حرب غزة تعيد للواجهة مسلسلات تروي تاريخ القضية الفلسطينية
لطالما حمل الفن صوت فلسطين وألمه في العديد من الأعمال الفنية والأدبية، ومنذ بداية الاحتلال الغاشم وإلى يومنا هذا، نرى الفن وظفت أدواته لوضع بصمة واضحة في القضية الفلسطينية، من خلال نقل تاريخها ومجدها العريق.
وعلى مر السنين عرضت مسلسلات درامية استعرضت معاناة الشعب الفلسطيني وقوته بمشاهد لامست القلوب وأدمعت العيون لقصص رواها الأجداد، والتي جسدت على شاشات التلفاز بأعمال درامية عربية مؤثرة، عملت على ترسيخ القضية في أعماقنا ونقشت حب فلسطين فينا.
واليوم مع تصاعد الأحداث في حرب غزة، عادت الدراما والأعمال المرتبطة بفلسطين للواجهة، فمنذ بداية معركة “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، غزت مواقع التواصل الاجتماعي مقتطفات من المسلسل التلفزيوني الأبرز “التغريبة الفلسطينية”.
والذي يعد واحدا من أشهر ما أنتجته الدراما العربية في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية حسب العديد من النقاد، وقد نال المسلسل الكثير من الجوائز من دول عربية مختلفة، هذا وقد جرى تصويره بالكامل في سورية العام 2004، وبث للمشاهد في العام نفسه في 31 حلقة، طوال شهر رمضان، فكان أول عرض له في 15 من تشرين الأول (أكتوبر) 2004.
كما أن التساؤلات العديدة والرغبة في المعرفة لدى الجيل الحالي، ساهمت في جعل بعض القنوات التلفزيونية تعيد عرض بعض الأعمال الدرامية التي تحدثت عن القضية الفلسطينية منها “عائد الى حيفا”، وغيرها من الأعمال العربية والتي أعادت جمع العائلة على شاشات التلفاز، وكذلك الإنتاج التلفزيوني التركي الجديد لمسلسل “صلاح الدين الأيوبي” الذي يعرض حاليا، والذي يتناول تحرير القدس ويعيد بصيص الأمل بنصر قريب.
من جانبه يبين الناقد السينمائي ناجح حسن، أنه مما لا شك فيه أن الفن الذي يعرض على شاشات التلفاز أو في السينما أو في اللوحات التشكيلية يخدم هوية أي مجتمع من المجتمعات، ويحضر في كثير من حالاتها وامتدادتها التاريخية والتأملية في المستقبل وما يؤول إليه هذا المجتمع من رقي وحب وحرية وكرامة.
ويوضح، أن الفن تحدث عن قضايا التحرر والاستقلال لفلسطين في كثير من الأفلام والأعمال التلفزيونية واللوحات والأدب الروائي والشعر، وكان حاضرا على امتداد القضية والتي تجاوزت 75 عاما، وكان يتفاوت حسب طبيعة المبدع الذي يقف وراء الكاميرا أو الذي يحمل الريشة أو الشاعر أو الكاتب الروائي وقدرته الإبداعية.
ويشير الناقد حسن إلى أن هذه الأعمال لم تكن وحدها في الساحة بل كانت رديفة لأعمال سائدة كانت ترنو إلى الجمال لمجرد الجمال أو البهجة أو الضحك أو الدراما الذائقة، وهذا حق طبيعي لأي مجتمع بأن يتجه لهذه الدراما للبحث عن فترة من المتعة والرفاهية، ولكن تحويلات القضية الفلسطينية فرضت نفسها علينا وعلى الكثير من صناع الإبداع، وبدأوا بمخاطبة المشاهد بألوان كثيرة من هذه الدراما، وكان منها المهم والمفيد والممتع، وكان منها من يغازل وفق أجندات تبحث عن التمويلات أو بحثا عن شهرة أو جوائز، وجميعها موجودة في الساحة.
ويذكر أنه كان هنالك أيضا أعمال إبداعية راقية وأفلام كثيرة في هذا المجال تحدثت منذ البداية عن القضية الفلسطينية وفي مقدمتها، السينما المصرية والسينما التونسية، وهناك فيلم لفاروق بلوفة من الجزائر، وأفلام من تونس وفيلم “كفر قاسم” من لبنان، وفي سورية تم إنتاج جملة من الأفلام كانت تحاكي الهم الذاتي مع الهم العام الوطني، وأنه لاحقا ظهرت سينمات جديدة منها السينما الأردنية والخليجية والفلسطينية.
وأصبح الشباب الجدد يتحدثون من خلالها عن ملامح من الحياة اليومية للمجتمع الفلسطيني أو يحاكون محطات تاريخية كنوع من الاعتزاز، وكذلك التحدث عن الحصار على غزة أو المخيمات الفلسطينية، وكانت معالجات بعضها يحلق عاليا والبعض الآخر يذهب لطي النسيان.
ويقول الناقد: “في التلفاز كان معروف أن الأعمال الدرامية التلفزيونية كانت تحاول أن تبعد نفسها عن هذه القضية، لأن هناك ضوابط وأحكاما للعمل التلفزيوني فهو يخضع لرقابة كثيرة، وهدف المنتج في المسلسل أن يصل بعمله إلى أكثر من بيئة ومكان، لذلك كان يتحاشى الحديث عن مواضيع سياسية، إلا ما ندر فقد وجدنا التغريبة الفلسطينية للمخرج حاتم علي، وأيضا رأينا الكثير من المسلسلات الأردنية التي تحدثت عنها كأعمال الكاتب محمود الزيودي “وجه الزمان” و “جبل النار”، وأعمال الروائي الصحفي مفلح العدوان، وأعمال المخرج صلاح أبو هنود، وعلى هذا المضمار، خرجت إبداعات كثيرة، ولكنها كانت تتلون بين حين وآخر بين الموضوعات وقد تلقاها الجمهور بسرعه واستوعبها في ذاكرته”.
ويعتقد، أن الفن يجب أن يقول كلمته تجاه أي معضلة أو مشكلة وقضية، ويترك باقي الحكم للجمهور بعيدا عن التوعوية والتوجيه، فهو يقدم الحكاية كما هي، ويعود لذائقة المتلقي القرار، لذلك على المبدع أن يقدم موضوعه بثراء من المخيلة الإبداعية التي تخاطب فطرة المتلقي، وإذا نجح في ذلك فله ذلك، ولكن كثير منهم للأسف يفشلون وتنطوي هذه الأعمال في طي النسيان.
ويؤكد الناقد حسن، أن الفن يجب أن يكون قريبا من نبض الناس، لكن الأحداث التي نشهدها الآن في أم أعيننا هي أحداث إنسانية لم يصورها أي فنان بعد من كثرة ما شاهدنا من ظلم وقتل وتعذيب وجرائم حرب وإبادة بطريقة بشعة، وهذا ما عجزت جميع الأعمال الدرامية عن تصوره، ولكن المطلوب من الفنان دائما، أن يلجأ إلى تصوير جميع هذا في مخيلة إبداعية بعيدا عن الجنود والقتل، إذ هناك طرق أخرى لتفاصيل الحياة اليومية والحصار، هذا جميعه يساعد أيضا على دعم القضية باستخدام القالب الإنساني، وحث الناس على الصمود والتحدي لهذا العدوان البشع في سبيل نيل النصر.
ومن ناحية تربوية يبين الدكتور عايش نوايسة، أن واحدة من نتائج العدوان على قطاع غزة هي إعادة إحياء القضية الفلسطينية بجميع صورها، وإعادة التذكير بتاريخ القضية الفلسطينية وبعروبتها وإعادة إحيائها، موضحا أننا والكثير منا وللأسف قد نسيناها، فكادت تنسى في الفترة الماضية جراء الانشغال بالحياة ومتطلباتها، والجيل الحالي أصبح جيلا تقنيا أكثر من تركيزه على القضايا التي تتعلق بالعالم العربي، مما قاد لغياب القضية الفلسطينية عن الساحة.
ويؤكد نوايسة، أن الفن والدراما التلفزيونية من الألوان المهمة التي يمكن أن تلجأ إليها الأسر، لإعادة تجذر القضايا التاريخية وتعمقها في نفس الطفل، مبينا أننا شاهدنا خلال هذه الفترة القضية الفلسطينية، وتمت إعادة إحياؤها وقد تمت بطريقة منتظمة وبصورة أكبر من خلال إعادة التذكير بها من خلال الدراما والبرامج الوثائقية. ويذكر نوايسة، أن الجيل الجديد منهم من انقطع عن التلفاز لفترة طويلة، ولكن الأحداث أعيد إحياؤها بطريقة جديدة، إذ أصبح لدى الطفل تساؤلات كما أصبح دائم البحث عن إجابات ويسأل عن أسماء معينة، ومن خلال الدراما ومتابعة المسلسلات التاريخية يحصل على الإجابات، وبالتالي انعكس بطريقة ايجابية، فقد عمقت في هذا الجيل القضايا التي تتعلق بالطفولة وبتاريخ القضية الفلسطينية.
ويؤكد نوايسة، أن العائلة عندما توجه طفلها بهذه الطريقة تصل الفكرة إليه بشكل أسرع، وهذه واحدة من الوسائل الأساسية التي تعمق لديه أهمية القضية الفلسطينية، وبذلك يصبح لديهم تساؤلات وتطالعات، وكما نقول: “فقد كسبنا جيلا كاملا”.
ويشير نوايسة إلى أن الفن هو الجزء الذي غطى جانبا من جوانب التعليم، مبينا أنه واحد من أهم استراتيجيات التعليم المستخدمة للتدريس بطريقة الأحداث الجارية، “بمعنى حدث ما يفرض عليك نفسه خلال فترة زمنية وبالتالي، أنت مجبر على إعادة طرحه”، لذلك هي عبارة عن عملية تعلم وتعليم، ولكن ضمن المنهاج غير الرسمي، بمعنى هو يتعلم عن القضية الفلسطينية والعروبة الفلسطينية الآن وتترسخ بالذات، خاصة عندما تكون هناك وحدة واحدة في الرسالة الرسمية والشعبية، فإعلامنا العربي اليوم مع القضية الفلسطينية ضد العدوان الصهيوني.
ويختتم نوايسة بقوله: “كان هناك كتاب يسمى القضية الفلسطينية يدرس في الصف الأول الثانوي في المدارس الأردنية واليوم القضية الفلسطينية ما تزال موجود في مناهجنا ولم تغب عنها، لكنها لم تعد بقوة الطرح التي كانت سابقا، لذلك اليوم الدراما والمسلسلات والأفلام والبرامج الوثائقية حتى الفيديوهات التي تنتج وتخرج من غزة “شعبية” نتشاركها ونتبادلها، وهي نوع من أنواع الوسائل المهمة والمؤثرة التي تعيد إحياء القضية”.
التعليقات مغلقة.