ذكرى الإسراء والمعراج.. رسائل بقرب النصر وزوال الغمّة
في ذكرى الإسراء والمعراج التي تصادف ليلة السابع والعشرين من رجب المباركة نفحات عطرة تبعث في النفس مزيدا من العزيمة والإصرار الأمل بأن الصعاب والأزمات مهما قست وتمادت فإنها الى زوال والفرج بنصر الله آتٍ لا محالة ايمانا بما بشر الله من قبل “فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسرا” ليطل فجر الحق بعد عتمة الظلم، وتنبعث المنح بعد المحن والخطوب.
تلك هي العبرة، ففي هذه الأيام العصيبة تطل هذه الذكرى العظيمة وقد طالت حرب ليست كغيرها من الحروب عنان السماء وعاثت قتلا وتشريدا وتدميرا لكل ما له علاقة بالحياة وكأن المظلومين في أرض المعراج على موعد مع الذكرى لتملأ قلوبهم بنفحاتها الايمانية وتزيدهم ثباتا على ثباتهم وأملا ويقينا بأن الله معهم وأن رحماته ستتنزل عليهم.
هذا ما تؤكده معاني الذكرى الجليلة فتحل علينا مبشرة برسائل تبعث الطمأنينة والتفاؤل، وتحمل في طياتها بشائر خير وبركة، فهي نعمة إلهية ومنحة ربانية ونفحة من نفحاته تبث في وجدان المظلومين مزيدا من الأمل، وتلقي في قلوبهم قبسا من نور، لتُذهب أحزانهم، كما أذهبت الحزَن عن قلب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وآنست وحشته مما لاقاه من الشدائد والمحن.
فقد أسريُ بالنبي محمد من مكة الى القدس ومن هناك عُرج به الى السماء بعد عام من الحزن توفي خلاله عمه أبو طالب الذي كان يدفع عنه أذى قريش ومن ثم زوجته خديجة بنت خويلد التي كانت أول سند له في الدعوة، فكانت الرحلة الى السماء بما حملت من معاني الرفعة والعظمة ولتأكيد معية الله لنبيه، ثم لتأكيد عِظم مكانة الأقصى وإسلاميته وقداسته المكانية والزمانية كما هو المسجد الحرام والمسجد النبوي، فإليه توجه النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاته قبل تحويل القبلة بيت الله الحرام بمكة المكرمة، ما يجعل للمسجد الأقصى في قلوب المسلمين منزلة عظيمة، ومكانة سامية، وقدرا جليلا.
سماحة مفتي عام المملكة الدكتور أحمد الحسنات، قال لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن معجزة الإسراء والمعراج المباركة، حدث عظيم اختصّ الله تعالى به نبيه المصطفى الكريم، وخلّد الحق -سبحانه وتعالى- ذكرها في كتابه الكريم في آياتٍ مباركة: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” لتبقى حاضرة في وجدان الأمة وذاكرتها يستلهمون منها الدروس والعبر على امتداد الزمان.
فقد جاءت رحلة الإسراء والمعراج مواساةً للنبي -صلى الله عليه وسلم- في عام الحزن الذي فقد فيه عمّه أبو طالب الذي كان ينصره ويدافع عنه، كما فقد زوجته خديجة -رضي الله عنها- التي كانت تسانده بعطفها ومالها، ولاقى -صلى الله عليه وسلم- من الأذى ما لاقى من أهل الطائف، وتكالب الأعداء عليه، حتى أغلقت في وجهه أبواب أهل الأرض، فتح الله تعالى له أبواب السماء نصرةً وتأييداً له صلى الله عليه وسلم.
ليس عجبا أن تطل هذه الذكرى المباركة في زمن باتت فيه الأمة تعيش ظرفاً عصيبا في ظلّ ما يعانيه أهلنا في غزة من عدوان غاشم وظلم كبير من قبل قوات الاحتلال الغاصبة التي قتلت النساء والأطفال، وهدمت العمران، فذلك ما يدعو إلى التعلّق بالله وأن نمتثل حكمة هذه الذكرى ومعانيها العظيمة، يقول الحسنات.
وأضاف، إن رحلة الإسراء والمعراج تؤكد مكانة وأهمية المسجد الأقصى المبارك في عقيدة المسلمين وإيمانهم، فهو منتهى إسراء النبي صلى الله عليه وسلم، ومبتدأ معراجه إلى السماء، وهو قبلة المسلمين الأولى، وما يدور من صراعات تعيشه أمتنا اليوم حول المسجد الأقصى المبارك، إنما هو صراع بين حق وباطل، بين قوة غاشمة تريد احتلال المسجد وتقسيمه زمانياً ومكانياً، وبين قوة الحق التي تدافع عنه هذا باعتباره حقاً خالصاً للمسلمين لا يقبل القسمة.
وأشار الحسنات الى الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى والتي كان لها الأثر الأكبر في المحافظة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، وجهود جلالة الملك عبدالله الثاني المتواصلة والحثيثة في الدفاع عن هذه المقدسات في جميع المحافل الدولية والعالمية.
مساعد الأمين العام لشؤون الدعوة ومدير الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور إسماعيل فواز الخطبا، قال: “لقد أرسل الله -تبارك وتعالى- نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- على فترة من الرسل عبد أكثر الناس فيها الأزلام والأصنام، فكانت بعثته هداية للخلق ونصرة للحق، فاكتمل البناء ببعثته، وختمت به الرسالات.
وأضاف: لقد كانت المعجزة فرجاً بعد كرب، ويسرا بعد عسر، وتثبيتا على ثبات، حين نزل جبريل عليه السلام ومعه البراق ليكون برقا بسرعته تتناسب ومكانة قائده محمد صلى الله عليه وسلم، فطويت رحابة الأرض بين يديه، وفرحت ملائكة السماء بمقدمه، فرأى فيها من آيات ربه الكبرى. يقول الله في ذلك: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى”.
وأشار الى أن الله جمع للنبي محمد كل الأنبياء في بيت المقدس للصلاة بهم إماما تصديقا له ونصرة لما جاء به وإيمانا بختم رسالة الأرض برسالته فانتقلت أمانة الرسالة والهداية العالمية ومقدساتها إليه ولأمته من بعده وانضوت وثائق الإيمان الزمانية والمكانية تحت الراية المحمدية، فاكتملت عرى الوثاق المكاني من مكة إلى القدس ومسجدها الأقصى المبارك متصلة برسالة السماء تأكيدا على وحدانية المصدر والغاية الإلهية وهي عبادة الله وحده لا شريك.
ولفت الخطبا إلى أن معجزة الإسراء والمعراج جاءت لتؤكد مكانة الأقصى وإسلاميته وقداسته المكانية والزمانية كما المسجد الحرام والمسجد النبوي، وأنه أمانة في عنق الأمة، إذ تحل علينا هذه الذكرى في وقت اشتدّت فيه الأزمات والحروب، على الأمة لكن مهما بلغ الأمر واشتد، فإن النصر والفرج وإحقاق الحق قريب.
هذا وما زال الهاشميون، ومن خلال الوصاية الهاشمية يحرصون على الحفاظ على المسجد الأقصى والدعم المستمر للمسجد فضلاً عن دعم أهلنا في القدس وغزة وفلسطين الذين يبرهنون صدق ثباتهم، ووفائهم، ورباطهم، في الدفاع والذود عن مقدسات المسلمين، بحسب الخطبا.
وأشار إلى أن الأردن بقيادته الهاشمية يحمل هم الأمة بلا ضجر ولا تأفف بمسؤولية وثقة وثبات وحب لتبقى القدس والمقدسات منيعة من كل كيد لها وبها. فهم يبذلون في حماية القدس ومسجدها المبارك مسرى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقبلة المسلمين الأولى، كل جهد ممكن لحمايتها وحماية مقدساتها والتأكيد على حق الوصاية الهاشمية الشرعي والقانوني على المقدسات.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة آل البيت الدكتور عماد عبدالكريم خصاونة، قال: “تأتي معجزة الإسراء والمعراج والأمة تعيش مرحلة صعبة وأزمة حقيقية، تحتاج منها الوقوف مع كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد بينت النصوص الشرعية والتاريخية حقائق بيت المقدس وفضائله، وهذا محل اتفاق جميع العلماء عليه.
وأضاف، إن من عبر الإسراء والمعراج أنها تبشر أن الأزمات والصعوبات مهما اشتدت فهي الى زوال بإذن الله، والثانية أن المسجد الأقصى آية قرآنية، ومثلما تكفل الله بحفظ كتابه وآياته، فقد تكفل أيضا بحفظ المسجد الأقصى من مكر الماكرين.
وكان جلالة الملك عبدالله الثاني أخذ على عاتقه السيْر على العهد في الدفاع عن الحقوق، وإحقاق حق الشعب الفلسطيني ورعاية مقدسات القدس من خلال الوصاية الهاشمية، وحمل قبل الحرب الاسرائيلية وبعدها هم دعم أهل غزة في صمودهم.
فقد حظي المسجد الأقصى برعاية واهتمام كبير من جلالته، وقد تجسّد هذا في إعمار المسجد وإعادة تصميم منبر صلاح الدين الأيوبي وتركيبه كما كان، وترميم الحائطَين الشرقي والجنوبي للمسجد الأقصى، وترميم فسيفساء قبة الصخرة المشرفة، وكسوة المسجدَين القبلي والمرواني بالسجاد، وتركيب نظام إنذار وإطفاء الحرائق في الحرم الشريف.
كما أخذ جلالته على عاتقه منذ توليه سلطاته الدستورية الدفاع عن الحق الفلسطيني بدولته المستقلة في العديد من المحافل الدولية والإقليمية والعربية.
–(بترا)//بشرى نيروخ-
التعليقات مغلقة.