حريق الغابات في جرش.. ثنائية الرقابة والعقوبات تحت المجهر مجددا

جرش – أعاد حريق غابات وديان الشام المفتعل في بلدة ساكب بمحافظة جرش، مساء أول من أمس، ملف حماية الغابات إلى الواجهة مجددا، وسط مطالب بتكثيف الرقابة للحد من الاعتداءات التي تشهدها الغابات وتطوير آلياتها، وكذلك تشديد العقوبات الرادعة بحق من يثبت تورطه القيام بأي عمل من شأنه الإضرار بالبيئة.
وأتى الحريق على مساحة تتجاوز 200 دونم من الأراضي الحرجية، فيما بلغ عدد الأشجار المعمرة التي تعرضت للاحتراق نحو 1400 شجرة، وفق التقديرات الأولية لمديرية زراعة جرش، بينما بقيت فرق الإطفاء موجودة في الموقع، أمس، لغايات تبريد الحريق والتأكد من عدم تجدد الحريق بفعل الرياح وارتفاع درجات الحرارة.
ووفق مديرة زراعة جرش الدكتورة علا المحاسنة، فإن “جميع المؤشرات تدل على أن الحريق مفتعل، لا سيما أن النيران اشتعلت في الوقت نفسه في عدة مواقع متفرقة، فضلًا عن شهود عيان أكدوا وجود مواطنين في الغابة نفسها أثناء اشتعال الحريق، مما يؤكد أن الحريق مفتعل”.
وأضافت “أن موقع الحريق هو في الغابة نفسها التي تعرضت للحريق المفتعل قبل عامين، والذي استمر خمسة أيام متواصلة، مما استدعى تدخلا سريعا من الأجهزة الأمنية وبدء التحقيقات الفورية لإلقاء القبض على الفاعلين وإيقاع أشد العقوبات بهم، وتشكيل لجان متخصصة لتحديد أسباب الحريق، حيث سيتم إعلان النتائج فور انتهاء عمل اللجان”.
وأوضحت المحاسنة “أن كوادر الزراعة قامت على الفور برصد الحريق من خلال أبراج المراقبة والدوريات، واتخاذ إجراءات فورية، وأهمها التشبيك مع الدفاع المدني وكوادره بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية لغاية إطفاء الحريق بأسرع وقت ممكن والسيطرة عليه، رغم الظروف الصعبة التي كانت تحيط بهم، لا سيما أن منطقة الحريق شديدة الوعورة والتضاريس، والوصول إليها يتطلب تدخلا سريعا من خلال قطع الأشجار وفتح طرق وخطوط نار من أجل الوصول إلى موقع الحريق ومنع انتشاره، والتعامل بحرفية مع الرياح الشديدة ودرجات الحرارة المرتفعة، لمنع انتشار الحريق في غابة تتصف بالكثافة الشجرية والتشابك الكبير بين الأشجار”.
العمل المتكامل وسرعة الاستجابة
وأشارت إلى أن “العمل المتكامل وسرعة الاستجابة منعا امتداد الحريق إلى مساحات أكبر وأوسع، خصوصا أن غابات وديان الشام معروفة بكثافة الأشجار الحرجية فيها وامتدادها الواسع وصعوبة التضاريس المؤدية إليها، وأغلب الأشجار الموجودة فيها هي القيقب واللزاب والسنديان، وهي من أكبر الخسائر في الحريق”.
كما أوضحت المحاسنة “أن مديرية الزراعة تستنكر هذا الفعل، وهو الاعتداء الصارخ على الغابات بهذه الوحشية والطريقة البشعة، وستقوم باتخاذ إجراءات مشددة أكثر لمنع تكرار هذه الاعتداءات وإيقاع أشد العقوبات بالفاعلين لضمان الحفاظ على الثروة الحرجية، لا سيما أن كوادر مديرية الزراعة ستقوم بحصر المساحات وعدد الأشجار والأنواع بعد الانتهاء من عمليات التبريد مباشرة، وقد تكون الخسائر أكبر كذلك”.
بدوره، يرى الناشط البيئي ورئيس الجمعية الخضراء لحماية البيئة والطبيعة غسان العياصرة “أن إحراق الغابات بفعل متعمد هو من أكبر الجرائم التي تتعرض لها الغابات في كل عام، ويجب أن يتم تشديد العقوبات والإجراءات للحد من هذه الاعتداءات، التي طالت آلاف الدونمات على مدار بضعة أعوام، حتى تحولت أكبر غابات الأردن المتشابكة والحرجية، وعمرها يزيد على آلاف السنوات، وهي غابات وديان الشام، إلى أرض جرداء قاحلة، في مشهد مؤلم ومحزن لم تشهد الغابات مثله من قبل”.
وقال “إن أجهزة المراقبة في مديرية الزراعة يجب أن تكون مجهزة لرصد هذه التجاوزات على الفور والإبلاغ عنها والحد من العبث، خصوصا أن المساحة الخضراء والغابات تتراجع بشكل مستمر ومهددة بالمخاطر من كل حدب وصوب، في مشهد غريب وثقافات متشددة عن المجتمع الأردني، ولا تمثلنا ولا تمثل عاداتنا وتقاليدنا”.
وأكد العياصرة “أن حجم الخسائر كبير وفادح جدا، لا سيما أن غابة وديان الشام تقدر مساحتها بآلاف الدونمات، وهي غابات نادرة على مستوى العالم، وفيها تنوع بيئي نادر، كما تضم ممرات سياحية مميزة”.
وأضاف “أنه تمت مخاطبة وزارة الزراعة مرات عدة حول ضرورة مراقبة هذه الغابة وحمايتها من العبث، وخاصة حوادث الحرائق، كونها الغابة الوحيدة التي لم تتعرض للحريق قبل أعوام عدة، ويجب حمايتها بشتى الطرق، وفيها ممرات سياحية وتنوع حيوي على مستوى عالمي، ويجب تشديد الرقابة عليها، وطبيعة الأشجار فيها متشابكة ويصعب السير فيها من شدة الكثافة الشجرية”.
أكبر وأجمل الغابات
إلى ذلك، قال الخبير السياحي الدكتور يوسف زريقات “إن الغابة التي تعرضت للحريق مرتين خلال ثلاث سنوات، وبمساحات كبيرة جدا، تعد من أكبر وأجمل الغابات على مستوى العالم، وفيها تنوع طبيعي وحيوي نادر وغير موجود في أي منطقة أخرى، وتضم أنواعا من الأشجار والحيوانات الفريدة، وتعد من أهم الممرات السياحية لسياحة الممرات وسياحة المغامرات والسياحة البيئية، وتضررها يلحق الضرر بهذا النمط السياحي”.
وأكد “أن قطاع السياحة الداخلية والسياحة البيئية في جرش يشهد ركودا هذا العام، فيما تزيد هذه الحوادث من عزوف السياح والمتنزهين عن القدوم إلى غابات جرش، كما من الصعب تعويض أصناف الأشجار التي تضررت، وأعمار بعضها تصل إلى مئات السنين، لا سيما أن الحريق استمر ساعات طويلة، وهذا يرفع نسبة وحجم الخسائر البيئية والسياحية والزراعية”.
بدوره، أكد النائب حمزة الحوامدة، الذي كان متواجدا في موقع الحريق “أن رائحة الأشجار المحترقة كرائحة الدم في غابة وديان الشام، وهذا العبث يصدر عن أشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم، ويجب أن يتم معاقبتهم ومحاسبتهم بأشد العقوبات، بجهود أجهزة الأمن العام”.
وأوضح “أن الغابات هي جزء من الوطن، وجزء من الجمال والتاريخ والحضارة، ويجب حمايتها والدفاع عنها بكل ما نملك، ويجب تعزيز ثقافة الحفاظ عليها وحمايتها والحد من ظاهرة العبث فيها، خصوصا أن المساحة التي تعرضت للحريق قبل عامين ما تزال تعاني، وما تزال الجهات المعنية تقوم بعلاجها، والمساحة التي تعرضت للاحتراق كبيرة وبحاجة إلى سنوات طويلة لعلاجها وحمايتها من العبث”.
ومن الجدير ذكره، أن غابات وديان الشام، التي تقع على جبال الحسنيات، تعرضت لحريق مفتعل بداية فصل الصيف العام 2023، واستمر الحريق خمسة أيام متواصلة، وأتى على ما يزيد على 450 دونما من الأشجار الحرجية المعمرة الكبيرة، وقد استخدمت طائرات سلاح الجو في عمليات إطفاء الحريق، وآلاف من كوادر الدفاع المدني والأشغال من محافظات المملكة كافة، وكان من الخسائر آلاف من الأشجار المعمرة الحرجية من القيقب واللزاب والسنديان والصنوبر.
وخلف الحريق ما يزيد على 200 طن من الأحطاب المحترقة، مما استدعى تنفيذ مشروع تحريج فيها هذا العام، وكانت مدة المشروع لا تقل عن ثلاثة أشهر متتالية، إلا أن الأشجار الجديدة تحتاج إلى عشرات السنين حتى تحافظ على الغطاء النباتي في المنطقة