إحباط في جرش من موسم العنب وسط تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار

جرش – شهد إنتاج العنب في محافظة جرش، تراجعا لافتا، في مقابل ارتفاع كبير على أسعاره، مقارنة بالأعوام السابقة، مما حرم المزارعين والمطابخ الإنتاجية من موسم عمل المربيات و”الخبيصة” ومختلف المنتجات الغذائية التي اعتادوا تصنيعها باستخدام العنب تحديدا.
وعادة ما يعتمد المزارعون وكذلك المطابخ الإنتاجية على موسم الزراعات الصيفية، لا سيما موسم العنب لتغطية تكاليف الإنتاج، كون تصنيع المواد الغذائية يحقق أرباحا مادية أكثر ويحافظ على المنتج مدة أطول ويضمن تسويق المنتج بأسعار مناسبة مقارنة مع سعر هذه المنتجات إذا تم بيعها في الأسواق بدون تصنيع.
كما يلجأ آلاف الزوار من سياح ومغتربين إلى المطابخ الإنتاجية الجرشية لشراء المونة السنوية وتوفير كافة احتياجاتهم من الأغذية، ويعتمدون على منتجاتها كونها تتميز بالنوعية وطريقة التصنيع والأسعار المناسبة.
وتشتهر محافظة جرش بصناعة منتج “الخبيصة”، ونظرا لكثرة إنتاج العنب وانخفاض أسعاره في المحافظة، تلجأ العديد من السيدات إلى إعداد هذه الحلوى الشعبية القديمة التي تشتهر بها جرش، حيث تصنع من عصير العنب ويتم تخزينها بهدف بيعها في فصل الشتاء الذي يقبل فيه الناس عادة على شرائها.
وفي السنوات الماضية، كانت سيدات البيوت وصاحبات المطابخ الإنتاجية يعدن تلك الحلوى إلى جانب إعداد كافة المنتجات الغذائية من العنب وباقي الفواكه الموسمية وعمل الحلوى والمربيات والمخللات والمجففات، فضلا عن إنتاج أصناف متعددة من المونة في فترات الفواكه الموسمية، كحل مناسب لتعويض انخفاض الأسعار وحفظ المنتج لوقت أطول وضمان تسويقه.
وفي مثل هذه الفترة، معروف أن عمل المطابخ الإنتاجية وربات المنازل ينشط لتجهيز وإعداد المنتوجات الغذائية بمختلف أنواعها من مخللات ومربيات العنب والتين والدراق والخوخ والمشمش، إضافة إلى إعداد الزعتر البلدي والسماق الذي يزرع في سفوح الجبال وتحضير الأعشاب العطرية وتجهيز آلاف الكيلوغرامات من المقدوس وتجهيز الزبيب بمختلف أنواعه والقطين وتجفيف كل أنواع الفواكه.
تضرر المطابخ الإنتاجية
وكانت هذه المنتجات متوفرة بكثرة في مزارع جرش وأسعارها منخفضة في الأسواق، ومن الأجدى ماديا تصنيعها منزليا لتحسين المنتج وضمان بيعه بسعر أفضل وتوفير المونة الغذائية التي يحتاجها كل منزل أردني وقد اعتادوا على شرائها من جرش في هذا الوقت، إلا ان هذا العام شهد تراجعا كبيرا جدا في كميات الإنتاج.
وتوقف العمل في العديد من المطابخ الإنتاجية هذه الفترة نظرا لقلة المنتج الزراعي، وما يتوفر منه بكميات قليلة وأسعار مرتفعة جدا لا تتناسب مع تكاليف التصنيع، مما لا يحقق أي جدوى مادية، وفق رئيسة جمعية سيدات نجدة والحسينيات ومديرة مطبخ إنتاجي نبيلة أبو غليون.
وتؤكد أبو غليون أن أسعار العنب ارتفعت هذا العام بنسبة 50 % في جرش ولم يقل سعر الكيلو عن 70 قرشا، نظرا لقلة الإنتاج وتراجع جودة المنتج بسبب التغيرات المناخية وتراجع الهطول المطري الذي انعكس بشكل مباشر على كميات الفواكه الموسمية التي تنتج عادة بالاعتماد على مياه الأمطار.
وبينت أن مساحة مزارع العنب في توسع مستمر بسبب إقبال المزارعين على زراعته كونه من المزروعات التي تثمر بسرعة ويستفاد من أوراقها وثمارها في الموسم نفسه، إضافة إلى إمكانية تصنيعها إلى منتوجات متعددة وتسويقها بشكل أفضل.
وأشجار العنب تحتاج إلى رعاية خاصة وتكاليف ري وتسميد ورش وحراثة وتقليم وأجور عمال لقطاف الأوراق والثمار، ولا يمكن تغطية هذه التكاليف إلا بتصنيع المنتجات، إذ يبقى خيار التصنيع الحل الوحيد لضمان الحفاظ على المنتج وإطالة مدة بقائه، لا سيما أن الفواكه الموسمية سريعة التلف إذا بقيت دون تصنيع.
وقال المزارع في بلدة ساكب أبو سراج العياصرة، إن أرضه المزروعة بما لا يقل عن عشرة دونمات من العنب كانت تنتج كميات كبيرة سنويا، إلا ان إنتاج هذا العام انخفض بشكل كبير ولم يتجاوز 100 كيلو فقط، وهي كمية متواضعة مقارنة بمئات الكيلوغرامات التي كانت تنتج سابقا.
وأوضح العياصرة، أنه كان يوظف سيدات من المجتمع المحلي لتصنيع المنتج في منزله ويسوقه عبر المجتمع المحلي ووسائل التواصل الاجتماعي، كما كان يقيم بسطات صغيرة على الطرقات التي يسلكها السياح في عطلة نهاية الأسبوع لتسويق منتجاته، إلا أن الإنتاج هذا العام كان قليلا جدا، مما اضطره إلى توزيع ما أنتج على أسر معوزة.
كميات غير كافية للتصنيع
بدورها، قالت السيدة المنتجة جميلة بني ملحم إنها كانت سنويا في هذا الوقت تقوم بتصنيع العنب وتحويله إلى “الخبيصة” الأكثر طلبا وتسويقا، نظرا لوفرة العنب سابقا وانخفاض أسعاره وجودته العالية، إلا ان الإنتاج والجودة كانا متدنيين هذا العام، ما جعله غير كاف للتصنيع الغذائي.
وأضافت أن الأسعار مرتفعة والعمل في التصنيع غير مجد.
وأوضحت بني ملحم أن خسائرها هذا الموسم كبيرة، إذ كان يعتمد عليها مئات المواطنين في تجهيز المونة السنوية، خصوصا المغتربين الذين اعتادوا على شراء منتجات مطبخها منذ سنوات طويلة، لكنها لم تتمكن هذا العام من توفير أي منتج غذائي لهم بسبب سوء الموسم الزراعي.
وأضافت أنها تعمل في تصنيع المنتوجات الغذائية من مزرعتها منذ أكثر من عشر سنوات، إذ إن التصنيع أكثر جدوى من بيع الثمار في الأسواق المركزية، خصوصا أن جرش مدينة سياحية ومشهورة بمنتجاتها التي يطلبها الزوار من مختلف أنحاء العالم.
كما بينت بني ملحم أنها تحصل على المواد الأولية من مزرعتها التي تنتج اللوزيات والتفاحيات والإجاص والعنب والتين والزعتر البلدي والمشمش والخوخ والدراق، وتقوم بتصنيعها منزليا بمواد طبيعية تخلو من المواد الحافظة، لكن الموسم الحالي كان ضعيفا ولم يتوفر ما يكفي للتصنيع، مضيفة أنها كانت توفر دخلا لا يقل عن 3000 دينار سنويا تعيل به أسرتها وتغطي تكاليف مزرعتها من حراثة وتسميد وتقليم وري وأجور عمال.
ووفق مصدر في “زراعة جرش”، فإن “المحافظة تتميز بمنتجاتها من العنب، وتصنيع العنب إلى منتوجات متنوعة يلقى رواجا وتسويقا بين المجتمع المحلي وزوار المحافظة إذا كانت الكميات وفيرة. لكن بسبب التغيرات المناخية وقلة الهطول المطري تراجعت كميات الإنتاج وارتفعت الأسعار”.
وأشار إلى أن مساحة مزارع العنب في جرش لا تقل عن ثلاثة آلاف دونم، ورغم تأثرها بدرجات الحرارة العالية، إلا أن معظم الثمار المتبقية تتحمل الحرارة وتقاوم الأمراض، ولم تسجل إصابات تذكر هذا العام.
وأوضح المصدر أن ثمار العنب بدأت بالنضوج مبكرا بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما انعكس على جودة المنتج وكمياته.