يحدث على الحدود الشمالية، هو عمليات تهريب مخدرات واسلحة منظمة تقودها عصابات بتقنيات تهريب عالية المستوى عبر الحدود السورية والعراقية، مع ان هذة العمليات في الشريط الحدودي السوري اكثر بكثير من نظيرتها في الشريط الحدودي العراقي، نظرا لما للجنوب السوري من خصوصيات جغرافية خاصة به، فضلا عن تنامي النزاع الذّي يعتبر رافدا أساسيا من روافد “تماسك” نشاط التهريب بشكل عام في عدد من مناطق الجنوب الشرقي.
واضاف السحيم ان أغلب مهرّبي السلاح والمخدرات هم من أبناء المنطقة ولا يسمحون للغرباء بالاقتراب من مناطق نفوذهم التي يبسطون عليها سيطرتهم منذ عقود من الزمن بموجب اتفاقيات بيْنية معقّدة تشمل القبائل الممتدّة على الشريطين الأردني السوري، ويزاول هؤلاء المهّربون نشاط التهريب بشكل عام منذ سنوات في إطار عائلات تهريب مترابطة، تعتمد أبرز رموزها أسماء حركيّة للتمويه والتخفّي على غرار عمل العصابات المنظمة.
وأكد أن تعاون المدنيين مع الاجهزة الامنية صعب في هذة المناطق على اعتبار أنّ الإتيان على ذكرها علانية قد يكلّف صاحب الفِعلة حياته وهناك خشية لدى السكان المحليين من الاقتراب من عصابة المهرّبين خوفا على سلامتهم وسلامة عائلاتهم من جهة، واتّقاء للمشاكل من جهة أخرى على اعتبار النفوذ الواسعة لهؤلاء المهربين وقرب بعضهم من شخصيات مرموقة تعمل على اطلاق سراحهم والتوسط لهم.
وقال انه يطلق على من يمتهن عبور الحدود للتهريب اسم “حمالة” اي بمعنى آخر هم من ينقلون المواد المهربة من الجانب السوري الى الجانب الاردني مقابل اجر على كل حمولة وغالباً ما يكون هؤلاء الاشخاص من فئة الشباب لا تتجاوز اعمارهم الخامسة والعشرين عاما وهم مقتادون من قبل كبار التجار الذي يتعاملون في عقد الصفقات مع عصابات داخل لبنان وسورية، واغلب هذة المواد المخدرة قادمة من مصانع تحت حكم عصابات منظمة مسيطرة وهناك عدد من كبير من المصانع داخل سفن في البحر كما ان هناك مصانع اسلحة اتوماتيكية.
وبين السحيم ان اغلب عمليات التهريب تصل الى الحدود الأردنية تحت حراسة مشددة من عناصر مدربة وعلى كفاءة قتالية عالية ومسلحين بأسلحة ومعدات متطورة بما فيها اجهزة الرؤية الليلية وهم من يؤمنون الحماية لنقلها عبر الاراضي السورية وحتى تسليمها بالقرب من الحدود الأردنية.
واشار إلى انه من الضروري الآن تغيير المهمة لقوات حرس الحدود ولا بد من تقدير موقف عملياتي يحاكي السيناريوهات المُحتملة ويجنب حدودنا ويلات هذه العصابات، ففي ظل هذه المعطيات يجب الحرص على ألا تنتهي قواعد الاشتباك على حدودنا وعلينا ان نحافظ على مسافة آمنة بحدود الخمسة كيلومترات داخل الاراضي المجاورة وضرب من يحاول التقرب الى مناطق النفوذ “وهذا المقصود بتغيير قواعد الاشتباك”.
عبدالله الربيحات/ الغد
التعليقات مغلقة.