أطايب الكلام من الكلام المباح // د . رياض الشديفات

قال تعالى: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء: 114.
الأصل في النجوى هي ما يكون بين أثنين أو أكثر من حديث السر، وفي التفسير النجوى ما يحزن المؤمن من الكلام، أو ما يكون من التناجي بين شخصين أو أكثر في شأن ما، وفي الحديث أن كلام ابن أدم كله عليه ما خلا ما ورد في الآية، وهذا يعني أن كلام الإنسان أما أن يكون له أو يكون عليه.
فهذه الآية الكريمة من القواعد الهامة التي تضبط مجالس الحديث وكلام الناس. ولعل استثناء الأمور الثلاثة الواردة في الآية وبيان الأجر المدخر لمن يقوم بها بيانٌ لأهميتها في المجتمع، ويلاحظ أنها تتعلق بالناس، وليست مسائل فردية بحتة، فمن يتصدق بالصدقة لديه حس جماعي بحاجات الناس والتخفيف من معاناتهم، وقدمت الصدقة على غيرها من الأعمال لأن نفعها لا يعود على الشخص المتصدق بشكل مباشر، وفضل الصدقة عظيم وأجرها عند الله عظيم، وفي الآية دعوة كريمة إلى التصدق ولو بالكلمة الطيبة فهي صدقة، والدال على الخير كفاعله.
أما المعروف بين الناس فهو حاجة اجتماعية دينية إنسانية ضرورية لا يستقيم شأن المجتمعات بدونها، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، وجاء الأمر بالمعروف بعد الأمر بالصدقة للتأكيد على أهميته باعتباره عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، فكل نفع يتعد إلى الآخرين يعد من المعروف، ومن المعروف دعوة الناس إلى مساعدة بعضهم، وعيادة المريض، وسقاية الماء، والعطف على المحتاجين، وكل معروف صدقة، ومن المعروف أن تلق أخاك بوجه طلق، والتعاون على الخير وغيرها.
أما الإصلاح بين الناس ففضله عظيم يفوق فضل النوافل وعبادات التطوع، ولأهمية الإصلاح أباح الإسلام الكذب المباح مما يقرب النفوس ويجبر الخواطر، وهذه رخصة ما أعطيت إلا لمكانة الإصلاح بين الناس، فعملية الإصلاح تسهم في سلامة المجتمع من الآفات الاجتماعية التي تهدد السلم الاجتماعي والأخوة بين الناس.
وهذه دعوة لعقلاء المجتمع أن يساهموا في تفعيل وتوظيف الكلمة الطيبة في الصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس طلباً للأجر العظيم المنتظر جراء القيام بهذه الأدوار الاجتماعية الإيجابية، ولا شك أن قضاء الأوقات فيها لا يعد لغواً ولا لهواً ولا تسلية؛ بل مطلب شرعي واجتماعي نبيل نرجو أن توجيه الجهود لأجله، والله المستعان.

د . رياض الشديفات / المفرق .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة