تغير المناخ وحرائق الغابات.. هل نحتاج نهجا جديدا للوقاية الاستباقية؟

جرش– بحلول كل صيف، يعود الحديث عن حماية الغابات والثروة الحرجية في محافظة جرش من الحرائق، إلى الواجهة مجددا، وسط تعالي الأصوات التي تطالب بإجراءات أكثر جدوى وتطورا في التعامل معها، خصوصا مع التغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة والعالم، وكذلك وجود تعديات من قبل ما يعرفون بـ”تجار الحطب”.

ولعل من أبرز ما يستدعي الوقوف عليه، هو ما شهدته مؤخرا، غابات وديان الشام والتي امتدت الحرائق في أرجائها أكثر من أسبوع وأتت على مساحة لا تقل عن 500 دونم فيها.

في أجواء كتلك، برزت تساؤلات عدة في الشارع الجرشي، وتحديدا من قبل المهتمين والمختصين في القطاعين البيئي والزراعي، حول الإجراءات الوقائية التي يتم اتخاذها عند الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وعدم وجود خطوط نار، وكذلك عدم تفعيل وتعزيز أبراج المراقبة، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى موقع الحريق.
حول ذلك، يقول رئيس جمعية البيئة الخضراء غسان العياصرة، إن “الإجراء الذي اكتفت مديرية الزراعة بالقيام به، هو فتح خطوط نار للغابة مع أن هذا الإجراء موجود أصلا في خطة مكافحة الحرائق، ولم يكن مجديا في التصدي للحريق، ولم يخفف من نسبة الخسائر أو يساعد في السيطرة على الحريق بسرعة، مما يعني بالضرورة أن الخطة ضعيفة وغير فعالة أصلا ولا تتناسب مع التغيرات المناخية التي تمر بها المنطقة وموجات الحر الطويلة، والتي تساعد على انتشار الحريق بسرعة كبير، وبأبسط طريقة قد تنشب الحرائق من مخلفات متنزهين أو أعقاب السجائر أو إشعال النيران وعدم التأكد من إطفائها من قبل الرعاة”.
وطالب العياصرة، أن “تعزز مديرية الزراعة كوادرها بخبير في حماية الغابات ليضع خطة تتلاءم مع طبيعة جغرافية الغابات ومساحتها وموقعها، على أن تتضمن الخطة تعزيز أبراج المراقبة ومراقبة الغابات، وفتح خطوط نار بجميع الاتجاهات وتزويدها بأنظمة مراقبة عن بعد مزودة بنظام كاميرات وغرف تحكم لكل غابة، وتجنيد آليات وكوادر لمراقبة حركة التنزه فيها وعدم التهاون في محاسبة العابثين”.
أما الناشط في مجال الزراعة المهندس الزراعي أحمد القادري، يؤكد أنه “من المفترض، أن يبدأ تنفيذ خطة مكافحة الحرائق مع بداية فصل الصيف من كل عام ومن ضمنها فتح خطوط نار، إلا أن الحريق الأخير كشف عن عدم تنفيذ الخطة وعدم جدواها، لا سيما أن الحريق امتد لأكثر من أسبوع وتجدد في أكثر من موقع، وهذا دليل أن الخطة لا تنفذ في موعدها وغير مجدية في الحد من الحرائق التي تهدد ثروتنا الحرجية”.
وأوضح القادري، أن “حماية الغابات واجب وطني يجب أن تتشارك فيه جميع الجهات المعنية من بلديات وأشغال وزراعة ودفاع مدني، وتقوم كل جهة بواجبها في تنظيف الغابات ومراقبة حركة التنزه ومراقبة جزء منها وحمايتها بأنظمة رقابة حديثة، لا سيما أن تكلفة هذه الإجراءات أقل بكثير من الخسائر التي تتعرض لها الغابات، فضلا عن تكلفة الإطفاء لأيام متتالية، علما أن المنطقة تمر بتغيرات مناخية صعبة وجديدة والجهات المعنية غير معتادة على التعامل معها، وقد تمتد هذه التغيرات لسنوات طويلة، الأمر الذي يستدعي تغيير الخطط التقليدية القديمة والاستعانة بخبراء ومهندسيين وفنيين مطلعين ومتخصصين في هذا المجال”.
في المقابل، اكتفت مديرية زراعة جرش، وفق ما ذكر مديرها الدكتور فايز الخوالدة لـ”الغد”، بفتح خطوط نار على كل الاتجاهات في غابات وديان الشام بعد تعرضها للاحتراق قبل أسابيع، وطالت النيران ما يزيد على 500 دونم من الأشجار المعمرة من السنديان والبلوط واللزاب والملول والقيقب فيها، وحولت هذه المساحات إلى رماد بعد ما كنت من الغابات النادرة المتشابكة على مستوى العالم، مضيفا أن تم فتح خطوط نار جديدة أيضا في غابات لها نفس الظروف البيئية والجغرافية لحمايتها من الحرائق.
كما أكد الخوالدة، أن “فتح خطوط النار يسهل الوصول إلى كافة المواقع بسهولة وسرعة للسيطرة على الحرائق، لا سيما أن الحريق الكبير الذي اندلع قبل نحو شهر في غابات وديان الشام استمر أياما متواصلة، وتجدد بسبب صعوبة الوصول إلى موقع الحريق وعدم وجود خطوط نار في الغابة، قائلا ” لو كانت الغابة مخدومة بخطوط نار لكانت الخسائر أقل والسيطرة على الحريق في وقت قياسي”.
وأشار إلى أن “فتح خطوط النار يعد من أهم الإجراءات التي تضمن سرعة الوصول إلى الغابات وخاصة الغابات المتشابكة وسهولة مراقبتها كذلك من العبث وافتعال الحرائق، لا سيما أن الحريق السابق كان مفتعلا”.
بدوره، قال مدير حراج جرش المهندس فايز الحراحشة، إن “فتح خطوط نار في غابات تقع ضمن منطقة جغرافية صعبة، يعد من المهام الصعبة التي احتاج إنجازها أكثر من 5 أسابيع متواصلة وآليات ومعدات ضخمة وكبيرة جدا، لتفادي هذه الخسائر مجددا في حال نشبت حرائق جديدة، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي  تمر بها المنطقة والارتفاع الكبير على درجات الحرارة”.
ووفق الحراحشة، “بدأت فرق الاستثمار بجمع الحطب الذي نتج عن الحريق لغاية بيعه للمواطنين قبيل فصل الشتاء، لكن الكميات التي جمعت لن تتجاوز الـ70 طنا، كون الحريق كان مدمرا وتسبب باحتراق الأشجار بشكل كامل، وكمية الحطب التي أنتجت متواضعة مقارنة بحجم الحريق”، إلا أنه لفت إلى أن “هذه الغابة من الغابات التي تتجدد تلقائيا، ومن المتوقع أن تجدد نفسها بعد عدة سنوات”.
وأضاف، “نجحت خطوط النار الجديدة في السيطرة على الحرائق لسهولة تنقل مراقبي الحراج والدوريات الراجلة بين الغابات، والوصول إلى كافة المواقع والحد من تجدد أو نشوب الحرائق في أخطر المناطق وأوسعها انتشارا نظرا لارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير وسهولة نشوب النيران وامتدادها بالتزامن مع الإجراءات التي تتخذها الزراعة في خطة مكافحة الحرائق، وأهمها تعزيز أبراج المراقبة والدوريات الراجلة”.
وأكد الحراحشة، أن “تفعيل خطة مكافحة الحرائق يبدأ من مطلع فصل الصيف وحتى نهايته، وهي فترة الذروة التي تنشب فيها الحرائق، وهي من الخطط الفعالة ودليل فعاليتها هو تراجع نسبة الحرائق مقارنة مع عدد الحرائق في السنوات الماضية، وعدم نشوب حرائق جديدة، لكن المشكلة تتمثل في افتعال الحرائق من قبل العابثين وتجار الحطب”.

صابرين الطعيمات/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة