“اتحاد كتاب المشرق العربي” هل يساهم في وحدة المثقفين أم يعمق الشرخ؟

آثار إعلان تأسيس “اتحاد كتاب المشرق العربي”، جدلا واسعا بين المثقفين والكتاب في الأردن بعد الإعلان عنه، حيث اعتبر البعض أنه انقسام وتمرد على الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، بينما يرى البعض أن هذا الاتحاد يشكل قوة في اتخاذ المواقف التي تحتاج إلى تضامن وتكاتف.

تم الإعلان من قبل خمسة اتحادات عن تأسيس اتحاد كتاب جديد بعنوان “اتحاد كتاب المشرق العربي”، والاتحادات هي “رابطة الكتاب الكتاب الأردنيين، أكرم الزعبي، اتحاد الكتاب العرب في سورية، محمد الحوارني، الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، علي الفواز، الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين مراد السوادني، اتحاد الكتاب اللبنانيين، أحمد نزال”.

وأشارت هذه الاتحادات في إعلانها لتأسيس “أن هذا الاتحاد هو جزء لا يتجزأ من الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ويعد أعضاء هذه الاتحادات والروابط الشريكة أعضاء في هذا الاتحاد حكما، العمل المشترك لتوطيد ثقافة الانتماء وتحصين الهوية الثقافية الوطنية الجامعة، وتمكينها من القيام بواجبها الأخلاقي والمعرفي بعيدا عن التجاذبات السياسية، والعمل على ترسيخ المشركات التاريخية والثقافية والحضارية والحافظ على التراث المادي واللامادي كونه جزءا أساسيا من مكوناتها الحضارية”.
وقالت الاتحادات إن الهدف هو “تعميق ثقافة المقاومة ومعانيها ومناهضة التطبيع بأشكاله كلها، وترسيخ حضور القضية الفلسطينية في الثقافة الأداب والفنون، والتنسيق مع الدول الصديقة لمواجهة الاحتلال، وفضح ممارساته بحق الشعب الفلسطيني، ودعوة أعضاء الاتحاد وذي الاختصاص لكتابة تاريخ فلسطين وتوثيقه باعتماد علوم الآثار والتاريخ، من خلال الأدلة التي تؤكد الحق والحقيقة الفلسطينية في مواجهة رواية النقيض الاحتلالي وزيوفة وفبركاته، والتنسيق مع المؤسسات الاكاديمية والبحثية في هذا المجال، وتجذير ثقافة المقاومة وترسيخها (مقاومة المحتل الصهيوني ومقاومة الإرهاب)، في الآداب والفنون، من خلال عمل الاتحادات الشريكة وفعالياتها من (ندوات ومتابعات ومؤتمرات).
وأكدت الاتحادات في بيان التأسيس على “استعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفسطيني، وحقه في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة على كامل ترابه، من خلال تعزيز حضورها في وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج التربوية والتعليمية والإعلامية والثقافية (الدراما، السينما، التشكيل)، إلى جانب التنسيق مع المؤسسات الثقافية والدولية ذات الرؤى المشتركة لتشكيل جبهة ثقافية في مواجهة المشاريع الاستعمارية، واحتضان المواهب الأدبية الشبابية في الاتحادات والروابط الشريكة، وتأمين حضورها ومشاركتها في الفعاليات الثقافية المتنوعة، والدفاع عن حريات الشعوب وحقوقها المدنية والديمقراطية وتكريس قيم الانتماء والمواطنة”.
وصرح كتاب ومثقفون لـ”الغد”، حول آرائهم في تأسيس هذا الاتحاد، حيث قال الشاعر والناقد الدكتور حكمت النوايسة “أنا ضد أي تجزئة للاتحاد العام لكتاب العرب”، وليس هناك أي داع لأن نعمل اتحادا خاصا لدول المشرق، فرابطة الكتاب الأردنيين ذات تاريخ عريق ومعروف، وبما أن هناك اتحادا قائما ونحن أعضاء في هذا الاتحاد، وأعضاء مؤثرون، فلا داعي لوجود الاتحادات أخرى، مضيفا النوايسة “نحن نعرف أننا أعضاء في الاتحاد العام للكتاب العرب ونقطة، ما مسوغ مثل هذه الحركة التجزيئية؟ ومن الذي خول الهيئة الإدارية باتخاذ هذا القرار؟”.
ورد النوايسة على هذا البيان بالقول إن رابطة الكتاب الأردنيين كانت وما زالت رابطة مستقلة وغير تابعة لأي جهة سياسية، ولها مواقفها الثابة والمعرفون للجميع، ولديها مواقف واضحة وغير منحازة لأي طرف سياسي، لذلك أنا لست مع تأسيس مثل هذه الاتحادات، حتى لو كان هناك تجمعات لاتحادات عربية نحن غير معنيين بها.
المؤرخ والكاتب الدكتور عبدالله العساف رأى أنه بعد العدوان الإسرائيلي على غزة وارتكاب المجازر والإبادات الجماعية على الشعب الفلسطيني ينتظر من النخب السياسية والثقافية والاجتماعية والأكاديمية أن تؤسس لمرحلة جديدة من العمل الجماعي الوحدوي ويصبح صوتها أقوى وأكثر تأثيرا في المجتمع وعلى المنابر العالمية المختلفة، مبينا أن فكرة مثل هذا الاتحاد (اتحاد كتاب المشرق العربي) نتأمل أن تصب في تلك الجهود المذكورة ويعطي زخما إلى حضور صوت الكتاب والمثقفين والمبدعين في العالم العربي والإسلامي وعلى المستوى الإنساني.
نائب رئيسة رابطة الكتاب الأردنيين القاص نبيل عبدالكريم يقول: إن فكرة هذا الاتحاد تقوم على البعد التقارب الجغرافي، فهذا الاتحاد يضم دول بلاد الشام والعراق، وهذا مبرر مقنع لوجود مثل هذا النوع من الاتحادات الإقليمية وتم تسميته “اتحاد المشرق” لأن يضم دول من المشرق العرب، حيث يوجد في مقابل اتحاد آخر هو اتحاد المغرب العربي، واتحاد دول الخليج العربي، مبينا أنه مثل هذه الهيئات الثقافية الإقليمية هو أمر شائع للتقارب الجغرافي، ونظرا لوجود نوع من التجاذبات الواضح داخل الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الذي تترأسه مصر، هناك تجاذبات في الداخل تتعلق في انتخاب الأمانة عامة  للاتحاد والرئاسة الجديدة.
وهذه التجاذبات كما رآه عبدالكريم هي نوع من أنواع الضغوط التي تمارس من أجل اختيار جهة معينة، مما استدعى هذه الدول لتشكيل هذا الاتحاد من باب التنسيق في المواقف المشتركة والموحدة بينها، ويكون لها ثقل في التعبير عن قضايا الكتاب العرب من خلال موقف موحد بدل أن يكون موقفا فرديا.
ورأى عبدالكريم أن هذا الاتحاد سيكون له ثقل وتأثير في اختيار الرئيس الجديد للاتحاد العام لكتاب والأدباء العرب في تشكيل القيادة الجديد هذا العام بدل أن يكون تأثير كل دولة منفردا وضعيفا، فوجود هذا الاتحاد يجعل الموقف أقوى لأنه يضمن خمس دول مجتمعة، فالموضوع يدخل في هذا الإطار بالإضافة إلى التقارب الجغرافي والثقافي والاجتماعي والتاريخي بين الدول الاعضاء في هذا الاتحاد، وهذا يجعل المستقبل هذا الاتحاد مفيد لهذه الدول نظرا لما بينها من تقارب، ومن المتوقع أن ينشط الاتحاد وأن يكون تشكيله لمصلحة الدول الأعضاء فيه، بعيديون عن كل التشكيكات والتخوفات بأن هذا الاتحاد يشكل نوعا من الانقسامات، للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، وهو ليست  كذلك. لأن الاتحاد المشرق العربي ينص في بيانه التأسيسي على أنه جزء من الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب.
فيما رأى الشاعر يوسف عبد العزيز أشار إلى البيان الذي صدر عن رابطة الكتاب الأردنيين الذي وأضحت فيه، أن الهدف المرجو من وراء إنشاء هذا الاتحاد الجديد، هو تجذير ثقافة المقاومة، في وجدان الجماهير العربية، ومناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني، والحلول التصفوية للقضية الفلسطينية. هذا بالإضافة إلى الدفاع عن حريات الشعوب العربية، وحقوقها المدنية والديمقراطية. وفي “تصوري فإن هذه الأهداف المعلنة هي أهداف نبيلة، وتقع في صُلب عمل المثقفين العرب وهذا لا يتعارض مع عمل الاتحاد العام للأدباء والكُتاب العرب الذي يضم في عضويته الاتحادات والروابط الثقافية العربية جميعها”.
ودعا عبدالعزيز إلى وجود آليات عمل تتلخص بالنواحي عديده منها: “إنشاء مؤسسة ثقافية عربية، تضم في عضويتها عددا من الباحثين في شؤون التاريخ القديم لفلسطين والبلاد العربية المحيطة بها، من أجل تقديم الرواية العربية للصراع، تكون قادرة على نقض الرواية الصهيونية الزائفة، وإنشاء دار نشر عربية متخصصة، تتولى نشر وتوزيع الأعمال التي تنتجها المؤسسة السابقة في العالم العربي. تقوم بترجمة هذه الأعمال إلى اللغات الحية، وتوزيعها في دول العالم. إنشاء موقع إلكتروني ثقافي عربي خاص بالترجمة، تتلخص مهمته في بث عدد هائل من المواد الثقافية والتاريخية العربية، التي تتحدث عن فلسطين، إلى مواقع ثقافية عالمية، بالإضافة إلى مواقع حكومات وبرلمانات العالم، وكذلك إلى المنتديات والصحف والمجلات المعروفة في كثير من البلدان.
وفورا الإعلان عن هذا الاتحاد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بين من هو رافض ومن هو مؤيد لها، حيث كتب الكاتب والمحامي وعضو رابطة الكتاب الاردنيين وضاح محادين على صفحته يقول “أعلن أنا وضاح محادين (عضو رابطة الكتاب الأردنيين)، بأني ضد هذا الكيان الانفصالي (اتحاد كتاب المشرق العربي)، وأنا مع الصيغة الجامعة للهيئات الثقافية العربية (الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب)”، مشيرا إلى أن مثل هذه الخطوة كانت بحاجة إلى عرضها على  الهيئة العامة للرابطة من خلال المؤتمر العام للرابطة وخاصة وأن موعد الجلسة القادمة قريبة جدا، وهذا اقل درجة من احترام الهيئة العامة وتاريخ رابطة الكتاب الأردنيين وتاريخها النضالي… ونظامها الداخلي”.
فيما عبر الشاعر والكاتب جميل أبو صبيح، عن رفضه المطلق لإقامة اتحاد كتاب “المشرق العربي” بمعزل عن اتحاد الكتاب والأدباء العرب، لأن وحدة الثقافة العربية قلعتنا الأخيرة؛ ولأن الوطن العربي شعب عربي واحد، وأتبنى “شعبا عربيا واحدا لا شعبين من مراكش للبحرين”، وأرفض التقسيم بين شرق الوطن العربي وغربة.

 عزيزة علي/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة