أيام فلسطين السينمائية.. صوت النضال والمقاومة من خلال الأفلام

لطالما شكلت السينما والأفلام وسيلة تعبيرية قوية يمكن استخدامها لتسجيل الواقع وتصوير الأحداث التاريخية والسياسية المهمة؛ إذ لعبت السينما الفلسطينية دوراً حيوياً في تصوير المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

منذ النكبة العام 1948، واجه الشعب الفلسطيني الاحتلال الإسرائيلي الذي سعى إلى طمس الهوية الفلسطينية وفرض السيطرة على الأراضي الفلسطينية. وقد واجه الفلسطينيون هذا الاحتلال بمختلف الأساليب، بما في ذلك المقاومة المسلحة والمقاومة الشعبية والمقاومة الثقافية.

وفيما كانت السينما الفلسطينية أحد أشكال المقاومة الثقافية التي سعى الفلسطينيون من خلالها إلى إبراز قضيتهم العادلة وتعريف العالم بها، وبالتزامن مع ذكرى وعد بلفور، التي تصادف في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر)، تأتي” أيام فلسطين السينمائية” لتعزيز أصوات الفلسطينيين، ودعم فلسطين، والمساهمة في تغيير السرد المشوه، وذلك في إطار الإلغاء القسري للفعالية الأصلية في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة.
منصة “أفلامنا”، وبالتعاون مع سينما الرينبو التي نظمت أكثر من 90 عرضا سينمائيا عن فلسطين حول العالم، تنظم هذه الفعالية التي انطلقت أمس في الأردن، لتتزامن مع عروض سينمائية في مختلف المدن والمناطق في البلدان الغربية والعربية، لا سيما في الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، إسكتلندا، إيرلندا، هولندا، اليونان، وفي العالم العربي: قطر، لبنان، الأردن، الإمارات العربية المتحدة، الجزائر ومصر.
العروض المجانية للأفلام، التي انطلقت أمس وتستمر حتى 4 من الشهر الحالي، تهدف إلى تسليط الضوء على قوة ومرونة القصص الفلسطينية، ولا يهدف هذا الحدث إلى تقديم تألق سينمائي فحسب، بل يهدف أيضا إلى إبراز القصص التي تظهر روح وتصميم الشعب الفلسطيني.

“نادي غزة للتزلج”
من بين الأفلام المميزة “نادي غزة للتزلج” الوثائقي للمخرجين فيليب جنات وميكي يمين، وسط الدمار والحرب والحصار، حيث البحر الذي يمثل الحياة؛ لا تتوقف الحياة والأمل والأحلام، وسط تناقضات العيش في قطاع غزة الذي لا يهدأ.
يتتبع الفيلم حكاية أحلام ثلاثة أجيال، هم الأربعيني محمد أبو جياب الصياد الذي كان من أوائل من مارس ركوب الأمواج، ولكنه استسلم لواقعه وسط الحصار. وإبراهيم عرفات الذي حقق حلمه بالوصول لهاواي وتعلم صناعة ألواح التزلج، وصباح أبو غانم السباحة التي كانت من الفتيات اللواتي ارتطمت أحلامهن بواقع مجتمع يقيد من حريتها لتتكسر كل آمالها على صخور الشاطئ.
وتتحدث كل شخصية عن أهمية ركوب الأمواج، ووسيلتها للحفاظ على صفاء العقل وهدوئه وسط كل هذه المصاعب، في مكان يخلو من الأمل.
هؤلاء الشباب يركبون الأمواج بأقل الإمكانات، في قطعة أرض محاصرة شواطئها، ويقطنها نحو 1.850.000 شخص، في جانب غير مستقر، حيث الحرب هي خلفية كل شيء، والأمواج تمثل الهدوء والسلام الذي يبحث عنه الجميع.
كل حكاية من الحكايات الثلاث، يحاول بطلها الهروب من ضغوطات الحياة والعقبات التي تواجه رغباته البسيطة، ففي كل مكان فيه البحر، يعد ركوب الأمواج أمرا مألوفا، ولكنه لساكني غزة ليس رياضة أو هواية؛ بل طريقة حياة تمنعهم من ممارسة هوياتهم.
ويكشف المخرجان، شيئا فشيئا، كيف تكون القيود المجتمعية أحيانا أكبر عائق، وفي حالة “صباح” التي توقفت عن ركوب الأمواج بعد أن باتت صبية واكتملت أنوثتها، تتحول لمشاهدة للأمواج التي كبرت بينها وصادقتها، ويتحول حلمها لتكون طبيبة، فيما آخر يصل لقناعة أنه من المستحيل أن يتأقلم أحد من الخارج على حياة القطاع والانعزال والحرب.
فيلم “نادي غزة للتزلج” يترجم قدرة الفرد على تحدي كل شيء، ويؤكد أن للأحلام أجنحة تكسر أي قيد وتحمل صاحبها حيث يريد إن لم يستسلم لكل العوائق مهما أنهكته.. ولو كان حلم الشباب مغادرة قطاع غزة، لكنهم مرتبطون بها إلى الأبد، وكل يقاوم بطريقته رغم كل أنواع الحصار.
وهو فيلم وثائقي مؤثر، يأخذ الجماهير في رحلة عبر حياة الشباب الذين يجدون العزاء والحرية في ركوب الأمواج وسط تحديات قطاع غزة.
يتعمق الفيلم في حياة إبراهيم، الشاب المصمم على إنشاء ناد لركوب الأمواج في غزة، ويعرض العقبات التي يتغلب عليها والمجتمع الذي يبنيه. إنه بمثابة تذكير مؤثر بالمرونة والأمل في مواجهة الشدائد، مما يوضح الروح النابضة بالحياة التي تستمر حتى في أكثر الظروف صعوبة.

“حتى إشعار آخر”
أما فيلم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي “حتى إشعار آخر”، فتم إنتاجه قبل 28 عاما، وتم تصويره في مخيم الشاطئ في العام 1993، وهو يصور حياة الفلسطينيين خلال فترات حظر التجول التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل متقطع.
يبدأ الفيلم في التقاط طبيعة الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي خلال فترات حظر التجول المفروضة على المواطنين الفلسطينيين.
المشهراوي يلخص الصورة من منزله بكل تفاصيلها وتداعياتها، من المرونة والصبر، إلى الدعم المتبادل بين الأسر، أقصى درجات التضامن والتماسك الاجتماعي بين الأفراد، فتح المنازل لبعضها بعضا، والطعام المعد هنا وهناك ينتقل إلى الجار ثم إلى جار آخر، في مشهد يعكس أهمية التضامن، التماسك والانسجام، متجاوزين المصاعب المتتالية بقدر كبير من الوحدة التي تشعل القوة التي ترفع القبضة الراسخة ضد الاحتلال الإسرائيلي وأدواته.
نجح في تصوير صورة منازل الفلسطينيين في أكبر مخيم في قطاع غزة، مخيم الشاطئ في العام 1993، في فترة سبقت الانتفاضة الكبرى، مما يعني أن المرونة شحنت الفلسطينيين بالطاقة التي هزت فيما بعد أعمدة الاحتلال الإسرائيلي.
يبين الفيلم أن الفلسطينيين يستعدون للرد على الظلم وصد الإذلال الذي يمارس ضدهم في جميع الأوقات من أجل دفعهم إلى اليأس والاستسلام. ومع ذلك، فإن ما كشفه الفيلم عن حقيقة الوحدة وانصهار المشاعر والإرادة بين العائلات وأفرادها، شكل استجابة مدوية لأحلام الإسرائيليين، ولا سيما ما استطاعت المرأة الفلسطينية فهمه عن الحالة الاستثنائية وتحقيق التوازن الأسري، وتوسيع نطاق التعاون مع الجيران، مما وفر للرجال الفلسطينيين درعا وقائيا للدفاع عن أسرهم من أجل المشاركة في مقاومة الاحتلال، وتحولت المنازل الفلسطينية إلى منزل واحد لعائلة واحدة.
وبالمثل، فإن فيلم “اصطياد أشباح” الوثائقي للمخرج رائد أنضوني، يلتقط بشكل فريد تجارب السجن للمعتقلين السابقين من خلال الكوميديا السوداء. يرسم الفيلم صورة متعددة الأوجه للتجربة الفلسطينية المتنوعة، ويسلط الضوء على مرونتهم ونضالاتهم وآمالهم وأحلامهم، على الرغم من السجن والشدائد التي عانوا منها بسبب الكيان الصهيوني واحتلاله وظلمه.
ويأتي فيلم “قفزة أخرى” الوثائقي، للمخرج الإيطالي إيمانويل جيروسا، الذي يتناول قصة شابين فلسطينيين؛ عبد الله وجهاد، الشغوفين برياضة الباركور.
عبد الله رياضي باركور موهوب يحلم بالمنافسة بشكل احترافي، بينما جهاد مدرب موهوب يأمل في بناء مجتمع من عشاق الباركور في غزة.
يتابع الفيلم الرجلين وهما يسعيان لتحقيق أحلامهما، لكنه يستكشف أيضا التحديات التي يواجهونها كفلسطينيين يعيشون في غزة، حيث فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا معوقا على غزة، مما جعل من الصعب على الناس السفر والعمل والوصول إلى الضروريات الأساسية.
تأتي ذروة الفيلم عندما أصيب عبد الله في حادث تسبب له بالشلل من الخصر إلى أسفل، وتحطم حلمه في أن يصبح رياضيا محترفا.
يظهر الفيلم تحديات العيش في غزة تحت الاحتلال الإسرائيل، كما أنه يظهر قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود على الرغم من التحديات، لكنهم يواصلون السعي لتحقيق أحلامهم وبناء مستقبل أفضل لأنفسهم.

“خيوط السرد”
ويقدم فيلم “خيوط السرد” إخراج كارول منصور، نسجا سينمائيا يكمل موضوع “التطريز”، بين كل مقابلة من المقابلات الاثنتي عشرة للفيلم مع نساء فلسطينيات، تركز الكاميرا على خياطة اليدين بمهارة في خيوط ملونة في دعم شبكي. تصاحب الموسيقا العربية هذه التحولات، كما تظهر الخرائط الأماكن العديدة التي انتقلت إليها كل عائلة عندما أجبرت على الخروج من فلسطين في العام 1948 عبر سلسلة من التحركات.
تدخل الثوب المطرز بشكل غني -الملابس الفلسطينية التقليدية- في كل قصة، لأنها تمثل التراث الفلسطيني والحفاظ على الثقافة. فبعد أن تركت العائلات كل شيء وراءها في العام 1948، معتقدة أنها ستعود في غضون أسابيع. الآن، بعد أجيال عدة، أصبح التطريز يجسد الرمز الإضافي للمقاومة الفلسطينية.
علاوة على ذلك، فإن “خيوط السرد” يظهر كيف يصبح التطريز من أشكال المقاومة، مما يسمح لهؤلاء النساء بالحفاظ على ارتباطهن بثقافتهن والتعبير عن أحلامهن في المستقبل.
ويستكشف الفيلم الوثائقي لمنصور بأناقة العلاقة بين النساء الفلسطينيات وتراثهن ووطنهن، ويقدم نظرة حميمية على حياتهن التي غالبا ما يتم تهميشها أو إسكاتها.

“حكاية الجواهر الثلاثة”
أما فيلم المخرج ميشيل خليفي “حكاية الجواهر الثلاثة”، فيحكي قصة الطفل يوسف، الذي يبلغ من العمر 12 عاما، يعيش مع أمه وأخته في مخيمات اللاجئين في قطاع غزة خلال فترة الانتفاضة الأولى. الأب معتقل منذ ولادته، وأخوه مطارد من الوحدات الخاصة الإسرائيلية، مما يجعل العنف والبؤس سمتي حياته.
تستمر الحياة في فرض طابعها القاسي على يوسف، مما يدفعه إلى اللجوء إلى الخيال وشغفه بالعصافير وصيدها. يهرب من واقع المخيم إلى براري غزة وشواطئها كلما سنحت له الفرصة.
بين عواطف الحب وظروف الحرب، يقع الفتى الحالم في حب “عائدة”، مما يضعه أمام تحد كبير. تقوده هذه العلاقة إلى مغامرة مليئة بالمخاطر، حيث يشترط عليه أن يتمكن من استعادة الجواهر الثلاث المفقودة من عقد جدتها لقبولها الزواج منه.
يحاول يوسف تحقيق وعده لحبيبته بالسفر خارج البلاد، ويتفق مع صديقه صالح ليضمن له دخول أحد صناديق البرتقال المعدة للتصدير. ومع ذلك، يفرض الاحتلال حظر تجوال يمنعه من الخروج، مما يجبره على البقاء محصورا داخل الصندوق.
يتضمن فيلم ميشيل خليفي العديد من الرموز، من خلال تصوير حقول البرتقال الممتدة على الأراضي الفلسطينية، جنبا إلى جنب مع أشجار الزيتون والكوفية، كرموز لنضال وصمود الشعب الفلسطيني. كما يظهر أيضا تحرر العصافير من أقفاصها كرمز واضح للرغبة الشديدة للفلسطينيين في الحرية.
كل فيلم اختير يقف كدليل على الروح الإنسانية، ويحتفل بالمرونة والإبداع والتصميم الثابت للشعب الفلسطيني ضد كل الصعاب.
هذه الأفلام بمثابة دعوة لمشاهدة هذه القصص القوية والمؤثرة التي تستحق الاهتمام والتقدير، وعرض الروح الإنسانية التي لا تقهر، وقوة الفن في سرد القصص المهمة حقا.

 إسراء الردايدة/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة