“ليلة القدر”.. أجواء روحانية وطقوس تشهدها المساجد وأكف ترفع للدعاء

في أجواء من المحبة وانتظار هذا اليوم كما كل عام، تتوجه عائلات كبارا وصغارا، بعد ساعات قليلة من الإفطار، للمسجد لأداء صلاة التراويح، ومن ثم الابتهال والدعاء في صلاة قيام الليل، وخاصة في هذه الليلة؛ السابع والعشرين من رمضان.
وعلى الرغم من تحري ليلة القدر في الليالي الفردية خلال العشر الأواخر من رمضان، إلا أن الكثيرين يعتكفون في هذه الليلة تحديداً، ويحرص غالبية الأئمة على تتويج صيام رمضان وقراءة القرآن، بالصلاة بعدد ركعات كثيرة، وقراءات طويلة، وإفساح المجال للمصلين للدعاء والتهجد وقراءة القرآن.
تتميز ليلة القدر، أيضاً، مجتمعياً، بالكثير من الأجواء التي يحرص مصلو المساجد من الرجال والنساء على تجهيزها، لتزيد الأجواء بهجة وتختلط مشاعر الفرح في الحارات وحول المساجد، مع الروحانية التي تظهر في هذه الليلة؛ حيث يتغاضى فيها المصلون والأئمة بشكل كامل عن وجود الأطفال في المسجد، الذين يزيدون من جمالية الأجواء بمشاركتهم الصلاة والدعاء مع المصلين.
كما يحرص كثير من المتبرعين أو العائلات التي تسعى لزيادة الأجر في تلك الليلة على التكفل بإطعام المعتكفين والمصلين وجبة السحور في المساجد، حتى باتت تلك العادة اجتماعية ودينية في الوقت ذاته، كما تحرص مجموعة من السيدات على تنظيم عمل وجبة السحور لجميع المصلين في المسجد، وتخصيص ساعة معينة لها.
هذه الخطوة من شأنها أن تساعد القائمين في الصلوات على الاستمرار في صلاة القيام في ليلة القدر دون أن يعودوا إلى منازلهم لتناول السحور، وهذا من شأنه كذلك أن يزيد الألفة والمودة بين سكان المنطقة والمصلين في المسجد، عدا عن نيل الأجر والثواب من الله.
وتزدان مساجد المملكة، كما في مختلف دول العالم الإسلامي، في هذه الليلة، بالتكبيرات، والدعوات، والصلوات، ففي بعض الدول الإسلامية هناك طقوس معينة لتفاصيل ليلة القدر، وأعظمها في مكة المكرمة، التي تشهد توافداً غير محدود من المصلين من مختلف دول العالم لأداء صلاة التراويح وقيام ليلة القدر، الأمر الذي يدفع الكثير من الناس إلى متابعة تلك الليلة، تلفزيونياً، لما لها من روعة كبيرة وروحانية عالية.
لذلك، يمكن أن يلحظ المسلمون في العالم تهافت وسائل الإعلام العالمية التلفزيونية والسوشال ميديا، في سبيل التقاط الصور أو بث مقاطع الفيديو للأعداد الهائلة التي تقيم ليلة القدر في مكة، لتكون إحدى أبهى الصور الرمضانية كما في كل عام.
كما تبث الوكالات العالمية صور المصلين لليلة القدر في المسجد الأقصى، وحرص المصلين على إحياء ليلة القدر.
أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية الدكتور منذر زيتون، يقول إن ليلة القدر فيها ثلاث غايات كبرى؛ الأولى تعنى بأن الله الكريم واسع العطاء يريد أن يمنح عباده مجالاً ليكتسبوا الحسنات الكثيرة، ويمنحنا محطات كثيرة يكون فيها الأجر مضاعفا.
ووفق زيتون، فإن ليلة القدر هي تلك الفرص التي يمنحها الله للإنسان، وهذه الليلة على بساطتها وقلة ساعاتها يستطيع من أراد واجتهد فيها بالعبادة، أن يضاعف أجره أضعاف كثيرة، وهذا كرم من الله سبحانه وتعالى، فهي خير من ألف شهر، فالعمل فيها وإن كان بسيطا، قد يكون مساعدة لأحد المحتاجين، صدقات، مد يد العون، وإطعام الفقراء.
هذه الأعمال البسيطة تضيف للإنسان رصيده من الحسنات، ويضيف زيتون أن الله تعالى يعلم أن المسلم بطبيعته ضعيف، وأحياناً جهول أو كسول، ويخطئ بين الحين والآخر، والله يعلم هذه النواقص في الإنسان، ويريد أن يجبر تلك النواقص بأن يمنحه فرصة للاستغفار وتخطي ما فعله من معاص، ومنحه ليلة القدر لتكون فرصة له للتعويض عن التقصير والخطأ.
ليلة القدر، التخطي فيها عن الذنوب والأخطاء كبير جداً، كما يقول زيتون؛ إذ إن ما فيها من أعمال صالحة قد تجبر كل النواقص على مدى الحياة، السابقة واللاحقة، بإذن الله، إذ فيها مغفرة للذنوب، أو عتق من النار، كما وعد الله في تلك الليالي الأخيرة من رمضان، وعلى المسلم أن يجتهد في الدعاء والابتهال لله بأن يكون من عتقاء رمضان.
عبر السوشال ميديا، بات تحري ليلة القدر أيضاً أمرا واردا وشائعا بين رواده؛ إذ يرى متابعون أنه من باب أولى أن يكون هناك تحر ومتابعة لأدق التفاصيل حتى يتم تعميم فكرة الاجتهاد في العلم، إن أمكن، بتاريخ ليلة القدر، التي يتمنى كل مسلم في العالم أن يشهدها لما لها من فضل كبير، وطمعاً في قبول الدعوات.
المعنى الآخر من معاني ليلة القدر، يبينها زيتون بأنها تتمثل في التضرع لله بالعبادة حتى يلطف به فيما سيقدر له في العام المقبل، إذ نعلم أنه في شهر رمضان من كل عام ليلة تقدر فيها الأمور من الله تعالى ويعلم ملائكته ما قضى وأراد لكل عبد من عباده في العام المقبل، وتوضع الأمور في نصابها في ليلة القدر وتكتب الآجال، وما أرداه الله تعالى.
ولكون الإنسان يعلم هذه المعلومة، وأن الله سيقدر له ما سيكون في عامه المقبل، على المؤمن أن يخصص تلك الليالي الفردية، وليلة القدر تحديداً، إن كتبها الله للإنسان أن يدركها، أن يتضرع فيها إلى الله وطلب المغفرة منه، والرجاء بأن يكون القادم له كله خير وأن يقدر له الخير وما ينفعه وينجيه وما يكون فيه نجاح وصلاح في الدنيا، والقبول في الآخرة، لذلك على المصلين ألا يفرطوا في هذه الليلة وأن يستغلوها من أولها، وتعميم الخير في أعمالهم، وأن تكون خالصة لوجه الله الكريم.

تغريد السعايدة/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة