“أم الرصاص” تحتضن معالم تاريخية تجذب الزوار والسياح

مادبا- على بعد نحو (30) كم جنوب شرق مادبا، تقع أم الرصاص (ميفعة) القديمة التي تندرج امتداما لمنظومة تراثية تاريخية تبدأ بـ “مسلة الملك ميشع بذيبان”، مرورا بـ “مادبا وجبل نيبو”؛ حيث يمكن الدخول إليها عن طريق نتل، الزعفران الرميل أو عن طريق شرقي مدينة ذيبان، وأيضا من الطريق الصحراوي عبر منطقة خان الزبيب.
قديما كانت أم الرصاص مركز مادبا، استخدامها الجيش الروماني كموقع حامية استراتيجية؛ لكن تم تحويلها فيما بعد إلى مجتمعات مسيحية وإسلامية، وفي عام 2004، تمت إضافة الموقع على لائحة التراث العالمي لليونسكو، ويهتم علماء الآثار بمكانته التاريخية بسبب آثاره الواسعة التي تعود إلى العصور الرومانية والبيزنطية والعصر الإسلامي المبكر.
وتحتل الآثار الموجودة في أم الرصاص موقعاً عالياً يمكن رؤيته عن بعد 20 كم بمساحة 30 دونما تشكله منطقة مغلقة داخل حصن منيع تحيط به أسوار عالية، لكونها تقع على هضبة مادبا الخصبة على ارتفاع 760 متراً عن سطح البحر، بين وادي الوالة ووادي الموجب، وتمتد القرية الحديثة على أطرافها، ويبلغ عدد سكانها 4200 نسمة كما تُعتبر أحد جيوب الفقر في الأردن.
وتعود تسمية أم الرصاص بهذا الاسم حسب معاجم اللغة إلى جذره، فهو مشتق من الفعل (رص)، أي وضع أمرين ملتصقين بعضهما ببعض، كما تعني كلمة (رص) الطلاء بالرصاص.
وقد ورد اسم المدينة القديم كاسترون ميفعة في نص باللغة اليونانية ضمن فسيفساء تعود إلى العصر الأموي.
وورد الاسم الجغرافي (ميفعة) في المصادر الرومانية والعربية، وعند المؤرخ يوسيفوس في كتابه الأسماء الجغرافية (أونوما ستكون)، حين ذكر وجود وحدة من الجيش الروماني كان مركزها على حافة الصحراء في ميفعة.
وتعتبر منطقة أم الرصاص من أهم المواقع السياحية الأثرية في الأردن التي يرتادها حجاج مسيحيون من مختلف مناطق العالم لما تحويه من معالم دينية قديمة، وبخاصة بعد اكتشاف الأرضية الفسيفسائية لكنيسة القديس ستيفان، الأهم في كل الموقع؛ والتي تعود إلى عام 785 (تم اكتشافها بعد عام 1986)، وأن هذه الأرضية الفسيفسائية المحافظ عليها تعتبر الأكبر في الأردن.
وأطلق على ام الرصاص اسم “كاسرتون ميفعة”، كما ورد في نص باللغة اليونانية ضمن فسيفساء تعود إلى العصر الأموي أسسها الرومان كمعسكرات في البدء من أجل تثبيت النفوذ وحماية طرق التجارة المتجهة من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وبالعكس. إلا أنها نمت لتصبح مدينة ابتداء من القرن الخامس الميلادي، لتحتل منزلة كبيرة في ذلك الوقت.
ويحتوي الموقع الأثري فيها على أطلال تعود للفترة الرومانية والبيزنطية، بالإضافة إلى الفترة المبكرة من الحضارة الإسلامية (من نهاية القرن الثالث).
وتحيط بأم الرصاص، بقايا مناطق زراعية قديمة، كما أن هنالك نظاما خاصا لجمع المياه على امتداد الموقع استعمل لمياه الشرب، وكذلك كنظام لري المزروعات وبالرغم من احتوائها على الكثير من الكنائس التاريخية وآثار لمعسكر روماني كبير، إلا أن معظم أجزاء الموقع لم تكتشف بعد.
وإلى جانب سور الحصن الروماني، سور بُني بداخله في الفترة البيزنطية عدد من الكنائس، ويعود تاريخه للقرن الثالث الميلادي، وهو مستطيل الشكل يحيط به سور دعم بعدد من الأبراج، وله بابان في الواجهتين الشمالية والجنوبية وباب كبير في الواجهة الشرقية حيث كان مقراً للفيلق الروماني الذي كلف بحماية الطريق التجاري السلطاني وحفظ الأمن والاستقرار في المناطق المجاورة لأم الرصاص.
ويعتبر برج الناسك، أحد أهم الآثار إلى جانب لوحات فسيفسائية تحوي معلومات تاريخية قيمة، والتي بسببها أدرجت المنطقة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (يونسكو)، ومزيج حضاري فريد يعكس التعايش الديني في فترة دولة الخلافة الأموية والتي بنيت فيها أغلب الكنائس
وتتميز كنيسة القديس اسطفان، ويُطلق عليها أيضا “كنسية القديس اسطيفانوس” أو “استيفان” بأرض ضخمة مرصوفة بالفسيفساء منذ عام 718 م، وما تزال محفوظة حتى أيامنا هذه؛ حيث تصور هذه الفسيفساء التي تزيد مساحتها على 500 متر مربع– رسوماً لعدد من المدن البارزة التابعة للأرض المقدسة من جهتي نهر الأردن الشرقية والغربية، حيث تم وصف 8 مدن في فلسطين و9 مدن في الأردن، بالإضافة إلى 10 مدن في دلتا النيل.
وأكد مدير سياحة مادبا الجعنيني أن موقع أم الرصاص المدرج على قائمة التراث العالمي المعتمدة من اليونسكو تهدف للتعريف بهذا الموقع الهام الذي يروي العيش المشترك بين الأديان السماوية، ويحتوي على كنوز أثرية كثيرة.
وأضاف أن هذا الموقع يمثل رسالة الأردن الذي أصبح ملجأ لمن يريدون العيش بأمن وأمان، منوهاً الى أن عدداً من الكنائس شيدت في الموقع، وبعضها شيد في العصور الإسلامية، والتي تشير إلى حالة السلام والأمن والعيش المشترك بين الأديان في الأردن.
وأكد أن من أهم المشاريع التي نفذتها وزارة السياحة والآثار في موقع أم الرصاص إنشاء مركز للزوار له انعكاسات إيجابية كبيرة على مختلف الأصعدة، ومن شأنه تحسين وتطوير الواقع الأثري والسياحي في أم الرصاص، علاوة على الحفاظ على هذه المواقع الاثرية باعتبارها إرثا تاريخيا وحضاريا وجزءا من هوية وتاريخ الأردن.
وأشار إلى أن المواقع مدرج ضمن برامج وزارة السياحة والآثار لاستقطاب السياح وزوار إليه لأهميته التاريخية والإنسانية.

أحمد الشوابكة/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة