تربية الأسماك في الغور الشمالي.. هجرة من العمل الزراعي إلى آفاق رزق جديدة
الغور الشمالي- يتوجه العديد من الشباب في لواء الغور الشمالي إلى استغلال بركهم الزراعية وتحويلها إلى أحواض مائية لتربية الأسماك، سعيا لتوفير مصدر رزق يمكنهم من العيش في ظل الظروف المالية الصعبة التي يعاني منها أبناء اللواء، ولوقف الخسائر التي تعرضوا لها عبر مواسم متتالية نتيجة عملهم في زراعة الخضراوات والحمضيات.
ووفقا للعشرات من الشباب والمزارعين، فإن مشاريع تربية الأسماك باستغلال بركهم الزراعية أو إنشاء برك جديدة فتحت لهم آفاقا جديدة في قطاع ما يزال بحاجة إلى المزيد من المشاريع.
وأوضحوا، أن مشاريع تربية الأسماك وفرت أيضا فرص عمل للعديد من شبان الغور، لا سيما أنها تأتي في وقت يشهد فيه القطاع الزراعي تراجعا كبيرا حد من فرص العمل التي كانت متوفرة سابقا، ناهيك عن الظروف المناخية الصعبة التي يعاني منها أهالي اللواء والمزارعون، خصوصا الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة وآثاره على القطاع الزراعي.
ووفق المزارع علي الواكد، وهو شاب من لواء الغور الشمالي، فإنه “استغل المساحة الفارغة من أرض والده لإنشاء أحواض مائية لتنفيذ مشروع الاستزراع السمكي، مستفيدا من أجواء اللواء المناخية المناسبة لتربية الأسماك وإنشاء مشاريع تدر دخلا”.
وأضاف الواكد، أنه واجه صعوبة في الاستمرار بالعمل الزراعي جراء العديد من المشاكل الزراعية التي تبدأ من الكوارث الطبيعية وتنتهي بالاختناقات التسويقية وعدم القدرة على بيع المحاصيل، مؤكدا “أنه تخرج قبل حوالي 3 أعوام في تخصص التسويق الإلكتروني، وقد وجد في ذلك التخصص فرصة لاستغلاله في عمليات البيع والشراء، إذ تمكن من تسويق منتجات الأسماك للفنادق والمولات والمنازل، مع تحديد أسعار خاصة لكل خدمة معينة”.
أما الأربعيني علي الحوراني، من منطقة المنشية، الذي بدأ الاستثمار في قطاع الزراعة قبل 8 أعوام بعد إنهاء عمله في إحدى الدول العربية، فإنه “واجه أيضا العديد من الصعوبات والتعقيدات في العملية الزراعية، خصوصا زراعة الحمضيات، إذ تسبب له ذلك بخسائر مالية نتيجة صعوبة التسويق وقلة المياه وارتفاع كلفة المستلزمات الزراعية، ناهيك عن إغلاق الأسواق التجارية الأخرى، ما دفعه للتفكير في مشروع آخر يمكنه من تعويض تلك الخسائر ويحقق له دخلا جديدا يمكنه من الاستمرار في توفير لقمة العيش”.
وأكد الحوراني، أنه استغل المساحة الفارغة من أرضه وأنشأ بركا لتربية الأسماك، أهمها البلطي والبوري ووحيد الجنس وزينة الكوي، في بيئة مياه عذبة ومالحة داخل برك باللون الأزرق، لتوحي للسمك ببيئة البحر، لافتا إلى أن “المشروع لاقى نجاحا، ويعتزم حاليا توسعته والاستغناء عن الاستثمار في قطاع زراعة الحمضيات أو الخضراوات، كونه غير مجد”.
وأشار إلى الفوائد التي من الممكن أن تعود على سكان لواء الغور الشمالي من مشاريع الاستزراع السمكي، مؤكدا أنها تسهم في رفع المستوى الاقتصادي وتوفير فرص عمل، فضلا عن تلبية حاجة السوق المحلي، إذ يعاني الأردن من فقر كبير في عملية إنتاج الأسماك.
وأضاف الحوراني، من واقع خبرته “أن الأردن يعد من الدول الفقيرة في إنتاج الأسماك، ويعتمد السوق المحلي على الاستيراد من الخارج لتغطية الطلب المتزايد”، موضحا في الوقت ذاته، أنه سيستخدم طريقة مميزة في تسويق الأسماك، وهي خدمة التوصيل المجاني للمنازل في أي مكان بالمملكة، مع حرصه على أن تكون الأسماك نظيفة ومغلفة.
وقال المزارع خالد الجبعي، وهو صاحب مشروع لتربية الأسماك في نظام البرك المفتوحة من لواء الغور الشمالي، إن مشروعه يعتمد على 8 برك مقسمة إلى برك للتربية، وبرك للتفريخ، وبرك للتسويق.
وعن المراحل التي تمر بها عملية الاستزراع السمكي، أوضح الجبعي “أن البداية تكون بإحضار أمهات السمك التي تستورد من دولة مجاورة، خصوصا أنواع الدينيس والبلطي، لأنها تتأقلم بسرعة مع المياه والأجواء الدافئة في الأغوار، ثم يتم تربيتها في أحواض التفريخ حتى يتم تزويجها، وتبدأ الإناث بوضع البيض بعد نحو ثلاثة أشهر”.
ولفت، إلى أن “كل سمكة تضع ما يقارب نصف مليون بيضة، وتوضع بعد ذلك البيوض في حوض التربية لمدة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر، وعندما تكبر السمكة ويصبح وزنها من 200 إلى 400 غرام، تنقل إلى حوض التسويق لتصبح جاهزة للبيع”.
وباتت مزارع الأسماك المنتشرة في مناطق اللواء توفر فرصا تشغيلية لأبناء اللواء، وخصوصا بين صفوف الشباب والشابات الذين يعملون في مجال تنظيف الأسماك، إذ يشغل كل مشروع ما يقارب 10 عمال.
وتقول الناشطة الاجتماعية تهاني الشحيمات “إن تربية الأسماك واستغلال البرك الزراعية وفرا عشرات فرص العمل، وإن توسع انتشار مزارع الأسماك في اللواء وفر فرص عمل جديدة للعديد من الفتيات”، موضحة أنهن يعملن في مجال تنظيف وتغليف الأسماك بطريقة مميزة.
من جانبه، قال مصدر من مديرية الزراعة “إن وزارة الزراعة على تواصل تام وداعم لهذا القطاع الذي يشهد اهتماما كبيرا من المستثمرين المحليين والدوليين”، مبينا “أن الاستهلاك المحلي السنوي يصل إلى 40 ألف طن، أغلبه يتم استيراده، في حين ما ينتج محليا يصل إلى 2500 طن، ما يؤكد أن الاستثمار في هذا القطاع له آفاق واعدة نظرا إلى ازدياد مجالات المكننة والتقنيات الحديثة، ويجعل القطاع متاحا للاستثمار، لا سيما بالنسبة للشباب”.
وأضاف المصدر “أن الوزارة تعمل ضمن برامج متعددة على تدريب وتأهيل الشباب والمهندسين الزراعيين في مجال الاستزراع السمكي”، مشيرا إلى “بعض التشوهات في التعليمات الخاصة بالمياه والتي تحتاج إلى متابعة من وزارتي الزراعة والمياه لحماية هذا القطاع وتنظيمه”.
يذكر أن لواء الغور الشمالي يعد من المناطق الأشد فقرا، ويعتمد أغلب السكان فيه على العمل الزراعي كمصدر رزق أساسي لهم، في وقت يواجه فيه القطاع تحديات جمة، لا سيما ما يتعلق منها بشح المياه، وتداعيات التغير المناخي، فضلا عن محدودية القدرة على مواجهة الأمراض التي تصيب الأشجار والثمار، ونقص الأيدي العاملة، وما إلى ذلك من تحديات تضع المزارعين في مأزق خسائر وديون.
وتبلغ المساحة الزراعية في اللواء نحو 118 ألف دونم، تسيطر على غالبيتها زراعة الحمضيات بمساحة 66 ألف دونم، فيما تحتل زراعة الخضراوات مساحة 34 ألف دونم، و12 ألف دونم للقمح والشعير، بالإضافة إلى 3 آلاف دونم من الموز ومثلها لأشجار النخيل.