لماذا أصبحت الطائرات من دون طيار أسلحة إيران المفضلة

لطالما كان استخدام الطائرات من دون طيار لاغتيال الناس حكراً على القوات المسلحة الأكثر تقدما، مثل أميركا وإسرائيل. لكن المحاولة التي جرت في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) لقتل رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، كانت عرضًا دراميًا لكيفية انتشار قدرات “الضربة الدقيقة” هذه إلى الدول الأقل تقدمًا -وحتى الميليشيات الشبحية الغامضة.
وقد أصيب العديد من حراس الكاظمي الشخصيين عندما ضربت طائرة واحدة على الأقل من دون طيار منزله في “المنطقة الخضراء” المحمية جيداً في بغداد (وربما تم إسقاط المزيد من الطائرات من دون طيار في ذلك الحادث). وقد نجا رئيس الوزراء، وسرعان ما ظهر على شاشة التلفاز، وهو يعالج معصمه الجريح على ما يبدو، للتنديد بالهجوم “الجبان”.
كانت الضربة بدائية للغاية -والتي تضمنت على ما يبدو استخدام مروحيات رباعية من النوع الذي يمكن للهواة شراؤه وتجهيزه بقنابل صغيرة- لدرجة أنه من الممكن أن تكون قد نفذتها أي من الجماعات المسلحة العديدة في العراق. ويقول جيمس لويس، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة فكرية في واشنطن: “إذا كان بإمكانك توصيل البيتزا باستخدام طائرة من دون طيار، فيمكنك بالتأكيد إسقاط قنبلة يدوية”.
لكن الشك سرعان ما اتجه إلى إيران ووكلائها لسببين. الأول هو أن كتلة “الفتح”، الذراع السياسية للميليشيات الشيعية المتحالفة مع إيران، غاضبة من خسارة معظم مقاعدها في الانتخابات العراقية الشهر الماضي. وقد نظم الموالون لها احتجاجات جامحة، وحاولوا يوم الجمعة قبل الماضي اقتحام المنطقة الخضراء. وفي اليوم التالي، في جنازة متظاهر قتلته قوات الأمن، تعهد قادة الميليشيات بالانتقام من السيد الكاظمي. وقال أحدهم: “دماء الشهداء سوف تحاسبكم”. وفي تلك الليلة وقع هجوم الطائرات من دون طيار.
السبب الثاني هو أن إيران أصبحت المزود الأكثر مواظبة للطائرات من دون طيار وغيرها من التقنيات العسكرية لوكلائها وأصدقائها، ليس في العراق فحسب، وإنما أيضًا في اليمن وسورية ولبنان وقطاع غزة. وقد أصبحت الطائرات من دون طيار بسرعة السلاح المفضل لإيران في الحرب غير المتكافئة، ما يثير قلق أعدائها ويهدد بتغيير ميزان القوى في المنطقة. وليست هذه الطائرات من نوع الآلات المتطورة التي تستخدمها أميركا، مثل “بريديتور” و”ريبَر”. كما أنها لا تشبه الطائرات المقاتلة الإسرائيلية والتركية التي سمحت لأذربيجان بهزيمة القوات الأرمينية في ناغورنو كاراباخ العام الماضي.
عوضًا عن ذلك، غالبًا ما تكون نسخًا غير تقليدية “سيئة النوعية”، مصنوعة من مكونات متوفرة تجاريًا، كما يوضح آرون شتاين من معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا. لكن إيران تقوم أيضًا بإجراء تحسينات، ليس أقلها عن طريق تفكيك ودراسة الطائرات من دون طيار التي تم الاستيلاء عليها، مثل طائرة “آر. كيو– 170” الأميركية الشبحية.
في ظل غياب قوة جوية حديثة –حيث يعود تاريخ الطائرات المقاتلة الإيرانية إلى عهد الشاه قبل الإطاحة به في
العام 1979- استثمر النظام الديني بكثافة في الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار. ومثل الطائرات من دون طيار من الدول المتقدمة، تُستخدم الطائرات الإيرانية في كل من المراقبة وتوجيه الضربات (وخاصة ضد السفن). ولكن، على النقيض من نظيراتها الغربية، لا تحمل الطائرات من دون طيار الإيرانية عادة ذخائر دقيقة التوجيه. وبدلاً من ذلك، فإن الطائرة من دون طيار تكون هي نفسها القنبلة الموجهة، والتي تطير نحو الهدف وتنفجر مثل روبوت كاميكازي انتحاري.
ولا تمتلك إيران روابط الأقمار الصناعية من النوع الذي يسمح للقوات الغربية بالسيطرة على الطائرات من دون طيار من الجانب الآخر من العالم. بدلاً من ذلك، يتم تشغيل الطائرات من دون طيار عادةً من خلال أدوات التحكم بالراديو في مجال الرؤية، أو يمكنها توجيه نفسها باستخدام أجهزة تحديد الموقع العالمية GPS من النوع المستخدم في أجهزة الملاحة عبر الأقمار الصناعية بالتجزئة.
تحقق إيران نطاقًا كبيرًا من خلال توزيع الطائرات من دون طيار (أو تقنيات صنعها) على حلفائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بحيث تهدد بالتالي أهدافًا من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي. وغالبًا ما يتم تسليم الطائرات من دون طيار مفككة ويتم تجميعها محليًا بأقل قدر من المساعدة من إيران، كما يشير السيد شتاين. ويقول مسؤول عسكري إسرائيلي: “تسمح هذه الطائرات من دون طيار لإيران بتنظيم الهجمات مع الحفاظ على مبدأ الإنكار والغموض”.
البساطة تكذِّب التهديد الذي تشكله الطائرات من دون طيار. في الشهر الماضي، تعرضت نقطة عسكرية أميركية في التنف في سورية لهجوم من خمس طائرات من دون طيار موجهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي. ولم يصب أحد بأذى -على ما يبدو لأن الأميركيين تلقوا تحذيراً وخرجوا من طريق الأذى- لكن المسؤولين الأميركيين ألقوا باللوم في وقت لاحق على إيران، وفرضت إدارة بايدن عقوبات على الأشخاص والشركات المرتبطين ببرنامج الطائرات من دون طيار.
وقال، متأسفاً، مصدر عسكري أميركي كبير: “لم يعد لدينا تفوق جوي في مسرح العمليات. لقد اعتاد الأميركيون أن يمتلكوا السماء”. وعلاوة على ذلك، تكشف الطائرات من دون طيار عن هشاشة المنشآت الحيوية في جميع أنحاء المنطقة. في العام 2019، ضربت طائرات عدة من دون طيار منشآت نفطية سعودية في بقيق وخريص، ما أدى إلى قطع حوالي نصف إنتاج النفط في البلاد لبعض الوقت. وقد أعلنت مليشيا الحوثي في اليمن، المتحالفة مع إيران والتي تقاتل التحالف الذي تقوده السعودية منذ العام 2015، مسؤوليتها عن الهجوم. لكن مصادر عسكرية غربية تعتقد أن تلك الطائرات المسيرة انطلقت من العراق -أو ربما من إيران.
من جانبها، تصارع إسرائيل الطائرات من دون طيار منذ العام 2004، عندما حلقت طائرة من دون طيار إيرانية الصنع فوق البلاد من دون اعتراضها. وفي وقت لاحق، بث حزب الله، وهو ميليشيا شيعية، لقطات لذلك الحدث. ومنذ ذلك الحين، اعترضت إسرائيل نحو 12 طائرة من دون طيار -بما في ذلك واحدة بدا أنها كانت متجهة إلى المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا في العام 2012. كما دمرت، من خلال الضربات الجوية، الطائرات من دون طيار الإيرانية وأنظمة التحكم الخاصة بها على الأرض في سورية في العام 2018.
بصفتها الدولة الرائدة في استخدام الطائرات من دون طيار التي تستخدم لمرة واحدة والانتحارية لتدمير الدفاعات الجوية العربية في السبعينيات والثمانينيات، فإن إسرائيل من بين أولئك الذين يعملون بجد للدفاع ضدها. وقد لجأت إلى كل شيء، من مقاتلات “أف-16” إلى نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ، لكنها ما تزال تبحث عن استجابة أفضل. وقد يكون من الصعب اكتشاف الطائرات من دون طيار لأنها غالبًا ما تكون صغيرة وتطير على ارتفاع منخفض وببطء، وقد لا تبث أي إشارات. ويلاحظ مسؤول في شركة “الصناعات الفضائية الإسرائيلية”، وهي شركة مملوكة للدولة طورت أنظمة مضادة للطائرات من دون طيار، أنها “تضيع في الزحام والفوضى”. ويمكن أن يتسبب إسقاط الطائرات من دون طيار في أضرار على الأرض، لا سيما في المناطق المبنية؛ ويؤدي التشويش على إشارات الراديو ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) إلى تعطيل الحياة المدنية؛ وما تزال الأنظمة القائمة على الليزر قيد التطوير. ويقول المسؤول: “الدفاع ضد الطائرات من دون طيار هو عمل مكلف لأن لدى الدول عددا كبيرا من المرافق التي ينبغي أن تقوم بحمايتها”. ويشير إلى انتشار شبكات الهاتف المحمول التي تستخدم تقنية الجيل الخامس، والتي قد تمنح المهاجمين في المستقبل خيار التحكم بالطائرات من دون طيار عن بُعد، على غرار وجود روابط أقمار صناعية. ويضيف المسؤول: “إنه سباق تسلح مجنون لأن الإمكانيات التكنولوجية لاستخدام الطائرات من دون طيار مستمرة في الازدياد”.

وكالات

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة