السوريون في “الزعتري”.. 13 عاما من اللجوء والأوضاع تزداد قتامة

مخيم الزعتري  – “الوضع لا يطاق أبدا”.. بهذه الكلمات يصف اللاجئ السوري في مخيم الزعتري بمحافظة المفرق، طه الزوكاني، حاله مع أفراد أسرته التسعة وابنته التي لا يستطيع تأمين ملابس جديدة لها.
وحال الزوكاني مثل حال آلاف في مخيم الزعتري، ممن يعيشون أوضاعًا مأساوية، بعد مرور أكثر من 13 عاما على رحلة لجوئهم إلى الأردن، نتيجة الأزمة التي اندلعت في بلادهم العام 2011.
ويعيش أغلب سكان المخيم على دنانير قليلة من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، والتي رغم قلتها تعرضت للتخفيض نتيجة تراجع الدعم الدولي.
ولا يخفي اللاجئون السوريون في المخيم الذي زارته “الغد” أخيرًا ورصدت فيه أوضاعهم المعيشية، الواقع الصعب الذي مروا به خلال هذه السنوات، إلى جانب العيش على أمل العودة إلى بلادهم.
ويعيش في مخيم الزعتري بحسب ما أفادت المفوضية لـ”الغد” نحو 78 ألف لاجىء سوري من أصل 630 ألفا مسجلين رسميا لديها، وهذا الرقم هو من أصل 700 ألف لاجئ يعيشون في الأردن مسجلين لدى الأمم المتحدة، فيما يبلغ عدد السوريين الموجودين على أرض المملكة 1.3 مليون شخص.
ورغم جهود الدولة الأردنية في الاستقبال والرعاية والتمكين للاجئين، إلا أن تراجع الدعم الدولي وانخفاضه بات يشكل عائقا وتحديا كبيرا في الاستمرار بتقديم كل هذه الخدمات، وبات يشكل هاجسا مروّعا للاجئين أنفسهم.
خبرة أردنية في ملف اللاجئين
يرى محافظ المفرق سلمان النجادا، أن “الموقع الجغرافي للأردن فرض عليه الكثير من الالتزامات الإنسانية والأخلاقية تجاه المحيط العربي”.
ويقول النجادا لـ”الغد” إن الأردن استقبل الكثير من اللاجئين، وأصبحت لديه الخبرة في هذا الملف، إذ استقبلنا منذ العام 2011 إلى الآن ما يقارب مليون وثلاثمائة ألف لاجئ سوري، وهذا اللجوء له تبعات كثيرة، سياسية واقتصادية واجتماعية، خاصة على المجتمعات المستضيفة.
ويضيف أن “اللجوء السوري يشكل ضغطا كبيرا على مرافق الدولة، مثل المرافق الاقتصادية والصحة والطرق والزراعة، فاللاجئ السوري اليوم أصبح ينافس الأردني في سوق العمل، لاسيما وأنهم أصحاب خبرة في عدد من المهن، إذ زاحموا الأردنيين على العديد من القطاعات داخل الأسواق، منها قطاع الزراعة وتربية الأغنام، ولهذا ارتفعت نسبة البطالة لدينا نتيجة ذلك الازدحام”.
وأشار إلى زيارة وزير الداخلية مازن الفراية الأخيرة لمخيم الزعتري، والتي تحدث فيها عن أبرز القضايا المفصلية في تاريخ المخيم، وكان أهمها البنية التحتية والأوضاع المعيشية.
إلى ذلك، تبقى المؤسسات المقدمة لمختلف الخدمات داخل المخيم ومناطقه تحت ضغط ضعف التمويل وتراجع الدعم، إذ يقول رئيس بلدية الزعتري ماهر الخالدي: “بالنسبة لموضوع تراجع الدعم، فبدأ منذ العام 2019، حيث لم تكن هناك تشاركية بين مخيم الزعتري والبلدية، مع العلم أن البلدية تقدم الخدمات للاجئين داخل حدودها بما يقارب ضعف سكان أهل البلدة الأصليين”.
ويضيف الخالدي أن “دور البلدية لا يقتصر على الأهالي، لكنه أيضا يشمل اللاجئين خارج حدود المخيم، ليقدم لهم الخدمات المتاحة ضمن إطار وصلاحيات عمل البلدية من طرق وإنارة ومياه وتعليم وخدمات صحية”.
ويتابع: “لكن لا يوجد دعم مالي من قبل المنظمات والموجودة في المخيم برغم الأعباء التي تتكبدها بلدية الزعتري”.
ويستكمل حديثه: “دورنا كبلدية الآن يقتصر على موازنة البلدية فقط لا غير، بالإضافة الى مشروع الخدمات البلدية، والتكيف مع التمويل البنك الدولي لبلدية الزعتري، لكن بالنسبة لأي دعم من المنظمات الأخرى داخل حدود المخيم فهي مقتصرة فقط على المخيم ولا علاقه للبلدية بها”.
أوضاع صعبة
وخلّف تراجع الدعم أوضاعا إنسانية واقتصادية واجتماعية سيئة لن تنعكس على داخل المخيم بالحرمان من الحاجات الأساسية فقط، بل سيؤدي ذلك إلى إشباعها من خلال طرق غير مشروعة، خاصة في ظل عدم توفر العمل اللازم الذي يؤدي لتأمين المال اللازم، بالإضافة إلى توفير الحاجات الأساسية في ظل تراجع المساعدات والمعونات.
فالفقر والبطالة من شأنهما خلق بيئة خصبة لانتشار الجريمة بأشكالها المختلفة، ما ينعكس على المقيمين داخل تلك المخيمات أو خارجها، وسط حالة التسرب التي لا تخضع لضبط كبير، والاختلاط الحاصل بين المجتمع والمخيم.
“الدعم الدولي”
وتعتبر مسؤولة العلاقات الخارجية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمخيم الزعتري فرح السعدي أن “الأسر اللاجئة تحصل على المساعدات مرة كل ثلاثة أشهر من أجل تمكينهم من تغطيه النفقات والاحتياجات الأساسية، مع العلم أنه تتم تغطية احتياجاتهم مثل المأوى والمياه الرعاية الصحية والتعليم داخل المخيم”.
وتقول السعدي لـ”الغد”: “تقوم المفوضية السامية بتنسيق هذه الجهود مع عدد من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى، إضافة إلى ذلك يتلقى اللاجئون في المخيم مساعدات من برنامج الغذاء العالمي لتغطية احتياجاتهم في مجال الأمن الغذائي، لذلك تختلف القيمة حسب حجم الأسرة، وتتلقى الغالبية العظمى تلك المساعدات عن طريق المحافظ المحمولة”.
وتواصل السعدي حديثها: “تجب المحافظة على الدعم الدولي لدعم الأردن في تحمل هذا المسعى النبيل في استضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين، فالمنظمات العاملة في المخيم والتي تقدم الخدمات والدعم للاجئين، جميعها منظمات غير حكومية، وبالتالي لا ترتبط بحكومة معينة، والمفوضية على اتصال وثيق مع المجتمع المحلي لإبقائهم على علم بوضع اللاجئين في الأردن”.
وتتابع: “الحكومة الأردنية تسمح للأطفال اللاجئين بالذهاب إلى المدارس ولجميع اللاجئين بالحصول على الرعاية الصحية العامة، بالإضافة الى ذلك يتم تمكين اللاجئين من العمل قانونياً في عدة قطاعات من الاقتصاد الاردني حتى يتمكنوا من المساهمة في إنعاش اقتصاد البلد المضيف”.
وتكمل: “الظروف في سورية لا تساعد على عودة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، وعلى الرغم من ذلك تدرك المفوضية أن بعض اللاجئين يقررون العودة على أساس طوعي، ومن الضروري أن تكون هناك مساحة للاجئين لاتخاذ قرارات حرة ومستنيرة بشأن العودة إلى ديارهم”.
وتبين أنه “منذ إعادة فتح الحدود عقب جائحة فيروس كورونا انخفضت العودة الطوعية إلى سورية، ومعظمها للاجئين مقيمين في الأردن وليس في المخيمات فقط”.
الغد تلتقي اللاجئين
التقت “الغد” بعدد من اللاجئين السوريين داخل المخيم خلال جولتها، ومنهم طه الزوكاني (أبو أنس) من بصرى الحرير في درعا، الذي يصف حال أسرته بـ”المأساوي”.
ويقطن أبو أنس مع 9 من أفراد أسرته داخل كرفان منذ 11 عاما، حيث يقول: “كانوا في البداية يعطوننا للعيلة الواحدة دعما يصل إلى (23) دينارا بشكل عام، لكن بعد ذلك تقلص الدعم إلى (15) دينارا، وهي لا تشتري شيئا، وإذا شئنا معادلتها فلا تكفي مصروفا لطفل صغير، فكيف لأسرة مكونة من تسعة أشخاص كلهم صغار”.ويتابع: “أمضيت عشر سنوات أعاني داخل المخيم، وإذا كنا نحن نستطيع أن ندبر أمورنا، لكن هناك غيرنا لا يستطيعون، فالوضع لا يطاق أبدا داخل المخيم، وابنتي بحاجة إلى ملابس لا أستطيع تأمينها، وآثرنا إبقاءها بملابسها القديمة مع ترقيعها باستمرار، وحتى الكرفانات التي ترونها اهترأت بعد أن مضى عليها 11 سنة”.
ويستكمل حديثه: “كيف بدنا ندبر حالنا مع هاي الأوضاع.. غيري مش لاقي ياكل.!!…أنا كربّ أسرة مش قادر أعبر عن الوضع لأني متضايق على وضعي، ولا أقدر على توفير شيء لأولادي الصغار مهما كان بسيطا. كنت أعمل في المنظمات، وكل ما كنت أقبضه أنفقه على حالنا، وبالكاد يكفي.. أما الآن فلا توجد منظمات ولا أي شيء، كلها أغلقت وعادت إلى بلادها، ولم يبق منها سوى القليل ومنها “الأوكسفام” التي تنفق علينا”.
ولا يختلف الوضع سوءا لدى عائلة مزيد يوسف النصار عن حال “أبو أنس”، فكلاهما يعاني الأمرين في ظل تراجع المساعدات الإنسانية للمخيم.
ويصف النصار وهو من بلدة جاسم في درعا، وكان يعمل مزارعا قبل النزوح إلى مخيم الزعتري في 2014 وضعه قائلا: “والله تأثير انخفاض الدعم علينا كلاجئين كان كبيرا وواضح المعالم، ف 15 دينارا لا تكفي لشراء ثمن علبه دواء، فكيف بالمأكل والمشرب والملبس؟”.

ويتابع: “حتى وظائف داخل المخيم انعدمت، والخروج من المخيم صعب للغاية، ويكلفني الكثير، فكيف باستطاعتنا العمل في الخارج. وقد كنت أعمل قبل ستة اشهر بوظيفة، راتبها 140 ديناار كل أربعة أشهر، لكن بعد ذلك لم أعد أستطيع العمل لأني مريض، وهانحن نعيش في الجوع، ولدي ولدان مريضان وكذلك زوجتي.. ولا أستطيع دفع فواتير الكهرباء، ولا سداد ديني”.
وبحسب أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، انخفضت متطلبات التمويل المخصصة للأردن للعام 2024 نحو 15 مليون دولار.

ورصدت المفوضية 375 مليون دولار لهذا العام، مقابل 390 مليونا العام الماضي، وسيلقي هذا التراجع في الدعم أعباء إضافية على الأردن كدولة مستضيفة للاجئين.

 

دعاء الزيود/ الغد

 


التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة