“جرش” يسدل ستاره على دورة تجددت فيها الأصالة لتصنع مهرجانا عالميا

عمان– لم تكن الدورة الـ 37 من مهرجان جرش، دورة عادية، إنما سطرت أشكال النجاح والتميز، متجاوزة الكثير من الأخطاء التنظيمية السابقة، لتشكل توليفة تجمع كل أشكال الثقافة والفنون وفي جميع المسارح التي امتلأت بالعائلات المتشوقين لكل أنواع الفنون.

“ويستمر الفرح” بهذا الشعار انطلق مهرجان جرش قبل ما يقارب الأسبوعين، ليعيش الجمهور حالة من البهجة بفعاليات امتدت من شمال المملكة إلى جنوبها لتسطر بها ليالي ستبقى خالدة في ذاكرة الجمهور.

في أروقة المدينة الأثرية، تواجد الصغار والكبار، كل يتجه لفعالية ينتظرها، أما أصوات الفنانين من كافة أنحاء العالم فكانت تصدح من المسارح لتنثر البهجة على الحضور، عدا عن كل زوايا هذه المدينة التي امتلأت بالمأكولات الشهية، وحتى الحرف اليدوية التي تسارع الكثيرون للشراء منها.
في هذا العام تجدد الفن والأصالة في دورة مميزة، فقد حملت في طياتها عبق الحاضر والماضي وجمعت حب الوطن والإنسان وانتشر الفن بجميع أشكاله، تم استحداث أفكار جديدة في الفعاليات، بهدف إثراء العمل الثقافي والفني والمجتمعي والاقتصادي والسياحي، منها جناح خاص للسفارات المعتمدة لدى البلاط الملكي الهاشمي، لعرض الموروث الثقافي والاجتماعي لهذه الدول، ليتمكن رواد المهرجان من الاطلاع على ثقافات وتراث شعوبها. وشهدت جميع الأيام حفلات موسيقية وفنية وفلكلورية لفرق أردنية وعربية وأجنبية، ومشاركة لأهم الفنانين الأردنيين والعرب.
شارع الأعمدة كان حلقة الوصل بين المسرح الجنوبي والساحة الرئيسة والمسرح الشمالي، من حيث وجود المئات من زوار المهرجان الذين يتنقلون بين المسارح ومعارض الفن التشكيلي، والمشغولات اليدوية، حيث قامت إدارة المهرجان باستحداث ثلاثة مسارح على امتداد شارع الأعمدة تُقدم من خلالها 120 فعالية، ما بين الحكواتي والمهرجين والشخصيات الكرتونية والرسم على الوجوه والغناء والعزف المنفرد لبعض المواهب الشابة.
وفي تصريح خاص لـ “الغد”؛ لفتت وزيرة الثقافة هيفاء النجار إلى أن الدورة (37) لمهرجان جرش والتي حظيت بالرعاية الملكية السامية، اتسمت بزخم كبير لجهة المشاركات المحلية والعربية والأجنبية، من خلال تنوع مفردات الفعاليات التي تصب في القيم الثقافية والإنسانية التي سعت اللجنة العليا لتحقيقها.
وجاء التركيز في هذه الدورة انطلاقا من أجواء الفرح التي عمّت الوطن، وكذلك التركيز على التنمية الشاملة والثقافة الوطنية الجادة، التي ميزت المهرجان بوصفه عنوانا وطنيا وحضاريا، وجزءا من السردية الأردنية الوطنية، التي جعلت المهرجان مرتكزا ثقافيا وحضاريا وتاريخيا عالميا وتجسد في العمل الملحمي الذي أعده وأخرجه مجموعة من المبدعين الأردنيين، وحمل عنوان “نهر الذهب” الأوبريت الذي افتتح المهرجان بحضور مندوب جلالة الملك عبد الله الثاني، رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة.
وتشير النجار إلى أن موقع الأردن الجغرافي والرمزي الذي يقع في قلب العالم، جعل منه مركز اهتمام ثقافي وإعلامي تجلى بالحضور الكبير لوسائل الإعلام والاتصال الأردنية والصحافة العربية والعالمية التي كانت شريكة في الترويج للمهرجان والمملكة والتعريف بجماليات المكان والمبدع الأردني.
كما اتسمت الدورة بحضور الصوت المحلي، من خلال إتاحة المجال للمبدع الأردني وتمكين المرأة والشباب، وإدماج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعزيز قيم الفرح، الذي كان من أبرز علاماته زواج سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ومثل عنوانا وطنيا: “ويستمر الفرح”، وكان المهرجان مساحة لضيوف وسياح العالم والبلاد العربية وفضاء للعائلة التي وجدت فيه متنفسا للفرح. ووفق وزيرة الثقافة؛ تجلت في الدورة قيم التشاركية، من خلال تشاركية العمل مع المؤسسات الرسمية، ومنها وزارة السياحة، وهيئة تنظيم السياحة ودائرة الآثار العامة، ووزارة الشباب ووزارة التنمية الاجتماعية، والقطاع الخاص، بما في ذلك الشراكات الفاعلة مع الهيئات الثقافية والفنية، والمجتمع المحلي والمجتمع المدني، والتنسيق مع الأجهزة الوطنية الأمنية التي وفرت مناخا تنظيميا نموذجيا لسير الفعاليات ودخول الزوار وخروجهم بسهولة ويسر.
وزاد زخم الدورة المشاركات النوعية المحلية التي أكدت أهمية تطوير الثقافة والفنون بوصفها جزءا لا يتجزأ من الصناعات الثقافية والإبداعية التي ترفد عجلة الإنتاج الوطني وتسهم في تغذية الأبعاد الاقتصادية، وتعزز السياحة الثقافية.
وأضفت المشاركات من الدول العربية والدول الصديقة، ومنها (ضيف الشرف) جمهورية مصر العربية بتراثها وتنوع فنونها، والمملكة العربية السعودية بعبق تراثها، وكذلك قطر وسلطنة عمان، والكويت وغالبية الفرق التي مثلت إضافات مهمة في إثراء فعاليات المهرجان وتنوعه.
وبالموازاة من ذلك، كان البرنامج الثقافي ينطوي على زخم في العناوين والشخصيات المشاركة، من خلال الندوات النقدية، والأمسيات الشعرية، وبرنامج الفنون التشكيلية الذي توج بمعرض لأعمال مدهشة لعدد من الفنانين الأردنيين والعرب والأجانب. وأضافت النجار أن المهرجان بالمعايير التنظيمية والإدارية والفنية مهرجان عالمي، وهو ما يضاعف المسؤولية في الدورة المقبلة بمزيد من التفكير في تحسين البرامج وتطويرها، وتدريب العاملين في القطاع ومؤسساته وقياس انعكاس البرامج على المجتمع، وتأكيد التجارب الناجحة والبناء عليها، ومنها تجربة ضيف الشرف، ورؤيتنا أن يسهم المهرجان في استمرار الفرح وتحسين نوعية الحياة. وقدمت النجار شكرها لكل من ساهم في هذا العمل الوطني، من المؤسسات الرسمية، والقطاع الخاص، والإعلام والمتطوعين والرعاة والداعمين والمجتمع المحلي والمدني والهيئات الثقافية، والأجهزة الأمنية والإدارة التنفيذية وفريق المهرجان الذي شكل نموذجا للتشاركية التي هي سر نجاح المهرجان.
وفي حديث خاص مع “الغد” صرح نقيب الفنانين الأردنيين محمد يوسف العبادي أن مهرجان جرش في نسخته الـ37 كان من أنجح الدورات ويعزى هذا النجاح للمشاركة الأردنية غير المسبوقة، فقد كانت روح المهرجان أردنية بالكامل، مؤكدا ذلك بقوله “ما يميز المهرجانات المحلية هويتها وهوية المهرجان لهذا العام كانت الفنان الأردني”. ويبين العبادي أنه كان هنالك مشاركة طاغية للفنان الأردني وصلت لـ1500 فنان أردني من كافة أنواع الفنون من العزف والغناء والمسرح والسينما، وعلى هامش المهرجان كان هنالك “مهرجان مسرحي” بـ 55 مسرحية و”مهرجان سينمائي” بـ15 مسرحية سينمائية، فالمهرجان يحمل اسم “جرش” ولكنه مهرجان الأردن، والفعاليات لا تقام في جرش فقط بل كانت على مسارح عدة في عمان وفي مختلف مسارح المملكة. ويقول العبادي “تجربتنا هذا العام في مسرح الأوديون والمدرج الروماني والبوليفارد والمركز الثقافي الملكي ومسرح ارتيمس كانت مهمة ولافتة، فقد ترجمت ذاكرة الزمان والمكان في الأردن أجمع”. ويضيف العبادي أن المهرجان لهذا العام كان له علاقة بالوعي الجمعي وبصيغة الوجدان الشعبي وبارتقاء الذائقة، وهذا الأمر كان مدروسا وبدقة، معتقدا أن دخول نقابة الفنانين الأردنيين على هذا الملف بهذا الحجم وبهذه الصورة كان له أثر كبير في النتائج التي حققها المهرجان.
ويقول “بالطبع نحن طموحنا أكبر بكثير لمهرجان بحجم جرش، كونه مهرجانا عريقا ومميزا ومعروفا، لذلك “نطمح بأن نكون أفضل في كل دورة، واليوم نحن قادرون على أن نقول إن النسخة 37 كانت ناجحة، لأنه كان هنالك تشارك من كافة القوى الثقافية والفنية، لكي يخرج المهرجان بمثل هذه الصورة”.
وينوه العبادي إلى أن “مهرجان جرش للثقافة والفنون” بمعنى الثقافة تأتي قبل الفنون، وهذا ما ميز مهرجان هذا العام أنه لم يعتمد على الموسيقا والغناء فقط ، بل كان مهرجانا ثقافيا فنيا تضمن الأدب والشعر والحرفيات والمسرح والسينما، مبينا أنه عادة ما يكون المهرجان يعتمد على الغناء في العالم العربي.
ويشير العبادي إلى أنه في هذه الدورة “النجوم الأردنيون واكبوا النجوم العرب، وجميع مشاركات الفنان الأردني كانت بحجم المشاركة العربية”.
ويؤكد العبادي أن النقابة أدارت هذا الملف تنظيميا وإداريا وماليا كون النقابة الأقدر على التمييز بين الجيد وغير الجيد بما يخص الفنانين، والنقابة في إدارتها لهذا المشروع من خلال مجلس النقابة الذي يضم 11 زميلا إلى جانب لجان انبثقت عن المجلس “استطعنا تنظيم الفعاليات في مسارح المملكة كافة”. ويختتم العبادي حديثه بأن جرش عرس أردني وطني كبير، ومشروع من مشاريع الدولة، قابل للصواب والخطأ و”دائما نتعلم من تجاربنا ونتمنى أن تكن التجربة القادمة بمستوى أفضل، فالهدف تقديم كل ما يليق بالوطن وبالفنان الأردني والحركة الفنية ليليق بنا جميعا، ودائما الطموح بتقديم الأفضل.

رشا كناكرية/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة