أفلا يتدبرون..؟ ليلة القدر وعلاماتها

بقلم /علي راضي أبو زريق – الدستور

ليلة القدر هي الليلة التي نزل بها القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا . وفيها كانت الزيارة الأولى من جبريل إلى النبي في غار حراء. وتتكرر ذكراها كل عام فينزل الروح الأمين والملائكة بأوامر الله إلى حيث يجب أن تكون تمهيدا لتنفيذها على امتداد عام. ولم يكلف الله عباده باي عبادة خاصة بتلك الليلة ولا أمرهم ولا نهاهم. وهي خاصة بالمخاطبين بلغة القرآن. فهي ذكرى نزول القرآن دون سواه. وأغلب الظن أنها ليلة إحدى وعشرين من رمضان كما جاء في حديث ابي سعيد الخدري الذي سجله معظم جامعي سنن النبي. ففيه علامتان على صدقه خصوصاً ذكر منام النبي المحكم الذي لا يقدر على اختراعه أناس بسطاء حديثوا عهد بالتدين. ولا يخطر ببال كذابين أن يخترعوه. كما أن موعد اعتكاف النبي المذكور فيه يتفق مع النبوءة التي تحققت حول ليلة القدر. وعليه فحسب فرضيتنا صدق حديث أبي سعيد الخدري ، فإن كل الأحاديث الباقية، التي توصي بتحري ليلة القدر أو تذكر موعدها على سبيل الاحتمال غير صحيحة ، أو كان بعضها قبل ذلك الحديث فانتهى مفعولها. لمخالفتها لحديث ابي سعيد الخدري الأقوى حظا من التصديق. وبناء على سنة الله في التعامل مع الشعوب المخاطبة إذا أرسل لها آية، فإن كل ما ذكر عن علامات ليلة القدر كذب محض لم يقله رسول الله ولم يسمع به. ولو كان صحيحاً فما الذي يمنع الرسول من الانتظار قليلا بعد صلاتي العشاء والفجر ومراقبة علامات الليلة ومنظر بزوغ الشمس ليتحقق من ليلة القدر بناء على علاماتها المذكورة في الأحاديث؟ ثم يُريها لصحابته وتنتهي الحيرة بشأن موعدها من الشهر؟ كما أن أدعية ليلة القدر، وتحقيق الأماني بها، وانفتاحها بضوء ساطع على بعض الخلق، ليحقق الله لهم أمنيات فائقة للعادة إذا أجادوا استغلالها، ودعوا بطريقة نافعة لهم، لا اصل له. ليلة القدر خير من الف شهر وكفانا سعادة أنها ليلة من حياتنا ومن أمر ديننا وبها بدأت نبوة سيدنا محمد عليه السلام. والحمد لله رب العالمين.
علامات ليلة القدر خرافة قديمة تجددت في العصر الحديث بوسائل تقنية حديثة. ويروج لها في هذا الزمن أساتذة متخصصون بعلوم الفيزياء والفلك. ونعرض فيما يلي ما قيل عنها ماضيا وحاضراً.
– عند الآوائل:
يسجل مسلم في صحيحه:» يقول زر بن حبيش «سألت أُبَيَّ بنَ كعب فقلت إن أخاك ابن مسعود يقول من يقم الحول يصب ليلة القدر فقال: رحمه الله أراد أن لا يتكل الناس أمَا إنه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين فقلت بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر قال بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها» .
وفي المصدر الشيعي المسمى الكافي للكليني: « عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا ( عليهما السلام ) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ عَلَامَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ عَلَامَتُهَا أَنْ تَطِيبَ رِيحُهَا وَ إِنْ كَانَتْ فِي بَرْدٍ دَفِئَتْ وَ إِنْ كَانَتْ فِي حَرٍّ بَرَدَتْ فَطَابَتْ …»
– وجاء في مسند أحمد (مسند الأنصار) ورواه آخرون من رواة الأحاديث:» إنَّ أَمارةَ ليلةِ القدرِ أنَّها صافيةٌ بلِجةٌ كأنَّ فيها قمَرًا ساطِعًا ساكنةٌ ساجيةٌ لا بردَ فيها ولا حرَّ ولا يحلُّ لكوكبٍ أن يرمى بهِ فيها حتَّى يصبِحَ وإنَّ من أمارتَها أنَّ الشَّمسَ صبيحتَها تخرجُ مستويةً ليسَ لَها شعاعٌ مثلَ القمرِ ليلةَ البدرِ ولا يحلُّ للشَّيطانِ أن يخرجَ معَها يومَئذٍ»
– ويسجل أبو داود في مسنده ما شهد الألباني بصحته «عن زرِّ بن حُبَيش عن أبي بن كَعب قَال: قال لنا رَسُولُ الله: «صبِيحةَ ليلةِ القدْرِ تَطلُعُ الشَّمسُ لا شُعاعَ لها؛ كأنَّها طِسْتٌ حتى تَرْتَفِعَ، وتطلع الشمس بلا وهج أو شعاع كما المعتاد».
– وعند ابن خزيمة وشهد بصحته الألباني:» عن ابن عباس عن النبي :»ليلة طلقة: لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة.»
وأمام هذه الاحاديث والمرويات الواضح استحالة نسبتها للنبي نتساءل: كيف لم يعرفوها بل كيف لم يعرفها رسول الله ويبينها بصراحة ما دامت علاماتها بهذه الوضوح فهي بلا شعاع وشمسها حمراء ضعيفة او بيضاء، ولا ندري اي القولين اصدق، لكن كليهما قابل للفحص. وكيف لم يشعر رواة الحديث بتناقض ما يروون من أحاديث ليلة القدر؟ ولا فرق في ذلك بين راوية وآخر او بين مذهب وآخر؟
عند المعاصرين:على صفحات الإنترنيت عدة فيديوهات ملفقة عن اكتشاف ليلة القدر أحدها يدعي أن ناسا (وكالة الفضاء الأميركية) عرفت ليلة القدر. وواضح أن الفيديو ملفق. فهو يزعم أن مكتشف ليلة القدر اسلم ثم طرد من المؤسسة. اي أنه صار حراً فلماذا لا يتحدث؟ وزيادة في الكذب يُظهر الفيديو شخصا أشقر الشعر يلبس جلابية بيضاء سافر الرأس ساجدا على الأرض لإيهام المشاهد أنه مكتشف الليلة وهو أسلم ويصلي. ولا يظهر وجهه ولا يسمع أحد صوته ولا يدلي بقول ما. ولم يذكر الفيديو اي ليلة هي. وكذلك أظهرت فيديوهات أخرى أستاذا جامعيا متخصصا بالفيزياء يحاول اكتشاف ليلة القدر بناء على علاماتها وبواسطة كاميرا متطورة جدا كما يصفها، ويزعم أنه عرفها. وهناك فريق عمل رصد شروق الشمس في الفجيرة على ساحل الخليج العربي وزعم أنه شاهد علاماتها يوم 29 رمضان. وهو ما يناقض مواعيد اعتكاف الرسول التي تحوم حول ليلة قريبة من العشرين من رمضان. فليت الوضَّاعين المعاصرين يتعظون من أسلافهم القدامى الذين اساؤوا للدين أساءات بالغة واظهروه متناقضا وغير عقلاني احياناً.
إن كل أحاديث علامات ليلة القدر تدخل تحت باب الخرافة وهي أحاديث موضوعة، وتدل على جهل بالدين عموما وبشروط الآية خصوصاً، كائنا من كان قائلها.

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة