إغراق الأسواق بالليمون المستورد يكبد المزارعين خسائر فادحة

الأغوار الشمالية- في مشهد مؤسف يعكس حجم المعاناة التي يتكبدونها، يضطر عدد كبير من مزارعي الحمضيات إلى اقتلاع أشجارهم والتخلي عن مهنة باتت تسبب لهم خسائر مالية فادحة.

ويواجه المزارعون أزمة اقتصادية حادة تهدد مستقبلهم بسبب ما يصفونه بـ”إغراق الأسواق” بالليمون المستورد، لافتين إلى أن إغراق الأسواق بالمستورد تسبب بتدني أسعار منتجهم، ما فاقم من الأعباء المالية المترتبة عليهم، ودفعهم إلى اتخاذ قرار اقتلاع أشجارهم والتحول لزراعة أراضيهم بمحاصيل أخرى.
ويحمل رئيس جمعية الحمضيات الأردنية عبد الرحمن الغزاوي، وزارة الزراعة، المسؤولية الكاملة عن هذه الأزمة، موضحا أن انهيار سعر الليمون المحلي الذي وصل إلى مستويات متدنية لم تتجاوز 30 قرشا للكيلوغرام الواحد، يعود بشكل مباشر إلى منح تراخيص استيراد بكميات هائلة تصل إلى 8 آلاف طن، وهو رقم يتجاوز الاتفاق المبدئي الذي كان محددا بـ3 آلاف طن فقط.
ويضيف أن رخص الاستيراد صدرت بكميات كبيرة لكل تاجر؛ حيث وصل بعضها إلى 100 طن، خلافا للحد الأقصى المعتاد وهو 25 طنا، مشيرا إلى أن الأزمة لا تقتصر على الكميات فقط، بل تمتد إلى النوعية، ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يقتصر الاستيراد على صنف “نخب أول”، تم إدخال أصناف أقل جودة “نخب ثان وثالث” بأسعار أرخص بكثير، مما أدى إلى زيادة الطلب عليها وتدمير أسعار المنتج المحلي.
ويشير الغزاوي إلى أنه تم الاتفاق مع وزارة الزراعة على ألا يكون هناك أي حبة ليمون مستوردة بعد تاريخ 15 آب (أغسطس) الماضي، ولكن الآن يوجد أكثر من مليوني كيلوغرام ليمون أفريقي في “البوندد”، وإذا ما أدخلت للأسواق المحلية فستحل كارثة بمزارعي الليمون، مؤكدا أن السماح باستيراد الليمون بكميات كبيرة لم يصب سوى في مصلحة كبار التجار، أما المزارع فقد تلقى ضربة موجعة تجلت بوضوح في تدهور أسعار الليمون المحلي حتى قبل بدء موسمه.
ويوضح أنه توجد ممارسات تجارية غير مقبولة، كاحتكار الليمون المستورد من قبل بعض التجار، واستغلال حاجة السوق لليمون الأصفر، وبيع الليمون الأردني بعد “تخميره” على أنه مستورد وبأسعار باهظة، في عملية تضليل واضحة للمستهلك الأردني.
ويشدد على ضرورة قيام وزارة الزراعة بالتدخل الفوري والعمل على إعادة تصدير الكميات الزائدة من الليمون المستورد، التي تقدر بمليوني كيلوغرام ما تزال مخزنة، أو على الأقل تعويض المزارعين عن الخسائر التي تكبدوها، مؤكدا أن استمرار هذه السياسات يهدد الأمن الغذائي للمملكة ومستقبل آلاف الأسر التي تعتمد على الزراعة كمصدر وحيد للدخل.
وفيما يعزو مزارعون انخفاض أسعار الحمضيات في هذه الفترة إلى زيادة حجم المعروض في الأسواق لنضوج الثمار وتداخل المواسم الزراعية في المملكة مع الموسم الزراعي في الغور الشمالي، يرجع آخرون انخفاض الأسعار إلى سماح وزارة الزراعة باستيراد الحمضيات من الدول الأخرى رغم وجود فائض إنتاج في المملكة، مما سبب خسائر مالية لهم فاقت قدرتهم المالية والاقتصادية.
ويرى المزارعون أن هذه الأزمة ليست مجرد مسألة عابرة، بل هي قصة إهمال حكومي يهدد مستقبل قطاع زراعي حيوي، مشيرين إلى أنهم ينتظرون عاما كاملا على أمل أن يحصلوا على ثمن جيد يغطي التكاليف الباهظة، ليفاجأوا بأسعار متدنية لا تغطي الكلف، ما تسبب بمأساة حقيقية لهم ولأسرهم.
يقول المزارع علي خالد “بعت صندوق الليمون (10 كغ) بسعر دينارين فقط في السوق المركزي، وهو ثمن لا يغطي حتى تكاليف الإنتاج الأساسية من أجور العمال وأسعار المياه والأسمدة”، مضيفا أن الأسعار الحالية راكمت عليهم ديونا طائلة، ما وضعهم في مواجهة الدائنين.
ويوضح أن المزارع الأردني يعاني من العديد من المشاكل الزراعية، أهمها مشاكل التسويق وارتفاع الكلفة الإنتاجية، ناهيك عن تراكم الذمم المالية عليهم، إذ إن آلاف المزارعين باتوا ملاحقين قانونيا بسبب هذه الديون، مطالبا الوزارة بإيجاد حل عاجل للمشكلة.
ويشاركه الرأي المزارع صبري علي، قائلا “إن مهنة الزراعة أصبحت مصدر خسائر مستمرة، خاصة في ظل عدم وجود خطط حكومية واضحة لتسويق المنتجات المحلية وتصديرها إلى الخارج”، مشيرا إلى أن عدم اكتراث الجهات المعنية في إيجاد أسواق تصديرية لإنتاجهم من الحمضيات سيؤدي إلى إفراغ آلاف الدونمات من محاصيل الحمضيات التي تشكل حوالي 90 % من مجمل العمل الزراعي في لواء الغور الشمالي.
أما المزارع صابر أبو صهيون، فيحذر من سياسة “إغراق السوق”، مؤكدا أنها ستحدث فجوة اجتماعية في اللواء، وقد تؤدي إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة في المنطقة إذا ما استمرت لفترة أطول.
وقد عاني القطاع الزراعي الأردني، مراراً، من ظاهرة إغراق الأسواق بالمنتوجات المستوردة، فقد شكا مزارعو الموز، أكثر من مرة، من إغراق السوق بموز مستورد بيع بأسعار منخفضة للغاية، ما تسبب بخسائر كبيرة للمزارعين.
كما شهدت السنوات الماضية حالات مشابهة لإغراق السوق بالخضراوات والفواكه المستوردة التي تسببت بتدهور أسعار المنتجات المحلية، مما دفع المزارعين إلى التخلي عن محاصيلهم أو بيعها بأسعار لا تغطي حتى تكاليف الإنتاج.
من جانبه، يبين مصدر في وزارة الزراعة أنه في ضوء ما يتم تداوله من معلومات مغلوطة حول آلية منح رخص استيراد الليمون، فإن الوزارة تلتزم الحياد الكامل وتقف على مسافة واحدة من جميع المتقدمين، وتمنح الرخص وفق معايير شفافة تحقق العدالة وتراعي المصلحة العامة، موضحا أنه تم منح رخص استيراد لـ110 تجار ممن تنطبق عليهم شروط الاستيراد، بحصص متساوية تبلغ 25 طناً لكل تاجر، من دون تمييز.
وفيما يتعلق بما أثير حول منح رخصة استيراد مضاعفة لشركة واحدة، فإن الشركة الوحيدة التي تم منحها رخص استيراد بكميات أكبر هي الشركة الأردنية الفلسطينية لتسويق المنتجات الزراعية، وهي مملوكة مناصفة للحكومتين الأردنية والفلسطينية، وتعمل على خدمة القطاع الزراعي في البلدين الشقيقين، وهي شركة غير ربحية.
يذكر أن المنطقة الزراعية في وادي الأردن تصل مساحتها إلى 330 ألف دونم قابلة للزراعة، مستغل منها فعليا 270 ألف دونم فقط، موزعة على النحو الآتي: الشونة الجنوبية 110 آلاف دونم قابلة للزراعة، المستغل منها 83 ألف دونم بما فيها المساحة المستغلة لزراعة الموز، دير علا 85 ألف دونم قابلة للزراعة تم زراعة 83 ألف دونم وتعد أعلى نسبة، الشونة الشمالية 135 ألف دونم.

علا عبد اللطيف/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة