مؤشرات إيجابية لتطبيع العلاقات السعودية الإيراينة

تتزايد المؤشرات منذ أسابيع على إحراز الغريمين الإقليميين السعودية وإيران تقدما على طريق تطبيع علاقتهما المقطوعة منذ أكثر من خمس سنوات وتخفيف حدة المواجهة بينهما في الشرق الأوسط، وفق دبلوماسي وخبراء لوكالة فرانس برس.
وأجرى مسؤولون سعوديون وإيرانيون جولات من المباحثات خلال الأشهر الماضية في بغداد، وتحدّث الجانبان مؤخرا بصورة إيجابية عن هذه المحادثات التي أكّد وزير الخارجية السعودي أن جولة رابعة منها عقدت في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي.
وكانت تلك الجولة الأولى منذ تسلم المحافظ المتشدد ابراهيم رئيسي الرئاسة في طهران.
وأفاد دبلوماسي أجنبي في الرياض أنّ “الطرفين شبه اتفقا في آخر جولة محادثات في بغداد على تهدئة التوتر بينهما والحرب بالوكالة الدائرة في المنطقة”.
في بيروت، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الجمعة الماضي إن حوار البلدين على “الطريق الصحيح. وقد تمكنّا من التوصل الى نتائج واتفاقات، لكننا ما زلنا بحاجة الى محادثات إضافية”.
وأضاف “سيعلن الطرفان تطبيق هذه الاتفاقات في الوقت المناسب. ونحن نرحّب بمواصلة المحادثات وبالنتائج التي تفيد الطرفين والمنطقة”.
ولوحظ منذ مدة أن الإعلام الحكومي السعودي خفّف من حدة لهجته تجاه إيران.
وأذاعت قناة “الإخبارية” الحكومية الأربعاء الماضي تقريرا بدأته بتصريحات سابقة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قال فيها “كل ما نطمح به أن تكون لدينا علاقة طيبة ومتميزة مع إيران”.
وجاء في التقرير المعنون “نحو بناء الثقة” أن “المملكة طالما اختارت طريق السلام والحوار لحل الخلافات البينية”.
وأشار إلى أنّ أربع جولات من الحوار “المباشر والصريح” تعقد عليها المنطقة بأسرها آمالا لتكون نقطة بداية “للاستقرار في المنطقة”.
وكان العاهل السعودي قال في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي إن “إيران دولة جارة”، معربا عن أمله في أن تؤدي المحادثات إلى “نتائج ملموسة لبناء الثقة”.
لكنّه دعا طهران “لوقف جميع أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية”، في إشارة خصوصا الى المتمردين الحوثيين في اليمن.
وإيران والسعودية على طرفي نقيض في معظم الملفّات الاقليمية ومن أبرزها النزاع في اليمن حيث تقود الرياض تحالفاً عسكرياً داعماً للحكومة، وتتّهم طهران بدعم المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد أبرزها صنعاء ويشنون باستمرار هجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ على أراضي المملكة.
ووصف مستشار الحكومة السعودية علي الشهابي الوضع الحالي “بالأجواء الإيجابية والمشجعة جدا”، لكنّه أشار إلى أن الرياض “تحتاج الى أن يكون هناك خطوات فعلية”.
وأضاف يجب أن تكون هناك بعض الخطوات الجوهرية من جانب إيران قبل أن تسمح السعودية بإعادة فتح السفارات”، مشيرا الى ملف “اليمن على وجه الخصوص” ووقف تمويل وتسليح الحوثيين.
ويرى خبراء أن هنا أسبابا اقتصادية أيضا وراء الانفتاح بين البلدين.
وتقول الباحثة في مركز “كارنيغي” للأبحاث ياسمين فاروق إنّ “السعودية التي تتبنى مشروعا اقتصاديا ضخما لا تريد استمرار الهجمات على أراضيها”، و”أهمها وأخطرها من اليمن”.
وتسعى السعودية الى تنويع اقتصادها المرتهن بالنفط من خلال تنفيذ خطة اقتصادية تبلغ كلفتها مليارات الدولارات.
وتضيف “هناك فرصة أكبر الآن (للتوصل الى اتفاق)، لأن السعودية تأكدت أنه لن يكون هناك رد عسكري أميركي على إيران إذا تعرضت هي للهجوم”، مشيرة في هذا الإطار إلى هجوم استهدف منشآت أرامكو في 2019 وعطّل نصف الإنتاج لأشهر، ولقي تنديدا دوليا كلاميا فحسب.
وترى فاروق أنّ “الأجواء تشير إلى إمكانية وجود تطورات إيجابية”، لكنّ “ما ينقص المحادثات هو الثقة وضمان السعودية ودول الخليج التزام إيران بما سيتم الاتفاق عليه ومساندة دولية لمثل هذا النوع من المفاوضات”.
وأشار الدبلوماسي الأجنبي الذي يتابع ملف العلاقات بين البلدين عن قرب، الى أنّ “طهران مهتمة بفتح فرص اقتصادية مع السعودية ، خصوصا مع معاناة الاقتصاد الإيراني على وقع العقوبات الدولية”، “فيما السعودية مهتمة بوقف الصراع في اليمن” الذي “كبّدها مليارات الريالات”.
في المقابل، يقول الباحث حسين إبيش من معهد دول الخليج العربية في واشنطن لفرانس برس إنّ مؤشرات التقارب “تأتي أكثر وضوحا من الجانب الإيراني ومن العراقيين” الذين يسعون لإبراز دورهم كوسيط إقليمي.
ويضيف “مع دخول المنطقة بأكملها في مرحلة تخفيف النزاعات، ليس من الصعب تخيل عملية تؤدي إلى رأب الصدع الذي حدث في 2016 وأدى إلى إغلاق السفارتين. لكن الأمر سيحتاج تقدمًا أكبر بكثير من وجهة نظري”.
ويقول الصحافي الإيراني الخبير في الشؤون الإقليمية مازيار خوسروي لفرانس برس إنّ “البلدين وصلا إلى طريق مسدود في التنافس الإقليمي بينهما… وأدركا أن ليس لديهما خيار سوى التوصل لحل وسط”.
ويعتبر أن “الاتفاق سيعني… تجاوز البلدين الخلاف إلى حالة التنافس الإقليمي القديمة” بينهما.
وقطعت الرياض علاقاتها مع طهران في كانون الثاني (يناير) 2016، إثر هجوم على سفارتها في العاصمة الإيرانية وقنصليتها في مشهد (شمال شرق)، نفّذه محتجّون على إعدام المملكة لرجل الدين الشيعي نمر النمر.
ويقول الدبلوماسي المقيم في الرياض “ستكون هناك جولة جديدة ربما الأسبوع المقبل. على الأرجح سيكون هذا الاجتماع لوضع الخطوط النهائية لاتفاق”.
ويشير إلى أن “هناك اتفاقا مبدئيا على إعادة فتح القنصليات” المغلقة منذ أكثر من خمس سنوات، مضيفا “أعتقد أن الإعلان عن تطبيع العلاقات قد يحدث خلال أسابيع قليلة”.(أ ف ب)

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة