تعليق تمويل “الأونروا”.. قطع شريان الحياة الأخير عن غزة

بعد أن فشلت حرب الإبادة الصهيونية في تحقيق أهداف الاحتلال العسكرية في غزة على مدار 15 أسبوعا، حصل الكيان على دعم طالما حلم به قادته بشتى أطيافه السياسية، حكومة ومعارضة.

هذه المرة جاء الدعم للكيان في حربه على غزة من نفس حلفائه الذين مدوه بمختلف أنواع الأسلحة والدعم اللوجيستي لقتل وتشريد الفلسطينيين في غزة، فقد جاء الدور على شريان الحياة الأخير لأهل القطاع “الأونروا”.

وبمجرد اتهام الحكومة الإسرائيلية لبعض موظفي الوكالة الأممية (الأونروا) أخيرا بالضلوع في هجوم “طوفان الأقصى” الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية حماس في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أعلنت الولايات المتحدة الأميركية على الفور (وهي أكبر ممول للأونروا) عن “وقف تمويلها للمنظمة مؤقتا” وما أن لبثت بريطانيا وألمانيا وكندا وأستراليا وإيطاليا وفنلندا وهولندا حتى علقت تمويلها هي أيضا الأمر الذي لاقى إشادة واسعة بين قادة الاحتلال حكومة ومعارضة.
هذه الخطوة طالما مثلت بالنسبة للكيان الصهيوني “حلما” يجسد تحقيقه ضربة قاسية للقضية الفلسطينية برمتها في ظل اعتماد 5.9 مليون لاجئ فلسطيني على خدماتها وتمويلها للعيش، عدا عن رمزية ملف اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون أساس العودة إلى بلدهم الأم فلسطين.
ويتخطى قرار تعليق التمويل مصطلح “التهديد” فالأمر بات يعني قطع شريان الحياة الأخيرة عن زهاء 2 مليون مستفيد من خدمات الأونروا في قطاع غزة (كل السكان تقريبا).
فماذا تبقى إذن؟ بعد أن بات أهل القطاع  يشربون من ماء البحر لري عطشهم ويخبزون علف الماشية لإطعام أنفسهم! فيما تقطع الأطراف في العمليات دون تخدير وتجرى العمليات الجراحية على الأرض وينام الناس على الطين تحت خيم بالية تدلف ماء المطر على رؤوس الأطفال الرضع!
وفي ظل ما يعانيه القطاع من حصار خانق بسبب إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات عبر معبر رفح المصري أو حتى من معبر كرم أبو سالم من داخل الأراضي المحتلة، يؤكد خبراء أن وقف تمويل الاونروا يعني قطع خط الامداد الأخير لأهل غزة، فمن أين ستأتي المساعدات؟
ويتزامن قرار وقف تمويل الاونروا مع قرار محكمة العدل الدولية، الذي قضى بأن على المحتل أن يتخذ خطوات فورية لتمكين توفير المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الفلسطينيون بشكل عاجل.
ويعني هذا الأمر خطوة استباقية لتعطيل قرار المحكمة إلى حد بعيد لأن الأونروا هي الجهة التي تقدم المساعدات إلى الفلسطينيين، ذلك إن وصلت، وكأن غزة باتت ساحة لمعركة دولية يخوضها أهل القطاع على كل الصعد.
واعتبر الخبراء في تصريحات خاصة لـ”الغد” أن قرار تعليق تمويل ” الاونروا ” من قبل بعض الدول بأنه قرار منحاز وغير اخلاقي، الهدف منه تحطيم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الاونروا) التي تجسد النكبة الفلسطينية وحقيقة القضية الفلسطينية، وتحطيم منظومة القيم الانسانية والاخلاقية.
وقال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض إن “إعلان بعض الدول الغربية (اميركا، بريطانيا، المانيا، كندا، وايطاليا، وفلندا، هولندا) عن تعليقها للمساعدات التي تقدمها هذه الدول للاونروا، سيضيف اعباء اقتصادية وخدمية جديدة على الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطنيين، كما انها ستزيد من المعاناة المعيشية للاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون في غذائهم ومأواهم على ما تقدمه الاونروا.
واعتبر عوض أن قرار هذه الدول يعد قرارا منحازا وغير اخلاقي، ومخالفا للقانون الدولي حيث إن تأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين جاء بقرار دولي رقم 194، وينص على تمكين الشعب الفلسطيني معيشيا واقتصاديا واغاثيا لحين إيجاد حل دائم وشامل للقضية الفلسطينية، ما يعني بأن الامم المتحدة والدول التي تنضوي تحتها عليها واجب الالتزام بتمكين اللاجئين الفلسطينيين معيشيا وإغاثيا.
وأوضح عوض أن خطورة هذا القرار تكمن في انها جاء بعد فترة من الازمات التمويلية التي عاشتها الوكالة خلال السنوات الماضية، إضافة إلى انه يأتي في وقت أحوج ما يكون فيه اللاجئون الفلسطينيون للمساعدات والدعم خاصة في قطاع غزة الذي يفتقد لأدنى مقومات العيش بعد عمليات التدمير الكلي والتهجير القسري التي تعرضت لها غزة في الاشهر الاخيرة من قبل آلة الحرب الاسرائيلية.
بدوره، اعتبر المختص في الاقتصاد السياسي زيان زوانة أن قرار تعليق المساعدات المقدمة للاونروا من قبل 9 دول تقودها الولايات المتحدة، يبدو الهدف الاساسي منه تحطيم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الاونروا ) التي تجسد النكبة الفلسطينية وحقيقة القضية الفلسطينية، بما انها ذراع أممية  إغاثية لمساعدة المنكوبين واللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من بلدهم بعد عام 1948، مشيرا إلى ان القرار يساهم ايضا في تحطيم المنظومة الانسانية والاخلاقية في العالم.
وأكد زوانة أن قرار تعليق المساعدات المقدمة للاونروا أثار سلبية كبيرة على اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات، إذ إن الأونروا منظمة وكيان ضخم للغاية وتعتمد حياة الملايين من اللاجئين الفلسطينيين معيشيا واقتصاديا واجتماعيا وخدميا وطبيا عليها، ما يعني أن الوكالة ليست كأي مؤسسة اغاثية اخرى، إذ إنها تقدم خدمات حياتية وتعليمية متعددة، وتشغل آلافا من اللاجئين الفلسطينيين.
وأوضح زوانة أن هذا القرار سيحد من قدرة الوكالة على تقديم خدماتها بالصورة الكاملة واستدامتها، وسيجبرها على اعادة هيكلة خدماتها وتقليصها، وسيكون المواطن الفلسطيني المستفيد منها هو المتضرر الاكبر من هذا القرار.
إلى ذلك قال الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة ” تعليق بعض الدول مساعداتها المخصصة للاونروا سيفاقم من أزمة الوكالة ويضع امامها تحديا جديدا بعد ان واجهت خلال السنوات الماضية تحدي تقلص المساعدات عدا عن أزمة الرواتب التي تعاني منها الوكالة منذ سنوات لا سيما في قطاع غزة”.
وأكد المخامرة أن قرار هذه الدول يعد بمثابة عقاب للمواطنين الفلسطينيين المستفيدين من الخدمات الاغاثية للوكالة خاصة في غزة التي تعد مدينة منكوبة بكل المقاييس وعلى مختلف الصعد، مما سيضاعف من معاناتهم في ظل حالة الحرب التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع.
وأوضح المخامرة أنه قد ينشأ عن قرار تعليق دول للمساعدات المقدمة للاونروا، بعض الازمات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية في الدول المحتضنة للاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون خدمات من الاونروا، عدا عن ترتيبه اعباء جديدة على هذه الدول التي ستجد نفسها مدفوعة لمساندة الوكالة على تقديم بعض الخدمات والاحتياجات.
وكان المفوض العام لوكالة الامم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) فيليب لازاريني اعتبر قرار مجموعة من الدول تعليق تمويلها المؤقت للوكالة بأنه تهديد لعمل الوكالة الإنساني المستمر في جميع أنحاء المنطقة، وقطاع غزة بشكل خاص.
وقال لازاريني “فرض عقوبات على الوكالة ومجتمع بأكمله بسبب مزاعم بارتكاب أعمال إجرامية ضد أفراد خاصة في وقت الحرب والنزوح والأزمات السياسية في المنطقة أمر غير مسؤول إلى حد كبير”.
ووصف لازاريني قرار تعليق تمويل الوكالة كرد فعل على مزاعم ضد مجموعة صغيرة من الموظفين بانه أمر صادم خصوصا بعد الإجراء الفوري الذي اتخذته الوكالة بإنهاء عقودهم والمطالبة بإجراء تحقيق مستقل وشفاف.
واعتبر لازاريني بأن قرار هذه الدول يتعارض مع دعوة محكمة العدل الدولية  التي أمرت الجمعة الماضية بأنه يجب على دولة الاحتلال الإسرائيلي أن تتخذ تدابير فورية وفعالة لتمكينها من توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة، وتهدف هذه التدابير إلى منع إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بحقوق الفلسطينيين.
وشدد لازاريني أن الطريقة الوحيدة لتنفيذ ما أمرت به محكمة العدل هي من خلال التعاون مع الشركاء الدوليين، وخاصة أونروا لكونها أكبر جهة فاعلة إنسانية في غزة، مشيرا إلى مواصلة قرابة 3 آلاف موظف أساسي من أصل 13 ألف موظف في غزة الحضور إلى عملهم، مما يمنح مجتمعاتهم شريان الحياة الذي يمكن أن ينهار في أي وقت الآن بسبب نقص التمويل.
ويشار إلى ان وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الادنى التي يطلق عليها “الاونروا”،  هي وكالة غوث وتنمية بشرية تعمل على تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد لحوالي 5.6 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وقطاع غزة.

 عبدالرحمن الخوالدة// الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة