الحنين لبرامج ومسلسلات رمضانية قديمة يعود لينبش ذاكرة زمن جميل
– ذلك الحنين الذي يغزو العقل ببرامج وأعمال درامية ما تزال عالقة بالذاكرة، يستذكرها الكثيرون لتحمل أجمل اللحظات التي عايشوها في زمن جميل، حينما كانت الأسرة تجتمع بانتظار برنامج أو مسلسل رمضاني يضفي أجواء من الفرح ويحمل رسائل وقضايا مهمة.
والآن، ومع عشرات الأعمال التي تعرض في كل عام على شاشات التلفاز لبرامج ومسلسلات رمضانية، بموضوعات “ثقيلة”، وكثير منها لا يحمل الجديد إنما موضوعات مكررة؛ قرر عدد من الأفراد هجر تلك البرامج والمسلسلات والبحث عن تلك الأعمال القديمة التي كانت قد تبث في تسعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وارتبطت تفاصيلها بالشهر الفضيل.
سباق الشاشات بالمئات من البرامج والمسلسلات بمختلف اللهجات، وتكرار السيناريو في الكثير منها، وعدم ملائمة جزء من الأحداث مع ثيمة الشهر الفضيل؛ دفع البعض للبحث عبر مواقع السوشال ميديا عن البرامج القديمة التي فيها الحس الفكاهي، والدراما، وأيضا التفاعل العائلي الذي كان يملأ رمضان بالتشويق، حتى باتت جزءا لا يتجزأ من الذكريات.
وقد يكون لتطور شبكة الإنترنت وتوفرها في غالبية البيوت، دور في أن يتم تحميل تلك البرامج والدراما على شاشات التلفاز، ليكون أمراً طبيعياً أن تدخل بيتاً أردنياً يتابع “أم الكروم” مثلاً، أو الدراما الفكاهية “معقول يا ناس”، وآخر يشاهد “ليالي الحلمية” بينما يفرح الكبار قبل الصغار عندما يبحثون عن حلقات “فطوطة” و “ألف ليلة وليلة وشهريار”.
ومن خلال عدة تقارير صحفية نُشرت حول المسلسلات المتتالية التي يتم عرضها تباعاً عبر القنوات، تبين أن كثيرا من المشاهدين باتوا يخشون مشاهدة تلك الحلقات حتى في الجلسات العائلية، كونها غير مناسبة، لأجواء شهر رمضان، بالإضافة لـضعف السيناريو الذي تتداخل فيه الأحداث مع مسلسلات أخرى ليدخل المشاهد في دوامة الأحداث”.
“في السابق كان مسلسل واحد يُبث على شاشة واحدة تتابعه أغلب العائلات ويرتبط بكل تفاصيله بيوميات رمضان”، هذا ما تقوله بثينة منصور، التي تؤكد أنها تشاهد الآن حلقات درامية كوميدية من مسلسل أردني قديم بعنوان “معقول يا ناس” والذي يعالج هموم الكثير من المواطنين آنذاك، وفيه ما يكفي من الفكاهة والضحك مع العائلة.
وتقول بثينة إن لديها شبكة إنترنت جيدة في البيت، لذلك تقوم بإحضار أجهزة متخصصة لتمكنها من مشاهدة كل ما ترغب من برامج ومسلسلات، وخاصة خلال شهر رمضان، وترى أن كل ما يتم بثه اليوم من برامج ودراما، لا تناسبها ولا تستهويها في خضم حرب المسلسلات على الشاشات.
وما تزال موسيقا “ليالي الحلمية” تستحضر تلك الأجواء التي كانت تعيشها العائلات منذ أكثر من 30 عاما، وفي كل مرة تسمع عائشة المناصير فيها تلك المقاطع الموسيقية، أو اللقطات السريعة من بعض الحلقات، تعود الذاكرة إلى أيام رمضان الجميلة التي عاشتها، حيث تفتقد تلك الليالي الخالية من ماراثون المسلسلات، والاقتصار على مسلسل واحد فقط يراعي ذوق الجمهور على مختلف الأعمار والخلفيات.
الجميل كما تقول عائشة، أن المسلسلات كانت على أجزاء متعددة نبقى ننتظر تكملها “من رمضان إلى رمضان اللاحق” لذلك، تعاود الآن ومن خلال هاتفها لمتابعة الكثير من الحلقات المفضلة لديها، بل وأحياناً تشاهدها برفقة أفراد عائلتها تنهال عليهم الذكريات وينبشون أحداث تلك الأيام ويتحدثون عن أيام الطفولة أو الصبا آنذاك، ما يعني أن شاشة التلفاز ارتبطت ارتباطا وثيقا بالعائلة وتركت لديها مخزون كبير من الذكريات “النقية”، كما تصفها عائشة.
صفحات كثيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باتت تنشر مقاطع وحلقات خاصة من كل ما كان يُبث في رمضان في السابق، وقبل ما يزيد على 30 و20 عاما، ولديها عشرات الآلاف من المتابعين، الذين يبادرون بالتعليق عن تلك البرامج، ويتمنون لو أن الزمن يعود بمثل هذه الحلقات التي كانوا يشاهدونها دون ملل.
ويقول أحد المتابعين أنه بات يستعيد حضور مجموعة كبيرة من البرامج والمسلسلات و”يدفع عائلته جميعاً لمتابعتها خاصة الأطفال”، ويرى أنها نالت على استحسانهم، خاصة برامج الأطفال، والفوازير الرمضانية المليئة بالحياة والحركة والفرح الذي ارتبط بالشهر الكريم، وبقدوم العيد بعد ذلك، خاصة وأن هذه البرامج آنذاك كانت تختتم الشهر بالجوائز والهدايا القيمة.
أما سحر سمور، شاركت من خلال مداخلة لها حول هذا الموضوع، من خلال عودتها فعلياً لمشاهدة مسلسل واحد فقط خلال رمضان، وهو مسلسل قديم جداً “مصري” بطولة فنانين “كبار”، كما تصفهم، وتؤكد أنها لا تتابع ما يعرض الآن على الشاشة بشكل نهائي، وتكتفي ببعض البرامج الثقافية البسيطة مثل “سين” الذي يناقش قضايا التطور الذي طال العالم وبشكل سلس وأسلوب جميل للإعلامي أحمد الشقيري.
وتبرر سحر ذلك بأن مشاهدة مسلسل واحد فقط، هو نوع من التسلية والترفية لساعة معينة ما بعد الإفطار، ومن ثم التفرغ للأهل والأصدقاء، والعبادة في ذات الوقت، إذ ترى أن نسبة كبيرة من صديقاتها يتابعون مسلسلات متتالية خلال اليوم، ولا يدركون أن شهر رمضان يمر سريعاً دون الاستمتاع بباقي التفاصيل، عدا عن أن كل ما هو قديم “أفضل بكثير مما يبث الآن من تلوث بصري وسمعي”، على حد تعبيرها. وحول الحديث عن الذكريات والحنين لكل ما هو قديم، الأخصائية النفسية والتربوية الدكتورة خولة السعايدة بينت أن العودة لكل ما هو قديم في حياة الإنسان، هو عبارة عن حاجة نفسية لاسترجاع فترة جميلة من حياته مرتبطة بأحدث وأشخاص وذكريات جميلة عاشها في ذلك الوقت، وعندما يتذكر تلك الذكريات المرتبطة بحياته يعود وكأنه يعيشها الآن في خياله، وهنا يكون لها تأثير نفسي كبير قد يشعره بالسعادة الآنية.
وهذا يظهر جلياً كما نشاهده الآن من خلال منشورات مواقع التواصل الاجتماعي التي تربط كل ما تشاهده من برامج قديمة، فإن السبب هو ارتباطها بتلك الفترة الزمنية الجميلة التي عاشها، وتكنولوجيا فإن التطور ساعد الناس للعودة إلى تلك البرامج بهدف استعادة جزء من ذكرياتهم ومشاهدة برامجهم المفضلة البعيدة عن “العنف والسياق السريع للأحداث”.
ووفق السعايدة، هذا الحنين والعودة للخلف “بشكل مؤقت” يخلق حالة نفسية بشغف الماضي بكل تفاصيله، ويعمل العقل الباطن على الحديث والحوار النفسي داخل الشخص، قد تحول لديه الأفكار حول الأشياء غير المرغوبة لديه، من حزينة إلى سعيدة، وقد تحسن لديه المزاج العام وتبعده عن “المحيط الذي لا يرغب”.
تغريد السعايدة/ الغد
التعليقات مغلقة.