غياب “صلاة التراويح” في المساجد يلقي بظلال من الحزن على مواطنين

للمرة الثانية في تاريخ الدولة، تغيب صلاة التراويح عن مساجدها، بعد تمديد العمل بالإجراءات الاحترازية، لمنع تفشي فيروس كورونا، وتشمل ساعات الحظر الجزئي اليومي للأفراد والشامل ليوم الجمعة.
وخيمت حالة حزن وأسى لدى كثيرين، بعد أن دفعت الإجراءات الوقائية لمنع تفشي الفيروس لإغلاق المساجد يوم الجمعة، وتعليق إقامة صلوات الفجر والمغرب والعشاء بقية الأيام، ما يدفع للتفكير بمآل تلك الشعائر والعادات التي تغيب عنا للمرة الثانية.
وإثر ذلك، رفض مواطنون هذا الإجراء، المتعلق بالحفاظ على صحتهم، واعترضوا عليه عبر تعليقات لهم على صفحات التواصل الاجتماعي، أو بتنفيذ وقفات في بعض المحافظات أمام بعض المساجد.
وتذرع المحتجون، بأنهم ملتزمون بالإجراءات الصحية في حياتهم وعند الذهاب للصلاة في المساجد، مطالبين بتراجع الحكومة عن القرار.
لكن وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، وحفاظا على الأرواح وفق مقاصد الشريعة، طمأنت المواطنين بأن ثواب الصلاة في المنزل كصلاتها في المسجد، وأن التراويح سنة أداها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في بيته.
وتعد صلاة التراويح أو القيام، واحدة من السنن التي تؤدى في شهر رمضان، وكأنها فرض كصلاة الجمعة، وكان أول من أقامها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورغب بها حين قال “من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، وهي صلاة تؤدى منذ أن يفرغ المسلم من أداء صلاة العشاء حتى أذان الفجر، والتراويح جمع ترويحة، إذ كان أول اجتماع للمسلمين عليها، يستريحون بين كل تسليمتين، كما ذكر الحافظ ابن حجر.
وزير الأوقاف محمد الخلايلة، قال في تصريحات سابقة ان “صلاة التراويح جائزة في البيت”، مشيرا الى “أننا صلينا الفريضة بالبيت، فسنصلي صلاة التراويح فيه توخيا للسلامة في ظرف نواجه نحن والعالم وباء خطرا”.
وأضاف “علينا أن نصلي التراويح في بيوتنا، وكما أننا التزمنا في الأيام السابقة بأن نصلي في بيوتنا صلاة الجمعة والجماعة، والتي هي فريضة، فسنصلي أيضا التراويح في البيوت”.
ولفت الخلايلة الى أن “القرار مؤلم لنا جميعا، لكن علينا المحافظة على انفسنا وعلى الوطن، لغاية سامية وهدف عظيم، وهو أن الحفاظ على النفس أحد مقاصد الشريعة”.
الوزارة وفي أكثر من مناسبة، أكدت أن الهدف من منع صلاة التراويح والاستمرار بتعليق الصلوات في خلال أوقات الحظر الشامل والجزئي ليس منعا للصلاة، بل منع التجمع الذي يتسبب بنقل عدوى الفيروس.
كما أكدت الوزارة جواز إقامة صلاة التراويح في البيت، داعية الأئمة وعاملي الوزارة وفي المساجد والأهل جميعا، للالتزام بالقرار.
وفي تفسيرات الفقة الإسلامي بشأن صلاة التراويح، فإن الإمام البخاري أخرج في صحيحه عن سيدنا زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اتَّخَذَ حُجْرَةً، قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: ” قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ ؛ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ”، (صحيح البخاري، كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ صَلَاةِ الليل).
وتتابع التفسيرات الفقهية، أنه وإذا كان الرأي على جواز صلاة التراويح في البيت وصلاتها في المسجد، مع ترجيح لهذا أو ذاك، فإن ذلك كله مرتبط بالأحوال العادية الطبيعية، لكن الأمر مختلف في أوقات النوازل والجوائح التي يُقدم فيها الحفاظ على النفس على ما سواه، وإذا كان رأي أهل العلم قد أجمع على تعليق الجمع والجماعات في المساجد حفاظًا على النفس البشرية، من باب أن الساجد قبل المساجد، وأن الحفاظ على حياة الساجد من الهلاك أولى من عمارة المساجد، فإن تعليق صلاة التراويح في المساجد أولى.
وإذا كان أهل العلم والاختصاص، أكدوا أن إقامة الجمع والجماعات بالمخالفة لقرارات جهات الاختصاص إثم ومعصية؛ فإن جمْع الناس للتراويح في المساجد أو الساحات أو أسطح المنازل أو غيرها بالمخالفة لتوجيهات جهات الاختصاص، بما قد يسهم بنقل العدوى بالفيروس، ويعرض حياتهم للخطر هو من باب أولى إثم ومعصية.
ويقول مصدر مطلع بالوزارة، علينا أن نتذكر بأن من علمنا أن نقول في الأذان (حي على الصلاة) هو النبي (صلى الله عليه وسلم)، الذي علمنا أن نقول في أذان النوازل (صلوا في رحالكم).
واعاد المصدر التأكيد ان الدين الإسلامي، مثلما يأمرنا بالصلاة في المساجد والاعتكاف في رمضان، يأمر ايضا بالأخذ بالأسباب، فالشرع لا يتصادم مع العلم، مضيفا أنه “اذا  كان العلم وأهل الطب يؤكدون أن التجمعات تؤدي للإصابة بالفيروس، فلا بد من الأخذ بالأسباب ووقف أي تجمعات، إذ أن الحفاظ على النفس البشرية من مقاصد الشريعة”.
وأشار المصدر إلى ان كل ما تتخذه الوزارة من إجراءات، سواء أكانت بتعليق الأنشطة الجماعية في رمضان، ومن بينها صلاة التراويح وموائد الرحمن وغيرها، يأتي في اطار التدابير وإلاجراءات الوقائية المشروعة التي تنظمها قواعد فقهية مأخوذة من نصوص الشريعة.

زايد الدخيل/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة