تقليص “الإجازة بدون راتب”.. حفاظ على الكفاءات أم خفض للتحويلات؟

طرح القرار الحكومي الأخير، المتعلق بتخفيض إجازة الموظف بلا راتب إلى أقل من 3 سنوات، أسئلة متعددة، حول أساليب إقرار التشريعات، وهل تكون ناجمة عن دراسات وتحليلات علمية، أم أنها بنت لحظتها، لا سيما في القضايا الحساسة التي تتعلق بمصائر الناس وقوتهم ومعيشتهم.

وتنطلق هذه الأسئلة من فكرة أن تخفيض الإجازة للموظف دون راتب بهذا القدر الضئيل من السنوات، يعني حتما، بالواقع التطبيقي، عدم السماح له بالسفر والعمل خارج المملكة، لأن الموظف يحتاج إلى سنة على الأقل حتى يستطيع الاستقرار في الوظيفة التي التحق بها، كما أنه من الناحية المالية، سينفق كل ما دخله لترتيب وضع سكنه وأسرته وأولاده؛ ما يعني أن القرار تجاهل أبعادا إدارية، واقتصادية، واجتماعية تجب مراعاتها حتى يتسنى اتخاذ مثل هذه التعديلات.

ورجح خبراء، فضلا عما سبق، أن يقلص هذه القرار من عدد العاملين الأردنيين في الخارج، ما ينعكس سلبًا على حجم التحويلات المالية إلى الأردن، والذي سيحرم الدولة من مورد أساسي من مواردها التي تعتمد عليها الخزينة.
من جهتها تبرر الحكومة هذا القرار، وعلى لسان نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وزير تحديث القطاع العام ناصر الشريدة، بالسعي إلى الحد من هجرة الكفاءات الأردنية إلى الخارج، فضلا عن تنظيم هذه العملية في ظل حجز نحو 13 ألف شاغر وظيفي لموظفين بلا راتب.
وفي هذا الصدد، قال مدير عام معهد الإدارة العامة السابق راضي العتوم، إن التطوير والتحديث الإداري والاقتصادي ينبغي أن يرتبط بتطوير التشريعات المنظمة للحياة الاقتصادية والخدمة العامة، وما ينبثق عنهما من حوكمة تنظم كافة العلاقات الوظيفية لتحقيق الأهداف المخططة في إستراتيجية الدولة، ومن توجه للاستدامة.
وأضاف العتوم إنه عندما نتحدث عن تطوير التشريعات؛ ومنها الأنظمة، فيجب الالتزام بالدراسة والتحليل لأي آثار محتملة للتشريع من جوانبه الإدارية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية؛ توخيا للحصافة المالية، والعدالة القانونية.
وزاد: “كما أن التسّرع في تعديل التشريعات لهو دليل إما على جهل أو تجاهل مقصود لما ستكون عليه الحال عند التطبيق في الواقع العملي، وعند ذلك ستكون الخسارة معول هدم لا رافعة تحديث وتطوير”.
وقال إن “ما جرى من تعديلات على نظام الخدمة المدنية / الموارد البشرية، حول تقليص الإجازة دون راتب للموظف العام، من عشر سنوات، وخمس سنوات إلى ثمانية أشهر أو سنة، هو قرار خطير كانت قد خلصت إليه إستراتيجية التحديث الاداري سابقا عندما أوصت بإلغاء وزارة العمل في ظل البطالة التي تجاوزت نسبتها 35%، وقد أوضح مختصون كُثر في وسائل إعلام مختلفة بأنه قرار كارثي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة”.
وبين أن “التخفيض يعني حتما، وبالواقع التطبيقي، عدم السماح للموظف بالسفر والعمل خارج المملكة، فالمسافر يحتاج إلى سنة على الأقل ليستطيع الاستقرار، ومن الناحية المالية سينفق كل ما لدية َمن دخل لترتيب وضع سكنه وأسرته وأولاده في المدارس؛ لهذا فهناك أبعاد إدارية، واقتصادية، واجتماعية يجب إدراكها حتى يتسنى لنا اتخاذ هكذا تعديلات”.
وقال إن “بلدنا مليء بالكفاءات، ولهذا فإن حجة خفض هجرة الكفاءات هو مبرر لا يمكن تسويقه”.
وتساءل: “هل أخذ صاحب القرار ومن أوصى بالتعديل كيف ستتعامل الحكومة مع عودة عشرات الآلاف من الموظفين إلى الأردن، وما هو التأثير على البطالة عموما، وعلى البطالة المقنعة، وعلى الضغط الاقتصادي، والاجتماعي، والأبعاد السياسية؟”.
وقال: “بالعودة إلى الآثار الاقتصادية المهلكة للتنمية لهذه التعديلات، فهل تناولت هيئة الموارد هذه الأمور بعلمية وجدية، وبنظرة وطنية موضوعية واقعية؟، وفي الأبعاد الاجتماعية هل درست معلومات حول التزامات المهاجرين المالية، والأسرية، وكيف السبيل للعودة من مخاطر ستصيب الواقع الاجتماعي للأسرة ومن حولها؟”.
وزاد: “ألم تدرس هيئة الموارد وتحلل مصير حوالات الأردنيين العاملين في الخارج التي يتغنى بها البنك المركزي والحكومة دائما، والتي وصلت إلى 3.5 مليار دولار تقريبا عام 2023”.
من جهته، رأى الأمين العام لوزارة تطوير القطاع العام/ مدير عام معهد الادارة العامة سابقا الدكتور عبدالله القضاة، أن التحديث الإداري هو الرافعة الحقيقية لباقي مسارات التحديث، واليوم أصبح أمرا أساسيا وليس خيارا، وليس أمامنا خيار سوى تطبيقه، والتعامل معه بجدية، كما أن الجميع اليوم شريك في الإصلاح والتحديث، من مؤسسات مجتمع محلي وقطاع خاص ومؤسسات أكاديمية وغيرها.
ونبه القضاة إلى ضرورة الشراكة في هذا الحراك الإيجابي، وبث ثقافة التغيير، رسميا وشعبيا وحزبيا، مؤكدا أن الأردن يسير في الدرب الصحيح في موضوع التحديث الإداري والقطاع العام، وسنصل حتما لما هو نموذجي لأن الأردن كان دوما مرجعا في تطوير الإدارات العربية.
ويرى القضاة أن من متطلبات تطبيق النظام الجديد نشر ثقافة فكر الموارد البشرية بين موظفي القطاع العام وثقافة التغيير، كون النظام يستند الى أفضل الممارسات الدولية، وهذا يتطلب ثقافة قبول التغيير والاعتماد على قيادات كفؤة في جميع مواقع  العمل الحكومي، وخاصة شاغلي وظائف الإدارة الوسطى.
وأبدى تفاؤله بأن يسهم تطبيق النظام الجديد في ترسيخ منظومة متكاملة للمساءلة، عبر تطبيق معايير المساءلة، وخاصة على شاغلي الوظائف الإشرافية والقيادية، مع ضمان التحقق من الالتزام بقواعد السُّلوك الوظيفي وبأخلاقيَّات الوظيفة العامَّة لجميع المستويات الوظيفية؛ وبما يسهم في رفع كفاءة الأداء وضمان حُسن سير العمل في الدَّوائر، وتنظيم سائر الشُّؤون المتعلِّقة بإدارة الموارد البشريَّة في القطاع العام.
وأشار القضاة إلى أن التحديث الإداري اليوم يعد وينفذ بأياد وعقول أردنية، ولا يكلف مبالغ مالية كبيرة، علاوة على كونه يثري تجربتنا الإدارية ويهتم بالطابع المحلي بشكل كبير، لافتا إلى أهمية كل ما تم تنفيذه في موضوع التحديث، وأهمية نظام الموارد البشرية الذي سيجعل الوظيفة العامة تعتمد أولا وآخرا على الكفايات.
يشار إلى أن مجلس الوزراء أقرَّ في جلسته الأخيرة، برئاسة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، نظام إدارة الموارد البشريَّة في القطاع العام لسنة 2024م، ونظاماً معدِّلاً لنظام الخدمة المدنيَّة لسنة 2024م.
وسيُنشر النِّظامان في الجريدة الرَّسمية بعد صدور الإرادة الملكيَّة السَّامية بالمصادقة عليهما.
ويهدف النِّظامان إلى تطوير منظومة الموارد البشريَّة في القطاع العام، تحقيقاً لمتطلَّبات التَّحديث الإداري، إذ يأتي مشروع نظام إدارة الموارد البشريَّة في القطاع العام لسنة 2024م لغايات تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد البشريَّة، ومأسسة السِّياسة العامَّة لإدارة الموارد البشريَّة في القطاع العام؛ بما يسهم في زيادة إنتاجيَّة الموظَّفين وكفاءتهم، والوصول إلى قطاع عام ممكَّن وفعَّال يكون الوطن والمواطن محور اهتمامه.

عبدالله الربيحات/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة