قوة الياسين الجديدة.. كيف قصمت ظهر مدرعات ودبابات الاحتلال؟
غزة – بدأت قوات الاحتلال مؤخرا محاولاتها لاختراق غزة بريا بشكل محدود في عدة مناطق من جهتين أساسيتين؛ الشمال، بالقرب من بيت لاهيا وبيت حانون، والشرق، جنوبي حي الزيتون، كانت تلك المناطق فارغة تقريبا إلا من أراض زراعية في غالب مساحتها، ويدخل كل منهما إلى القطاع بعمق عدة كيلومترات وهي ما توصف أمنيا بالمناطق المحروقة، وبالتالي فإن ذلك يسمح لقوات الاحتلال بالانتشار دون أي عوائق حضرية أو كمائن يمكن أن تمثل خطرا شديدا.
لكن بمجرد اقتراب قوات الاحتلال من المناطق الحضرية، مثل شارع صلاح الدين الذي يقسم قطاع غزة بالطول إلى نصفين تقريبا ويربط شمالها بجنوبها، قوبلت فورا برد فعل نيراني كثيف من قبل المقاومة، ما أخرج قوات الاحتلال من الشارع ومحيطه سريعا، حيث لم تتحمل الثبات في مواقعها الجديدة، بحلول مساء الاثنين الماضي. فما الذي تستخدمه قوات المقاومة لردع قوات الاحتلال وإبعادها عن المناطق الحضرية؟
قذائف الياسين
من أجل تنفيذ الاجتياح البري، فإن هناك عدة أدوات تستخدمها أي قوة مُهاجمة، مثل الدبابات والمركبات المدرعة، إلى جانب المدفعية الكثيفة التي تكون عادة في خلفية القوات المهاجمة أو ضربات الطيران، التي يمكن في مجموعها، وبفضل القوة النارية والقصف المتواصل، أن تمهد الطريق أمام المهاجمين.
ولا يمكن تحقيق أي اختراق على الأرض من دون الدبابات والمركبات المدرعة بشكل أساسي؛ المركبات المدرعة تنتشر على الأرض وتحمل الجنود داخلها للتعامل مع المشاة من المدافعين وتحاول تحييد صواريخهم المضادة للدبابات والخارقة للدروع وبالتالي تحمي الدبابات، أما الدبابات فتخترق الثغرات في خطوط المدافعين لدعم دخول المدرعات في المقام الأول، وهكذا بالتبادل.
لكن المُدافع (وهو هنا جنود المقاومة) يمتلك أدوات لوقف تقدم هذه القطع العسكرية البرية أيا كان نوعها، وأولى هذه الأدوات بالنسبة للمقاومة الفلسطينية هي قذائف الياسين التي أعلنت عنها حماس بعد عدة أيام من نجاح عملية “طوفان الأقصى”، وفي مساء الاثنين الماضي أعلنت أنها باغتت العدو بقذائف من النوع نفسه. قذائف الياسين من عيار 105 ملم.
لم تكشف المقاومة الكثير من المعلومات عن الياسين، لكن كما يبدو من شكل القذائف يتضح أنها ذات رأس حربي ترادفي، وهو نوع من الأجهزة المتفجرة التي تحتوي على مرحلتين من التفجير (أو أكثر في بعض الحالات)، وبالتالي فهو مُصمَّم لاختراق أنواع مختلفة من الدروع أو الهياكل، بما في ذلك المدرعات والدبابات الإسرائيلية.
المرحلة الأولى من هذا الرأس الحربي عادة ما تكون عبارة عن شحنة متفجرة صغيرة تهدف إلى صنع ثقب في الطبقة الخارجية للهدف، أو تنشيط الدرع التفاعلي للهدف، وهو نوع من الدروع التي تنفجر للخارج لمواجهة القذيفة القادمة، فيتمكن من توجيه كامل قوة القذيفة الانفجارية إلى الخارج وليس إلى داخل الدبابة أو العربة المدرعة.
أما المرحلة الثانية من هذه القذيفة فهي عبارة عن شحنة متفجرة أكبر تتبع الأولى، وتستغل الاختراق أو الفجوة التي حدثت في الدرع التفاعلي، ثم تفرغ كامل قوتها إلى داخل العربة المدرعة أو الدبابة، مما يسبب المزيد من الضرر للطبقة الداخلية للهدف أو مكوناته، وبالتبعية يعطل المركبة عن العمل ويصل إلى ركابها من الجنود، فيوقف تقدمها. عادة ما ينطلق هذا النوع من الصواريخ من قذائف “آر بي جي-7” الروسية، وهي قاذفة صواريخ تحمل على الكتف لأنها عديمة الارتداد، عادة ما يكون تشغيلها بواسطة شخصين، الأول مدفعي حامل للسلاح، والثاني مساعد يحمل طلقات إضافية ويدافع عن المدفعي من الهجوم.
قوة الكورنيت
في عملية طوفان الأقصى ظهرت صواريخ “كورنيت” بوضوح، حيث استُخدمت في تدمير مدرعات “نامر” للاحتلال، وسُجِّل استخدامها في مشاهد من الهجوم الأخير على غزة لاستهداف مدرعات من النوع نفسه، ويبدو أننا أمام إضافة ممتازة لقوات المقاومة الفلسطينية على صعيد مقاومة التقدم البري. “كورنيت” هو صاروخ روسي موجه مخصص للاستخدام ضد دبابات القتال الرئيسية الأثقل في ترسانة الحرب البرية والمزودة بدروع تفاعلية متفجرة، وهو نظام من الجيل الثالث طُوِّر ليحل محل أنظمة الجيل الأول والثاني مثل “فاجوت” و”كونكورس” في الجيش الروسي، وهي أيضا أنظمة تمتلك حماس نسخا منها.
الحرب الحضرية
التضاريس الحضرية دائما ما ستوفر نقاط قوة فورية ذات جودة عسكرية ممتازة بالنسبة للمقاومة، بحيث يكون مجرد عبور الشارع هو مهمة خطيرة جدا على أيٍّ من جنود دولة الاحتلال، بل وأي من الجيوش الأكثر تقدما في العالم عموما، لذلك عادة ما يستخدمون قنابل خارقة للخرسانة بحيث يمرون من منزل إلى منزل.
موقف المدافع داخل الحرب الحضرية يكون دائما أفضل، وبحسب الخبراء في هذا النطاق فإن الحفاظ على المدن بالنسبة للموجودين داخلها أسهل دائما من الاستيلاء عليها من قبل المهاجمين، حيث تتميز التضاريس الحضرية بأنها معقدة وديناميكية، وتساعد المقاومة على ابتكار تكتيكات مرنة يمكنها استغلال مزايا التضاريس الحضرية، ليس أقل تلك المزايا أن المباني تحجب عن المهاجم أعمال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وقدرتهم على الاشتباك عن بُعد.
حماس في النهاية تعرف أنها الطرف الأضعف بمقياس العتاد المادي، لكنها تستغل ما تمتلك من عتاد وموقف على الأرض ومناورات سياسية (عبر عنصر الأسرى مثلا) بحرفية شديدة، وتتعامل مع القوات على الأرض بهدف إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في جيش الاحتلال الإسرائيلي ورفع فاتورة التوغل، وفي كل مرحلة يطور فيها الاحتلال هجومهم فإن حماس تتكيف مع الوضع القائم وتستخدم تكتيكات جديدة تبطئ من تقدم الاحتلال، ما يحقق بدوره ضغطا شديدا على صناع القرار السياسي في دولة الاحتلال، خاصة في ظل حالة التخبط الكبير التي تنتابهم في الوقت الراهن.-(وكالات)
التعليقات مغلقة.