استكمال ترميمها متوقف منذ سنوات طويلة.. هل يطوي النسيان قلعة تبنة الأثرية؟

إربد- طالب سكان بلدة تبنة في لواء الكورة، دائرة الآثار العامة، بإعادة أعمال الترميم في قلعة تبنة الأثرية (علالي قصر الشريدة) المتوقفة منذ عشرات السنوات؛ حيث كانت الدائرة قامت قبل أكثر من 12 عاما بترميم أجزاء من القلعة شملت عمليات تنظيفها من أكوام الحجارة والتراب، على أن تستمر أعمال الترميم والصيانة تباعا من دون توقف وإعادة المبنى إلى سابق عهده.

وقلعة تبنة التي شيدت في العام 1857 على مساحة 885 مترا مربعا، سجلت لحساب دائرة الآثار العامة في العام 1998 من قبل أصحابها، بهدف ترميمها وإعادة نبضها وألقها الأثري.
وأكد المواطن محمد بني يونس أن مواصلة أعمال الترميم للبناء العالي سوف تحقق الغاية المرجوة منه، والمتعلقة بالمحافظة على المباني التراثية وإبعاد الخطر من سقوطها وإحياء صرح تراثي فريد من نوعه على مستوى المملكة وإربد.
وأضاف بني يونس، أن قلعة تبنة مبنية بطراز معماري جمع بين فن العمارة الأموي والعباسي على يد بنائين فلسطينيين جلبوا حجارتها الحمراء المائلة للرمادية والبيضاء معهم.
وتصنف القلعة، حسب وصفها الإنشائي، على أنها قلعة حصينة مؤلفة من طابقين، السفلي الرواق (المضافة) والعلوي الصالون (غرف النوم)، وإلى جوارها مسجد صغير، ويستطيع الناظر منها رؤية قلاع وسهول فلسطين.
وبحسب الباحث الدكتور أحمد الشريدة، فإن مشروع ترميم القلعة من قبل دائرة الآثار العامة ما يزال متوقفا منذ سنوات، رغم أن القلعة تعد من أجمل المواقع في المنطقة ويرتادها مئات الزوار للاستمتاع بالطراز المعماري الفريد من نوعه.
وأشار إلى أن مجلس المحافظة لم يرصد، خلال السنوات الماضية، أي مبالغ مالية من أجل استكمال أعمال الترميم بالموقع، مما أصبح عرضة لتساقط حجارته بفعل عوامل طبيعية وأخرى وأعمال عبث للبحث عن دفائن بداخله، خصوصا أنه لا يوجد حراسة أو أبواب لإقفاله.
“ليس هناك أي اهتمام”
وبين الشريدة أن المنطقة تتمتع بالعديد من المواقع الأثرية والسياحية، لكن لا يوجد أي اهتمام أو ترويج لها من قبل الجهات المعنية، مما يتطلب منها إدراج تلك المواقع ضمن المسارات السياحية بعد أن يتم ترميمها، الأمر الذي سيرفد موازنة الدولة بمبالغ مالية.
ولفت إلى أن قصر العلالي بناه الشيخ يوسف بن شريدة بن رباع، وهو أحد الأبنية التراثية الموجودة في شمال الأردن، حيث طلب من أحد المعماريين الذين حضروا من منطقة طبريا تصميم البناء المكون من طابقين، وتم إحضار الحجارة له من منطقة عيون الحمام، وهو من الحجر الرملي الكلسي، ويضم المبنى الذي تقدر مساحته بـ10 دونمات القلعة الزيدانية حتى العلالي وصولا إلى المسجد الزيداني. وكانت القلعة من أعلى المناطق وتشرف على شمال فلسطين وجنوب لبنان وهضبة الجولان السورية.
وقال الشريدة إنه لم يكن هناك أي أبنية في ذلك الوقت وكانت الأبنية محدودة جدا، وبعهد ابن الشيخ يوسف الشريدة تم بناء الطابق الثاني، الذي تعرض بفعل العوامل الجوية والهزات الأرضية لفقدان بعض معالمه الإنشائية.
وأكد أن علالي قصر الشيخ يوسف الشريدة كان مكانا مميزا عن بقية بيوت المنطقة، حيث يشكل نمطا معماريا نادرا في ذلك الوقت، واستمر البناء لمدة عام كامل، وكان مماثلا لقصور الشيوخ والوجهاء في فلسطين ولبنان.
من جهته، قال رئيس جمعية السنابل الخيرية الدكتور فادي مقدادي، إن قلعة تبنة أو “العلالي”، كما نسميها، تعاني من مرارة الإهمال، حيث إنها شاهدة على قرون من التاريخ وأحداث شكلت ملامح المنطقة منذ العصور المملوكية والعثمانية.
وأشار إلى أن إنشاءها يعود إلى العصر المملوكي في القرن الرابع عشر الميلادي، وشيدت كحصن عسكري لحماية طرق القوافل والتجارة المارة عبر شمال الأردن ولتأمين خطوط الاتصال بين دمشق والقدس. ويعتقد أن اسم “العلالي” ارتبط بعلو موقعها، ما جعلها نقطة مراقبة رئيسية في زمنها.
وأكد مقدادي أنه، ورغم هذا الإرث العريق، فإن القلعة تعيش اليوم واقعا منسيا مؤلما، فالإهمال طال جدرانها التي تتصدع بفعل عوامل الزمن كل عام، والممرات التي تكسوها الأعشاب والأشواك، وانعدام الصيانة الدورية، وعدم وجود لوحات تعريفية ترشد الزائر، ولا مرافق سياحية تحفظ الحد الأدنى من الراحة والأمان، ولا دعاية أو ترويج يعرف حتى أبناء المنطقة بأهميتها التاريخية، ما جعل الموقع شبه غائب عن خريطة السياحة الوطنية، رغم احتلالها موقعا إستراتيجيا يمكن أن يجذب آلاف الزوار.
“ذاكرة وهوية تاريخية”
وبين أن القلعة هي ذاكرة وهوية تاريخية، وأن الاستثمار فيها وإحياءها يمكن أن يحولها إلى مركز إشعاع ثقافي وسياحي، ما يولد فرص عمل لشبابنا المعطلين عن العمل.
وأشار إلى أن التطلعات تتجاوز حدود الترميم إلى إعادة دمج القلعة في الحياة المعاصرة (تنظيم مهرجانات تراثية، إقامة معارض حرفية في ساحاتها، إنشاء مركز للزوار يروي تاريخها ويعرض منتجات المنطقة، وربطها بمسارات السياحة البيئية مع القرى الجبلية المجاورة).
وأكد مقدادي أن إعادة تأهيل العلالي مطلب شعبي، حيث نستخلص منه الحديث عن فرص عمل حقيقية وتسويق المنتجات الشعبية والأكلات الريفية من خلال وضع خطط ملموسة لتطوير العديد من المواقع الأثرية والتاريخية في لواء الكورة.
كما أشار إلى أن منطقة تبنة التي تحتضن القلعة هي أكبر منطقة تحوي أشجار الزيتون “المهراس” أو ما يسمى الزيتون الرومي الذي يعمر آلاف السنين، وما تزال المنطقة تحوي معاصر زيتون قديمة على النظام البارد، مما يولد فرصا حقيقية لعرض المنتجات والصناعات الشعبية في ساحات القلعة إذا وجدت العناية والاهتمام.
بدوره، قال عضو مجلس محافظة إربد السابق الدكتور أحمد مقدادي، إن المجلس يخصص بشكل سنوي مبالغ مالية لقطاع السياحة والآثار في لواء الكورة، لكن المجلس اضطر خلال السنوات الماضية إلى تقليص المبلغ نظرا لعدم وجود أي نشاط أو أعمال ترميم للمواقع الأثرية.
وأشار إلى أن المبالغ التي يتم تخصيصها لبعض القطاعات يتم عمل مناقلات لها إلى قطاعات أخرى بحيث لا يتم إعادتها إلى خزينة الدولة، وأخرى ينتهي العام ويتم إرجاعها لخزينة الدولة، وبالتالي، فإن مئات المواقع الأثرية والسياحية في لواء الكورة بحاجة إلى مبالغ مالية كبيرة من أجل ترميمها وإقامة مشاريع تخدم المنتج السياحي.
وكانت القلعة التي تضم حجرات متعددة الأغراض وأدراجا تستخدم للتحصينات العسكرية جراء بنائها المرتفع، يرفع الأذان من على سقف المسجد الزيداني. كما أن استخداماته لم تقتصر حينذاك على الصلاة، بل كان يستخدم للتعليم، ويتسع المسجد لنحو 100 مصل، وله قبة وأقواس داخلية ودرج لصعود المؤذن إلى السطح لرفع الأذان، ومحراب، جميعها مبنية من الحجارة والطين، ويضم كذلك بئرا لجمع مياه المطر التي كانت تستخدم لوضوء المصلين. وحين انهارت الدولة الزيدانية، قام يوسف كليب الشريدة العام 1857 باتخاذ تبنة مركزا لزعامته وبنى فيها قصرا يعرف حاليا بعلالي كليب، وما تزال معالمه باقية.
ووفق مصدر في دائرة الآثار العامة، فإن الدائرة نفذت مشروعين للترميم، وتم بناء سياج حديدي قبل سنوات عدة ولكنه تعرض للتخريب، مؤكدا أن الدائرة تولي المواقع الأثرية جل اهتمامها في سبيل تطويرها والنهوض بالواقع الأثري.
وأوضح أن مجلس المحافظة لم يرصد أي مبالغ مالية العام الحالي من أجل تنفيذ مشاريع وأعمال ترميم في اللواء، مشيرا إلى أن الدائرة ستخاطب المجلس التنفيذي في المحافظة من أجل رصد المخصصات المالية للقيام بأعمال ترميم للمواقع الأثرية في اللواء.

أحمد التميمي/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة