عيد الجلوس الملكي وذكرى الثورة العربية ويوم الجيش.. محطات وضَّاءة في مسيرة الوطن

إعداد مديرية الإعلام العسكري – العاشر من حزيران هو ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش العربي، يخطر في البال عند ذكرهما الأحداث العظيمة في تاريخ هذه الأمة؛ عندما وقف الهاشميون وفاء لواجبهم ومسؤولياتهم التاريخية، وقادوا الأبناء في أعظم ثورة شهدها التاريخ السياسي العربي الحديث؛ شكلت البداية الأولى لنهضة الأمة العربية، والخطوة الأولى على طريق تحررها ووحدتها.
لقد مثلت الثورة منعطفا تاريخيا انتقل معه العرب من حالة إلى حالة، بعد حوالي أربعمئة عام من الحكم العثماني الذي طال كل مناحي حياة الأمة العربية، لم يشهد فيه العرب أي تقدم يذكر، ولا حتى مساواتهم بغيرهم، أو إعطائهم أبسط حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ لذلك كان أفق هذه الثورة هو الوطن العربي بأكمله، شارك فيها أحرار العرب من معظم أقطار المشرق العربي، تحقيقا للإرادة العربية الحرة، وتأسيس دولتها العربية المستقلة، وهو ما شكل البعدين السياسي والقومي للثورة العربية الكبرى.
بالمقابل، تمثل البعدان الثقافي والديني بإعادة الاعتبار للثقافة العربية الإسلامية؛ وإعادة الخلافة إلى أصلها العربي؛ وهو ما جعلها ثورة إصلاح ديني بامتياز، فكانت دفاعا عن الدين والبلاد وأمة العرب؛ عندما حولت جمعية الاتحاد والترقي دولة الخلافة العثمانية إلى دولة قومية علمانية؛ وسعت إلى إلغاء لغات المجتمعات المختلفة داخل الدولة، واعتماد اللغة التركية بدلا عنها، وصولا إلى طمس هوياتها الخاصة بالقوة؛ وهي ما عرفت في التاريخ السياسي العربي الحديث باسم (سياسة التتريك)؛ التي علقوا بسببها المشانق لأحرار العرب.
ولبى الحسين بن علي نداء أحرار العرب ليكون قائدا للثورة ضد الظلم والاستبداد ونصرة للدين؛ فحمل شريف مكة لواء الثورة ورسالة نهضتها وآمال اليقظة العربية، لتحقيق الرفعة والكرامة والحياة الفضلى لكل العرب؛ فتمت المبايعة وتنادى الأحرار من كل صوب وحدب، ونسوا -كما هي عادة العربي الأصيل- مر العيش، وركنوا الجوع والمرض والفقر، وجعلوا منها سيوفا وخيولا تحمل فوق أسنتها وأعناقها أمل كل عربي يحلم بالحرية والاستقلال والكرامة، وما تأخر أنجال الحسين بن علي عن حمل هذا الشرف والرسالة مع والدهم؛ فكانوا الوزراء والسفراء والقادة، وقبل هذا وذاك كانوا أمراء الحرية، وسدنة البيت الحرام مسرى جدهم ومهبط الوحي ومنبت الرسالة الممتدة من الأجداد إلى الأحفاد، ومن هنا كان الاختيار لهذا البيت مكانا لانطلاق ثورة العرب امتدادا لرسالة الإسلام والسلام والمحبة والحرية.
فلم تكن الثورة العربية الكبرى وليدة لحظات أو تلبية لنزعات شخصية، بل كانت تراكمات كثيرة من الاستعداد والتحضير والتفكير في كل ما يمكن أن تواجهه من معيقات، وكل ما يجب أن يتم تحضيره على كل المستويات العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعندما كانت الظروف التي يعيشها العرب في ظل الدولة العثمانية لا تمكنهم من القيام بهذه الثورة؛ وهم الذين لا يملكون من مقوماتها المادية إلا الشيء اليسير، ولكنهم كانوا يملكون الإرادة والتصميم والتحدي، ومن هنا ونظرا للمتغيرات السياسية الكثيرة على الساحة الدولية آنذاك، كان لا بد من التحالف مع إحدى الدول الكبرى، وهو ما اتفق عليه أحرار العرب في مؤتمر دمشق 1915.
وتمكن الشريف الحسين، وبنوايا المسلم الصادق والعربي الأصيل، أن يأخذ وعودا بريطانية بتقديم المساعدة للعرب في هذه الثورة؛ للحصول على استقلال بلادهم ونيل حريتهم، ولكنها (أي الدول الحليفة) كانت تظهر شيئا وتضمر أشياء كثيرة اتسمت بالخيانة والغدر الذي لم نتعود عليه في حياتنا الإسلامية العربية الأصيلة، وتمثل هذا الغدر بوعد بلفور وسايكس بيكو..
لم تنته خيانات الحلفاء ومساوماتهم حتى بعد انتهاء الثورة وتحقيقها لبعض أهدافها، بل استمرت في صور أخرى وصلت إلى تغيير مجرى الأحداث من مواجهات مع الجيش العثماني إلى مواجهات مع الجيش الفرنسي وتقاعس واضح ومخطط له، وسكوت عن الحق من قبل الجيش البريطاني؛ عززه تحالف بريطاني فرنسي صهيوني لتقسيم البلاد العربية والانتداب عليها واستغلال ثرواتها، حتى وصل الأمر إلى طرد من قادوا ثورتها خارج البلاد التي ارتوت من دمائهم، وتردد في شعابها صهيل خيولهم، وأبعدوا رمز الوحدة والحرية والاستقلال “الحسين بن علي”، وما يزال صدى صوته ينبعث بعد عقود من الزمن، ويبشر بقدسية الرسالة “إنني أحب قومي وبلادي وديني أكثر من أي شيء في هذا الوجود”، مقولة ستبقى تذكي في نفوسنا معاني التضحية والفداء، ومعاني الحرية والوحدة والاستقلال، وستبقى تبعث في هذه الأمة ما يكفل لها البقاء والتماسك أمام كل المتغيرات المتسارعة، عصية في وجه مختلف الصعوبات والتحديات.

عيد الجلوس الملكي الثالث والعشرين

إن جلوس جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني على العرش السامي يجسد التطلعات الهاشمية والامتداد الأصيل لبني هاشم هؤلاء الرجال الغر الميامين ضمير الأمة ومبعث عزها وفخارها ومحط أنظارها وآمالها الطموحة.
فمنذ اللحظة الأولى لاعتلاء جلالته العرش في التاسع من حزيران عام 1999 اختط نهجا للإصلاح والتنمية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تمثلت بالإصرار والتصميم على تجذير أسس الديمقراطية والعدالة بما يعود بالنفع المباشر على حياة المواطنين، ومنذ أن تسلم جلالته سلطاته الدستورية كانت هناك ثورة شاملة تهدف إلى اشراك جميع فئات المجتمع في التنمية من خلال المبادرات الملكية المستمرة، والتي تدعو إلى الإبداع والتفوق والتميز في سبيل تحسين نوعية الحياة وتعزيز مسيرة التقدم والازدهار للوطن.
فقد آمن جلالته بتأهيل المواطن والعمل على تحسين نوعية الإنتاج بما يضمن استمرارية التقدم والتطور في المجال الصناعي والعلمي والزراعي والسياحي في مختلف الأصعدة.
كما يحرص جلالته من خلال توجيهاته السامية على تحسين فرص الاستثمار وتحسين الوضع الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة للمواطنين؛ إدراكا من جلالته بأن فتح المجال أمام رؤوس الأموال ستعمل على تخفيف الفقر والبطالة.
أما على الصعيد الخارجي، عمل جلالته منذ توليه سلطاته الدستورية، على تعزيز علاقات الأردن الدولية، وتقوية دور المملكة المحوري في العمل من أجل السلام والاستقرار الإقليمي.
وانطلاقا من ايمان جلالته بأن الأردن وارث رسالة الثورة العربية الكبرى، فقد عمل على تعزيز علاقات الأردن بأشقائه العرب، ومع مختلف الدول الصديقة في أرجاء العالم، كما حرص جلالته على مر السنوات الماضية بأن يظل الأكثر انتماء لأمتيه العربية والإسلامية، والأكثر حرصا على القيام بواجبه تجاه أشقائه العرب وقضاياهم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
يوم الجيش العربي الجيش العربي الأردني وارث رسالة الثورة العربية الكبرى هو الامتداد الطبيعي لجيشها وفيلق من فيالقها، ارتبط تاريخه بتاريخها ارتباطا عضويا، وتشكلت نواته من النخبة التي اتحدت تحت راية سمو الأمير عبد الله بن الحسين في الحادي والعشرين من تشرين الأول عام 1920 في معان، بعد أن كان لها الدور الكبير في عمليات الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من بطحاء مكة على يد الشريف الهاشمي الحسين بن علي عام 1916.
شكل الجيش العربي ركنا أساسيا من أركان الدولة الأردنية؛ لما له من مساهمة كبيرة في تطور الدولة وتحديثها على المستويات كافة، فكان ينمو مع نمو الدولة، ويتطور بفضل الرعاية الهاشمية المتواصلة منذ عهد الملك المؤسس عبد الله بن الحسين الذي أراد له أن يكون جيشا عربيا مقداما يحمل راية الثورة العربية التي استمدت ألوانها من رايات الأمويين والعباسيين والفاطميين، ثم أكمل بنو هاشم مسيرة بناء هذا الجيش منذ عهد الملك طلال بن عبد الله والملك الحسين بن طلال- طيب الله ثراهما-، وصولا إلى عهد جلالة الملك عبدالله الثاني الذي أكمل المسيرة ووصل بالأردن وجيشه المغوار إلى مراتب التميز.
بدأ تأسيس الجيش العربي في معان في الفترة الأولى من تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، وبعد تشكيل أول حكومة أردنية في إمارة شرق الأردن تأسست أول قوة عسكرية بلغ قوامها 750 رجلا من الدرك والمشاة النظامية والهجانة، وكانت أولى مهامها توطيد الأمن والاستقرار في البلاد.
وفي عام 1923 ضمت القوتان تحت اسم ( الجيش العربي) الذي أراد له الأمير عبد الله هذا الاسم، وقضى على حركات التمرد والعصيان وصد الغزوات، وفي الثاني من شباط عام 1927 صدر قانون للجيش أطلق عليه قانون الجيش العربي لعام 1927، وفي عام 1930 وهو العام الذي عين فيه الميجر جون باجت كلوب مساعدا لقائد الجيش العربي، تألفت قوة عسكرية صغيرة تحت اسم قوة البادية التي تسلم قيادتها الرائد جون كلوب، وكانت مهمتها المحافظة على أمن واستقرار الصحراء، واتخذت من القلاع مراكزا لها، ونعمت البلاد بفضل هذه القوة بالأمن والاستقرار الذي لم تشهده من قبل.
وفي عام 1939 جرى تعديل القانون الأساسي وإضافة مادة نصت على أن سمو الأمير عبدالله هو القائد الأعلى للقوات المسلحة البرية والجوية والبحرية، وبدأت القوات المسلحة تشهد تطورا ملموسا وبوتيرة متسارعة من حيث العدد والتدريب والتسليح وفق الإمكانيات التي كانت متاحة آنذاك.
وارتفع تعداد الجيش في ربيع عام 1939 ليصل إلى 1600 رجل، وأخذ الأمير عبد الله يعزز تنظيم الجيش العربي على أسس حديثة، وبدأ التوسع فيه، حيث بدأت قوة البادية بكتيبة ثم أصبحت تتشكل من ثلاث كتائب، وفي عام 1940 كان الضباط في الجيش كلهم عربا، باستثناء كلوب باشا، وفي ذلك دلالة على التفكير الواعي للقيادة الهاشمية التي أرادت لهذا الجيش منذ البداية أن يكون جيشا عربيا هاشميا مصطفويا.
وفي هذه الفترة كان الأمير عبدالله حريصا على استمرار بناء الجيش على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه؛ حيث تشكلت كتائب المشاة الأولى والثانية والثالثة، وفي عام 1943 وصل تعداد الجيش إلى حوالي 6000 رجل شاركوا في الحرب العالمية الثانية في العراق وسوريا، وأعيد تنظيم الجيش وانضوت قواته تحت ثلاثة ألوية، بالإضافة إلى الكتيبة الرابعة وحاميتين، واستمر الجيش بالتطور إلى أن وصل تعداده عام 1945 إلى نحو 8000 جندي وضابط، وكان منظما في ست عشرة سرية مستقلة وقوة شرطة مؤلفة من ألفي رجل.
وفي الخامس والعشرين من أيار 1946 حقق الأمير عبد الله بن الحسين طموحات الشعب الأردني باستقلال البلاد، وبويع ملكا دستوريا عليها، وظل يواصل مساعيه في تنمية الجيش وتعزيز الروح العسكرية فيه رغم الصعوبات التي كانت تواجهه آنذاك.

أيام لا تنسى في تاريخ الجيش العربي الأردني

خاض الجيش العربي الأردني العديد من معارك الشرف والبطولة في العديد من الأقطار العربية خاصة على ثرى فلسطين الطهور، وهذا ليس بمستغرب على هذا الجيش الذي أريد له منذ البداية أن يكون جيشا لكل العرب، يحمل منتسبوه شعار الكرامة والعز والفداء، وجاءت تسميته بهذا الاسم نتيجة للدور الكبير الملقى على عاتقه، ولقد جاء على لسان جلالة الملك عبد الله الأول في التاسع والعشرين من أيار لعام 1944، ما يلي “بمناسبة استخدام الجيش العربي هذه الآونة في الأقطار العربية المجاورة وذيوع سمعته وأعماله الطيبة لدى الأمم المتحدة والحليفة وغيرها وتميزا له عن جيوش الأقطار العربية الأخرى، قرر مجلس الوزراء الموافقة على أن يطلق عليه اسم ” الجيش العربي الأردني”.
ونتيجة لذلك كان للجيش العربي مشاركاته المشرفة في العديد من معارك الشرف والبطولة، ليس على مستوى الأردن فحسب، وإنما تعدتها إلى فلسطين والجولان ومصر ومشاركة فاعلة ومشهود لها في الحروب العربية الإسرائيلية 1948، 1967، 1968، 1973، وقدم الأردن في سبيل ذلك الكثير من الشهداء الذين لا زالت الأرض العربية تنبض بدمائهم الزكية؛ فقدموا في سبيل القضية الغالي والنفيس فكان نضال الهاشميين والجيش العربي في سبيل الله أولا ثم في سبيل رفعة الأمة وكرامتها.
القوات المسلحة الأردنية في عهد القائد الأعلى الملك عبدالله الثاني ابن الحسينمنذ اللحظة الأولى لتسلم جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية، أولى القوات المسلحة جل اهتمامه ورعايته، لتواكب العصر تسليحا وتأهيلا؛ فسعى إلى تطويرها وتحديثها لتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته، والقيام بمهامها على أكمل وجه، مثلما سعى إلى تحسين أوضاع منتسبيها العاملين والمتقاعدين، حتى أصبحت مثالا وأنموذجا في الأداء والتدريب والتسليح تتميز بقدرتها وكفاءتها القتالية العالية، ليصبح الأردن دولة الإنتاج والاعتماد على الذات حتى يتمكن هذا الجيش من ممارسة دوره وتلبية احتياجاته.
من جانب آخر، ترسخ حضور القوات المسلحة الأردنية في ميدان حفظ السلام العالمي كقوة فاعلة، واليوم نحتفل بمرور 33 عاما من المشاركات الدولية في أرجاء المعمورة، استطاعت هذه القوات خلالها أن تنقل للعالم صورة الجندي الأردني وقدرته على التعامل بشكل حضاري مع ثقافات وشعوب العالم المختلفة في هاييتي وتيمور الشرقية والكونغو وليبيريا وساحل العاج وأفغانستان وغيرها، وأصبح الجيش العربي الأردني يرفد الدول الصديقة والشقيقة بالمدربين والمختصين المحترفين في مجال عمليات حفظ السلم والأمن الدوليين، وجرى إنشاء معهد تدريب عمليات السلام كمركز إقليمي وعالمي للتدريب.-(بترا)

 

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة