الأشجار المعمرة في العقبة.. من قيمة بيئية وجمالية إلى تهديد للسلامة العامة

العقبة – لم تكن حادثة سقوط شجرة معمرة ضخمة في شارع البيتزا وسط العقبة، على ثلاث مركبات كانت متوقفة، الأولى من نوعها، بل سبقتها حوادث مشابهة في مناطق أخرى من المدينة، ما جعل السكان يشعرون أن خطر سقوط الأشجار لم يعد احتمالا بعيدا، بل واقع يهدد يومياتهم.
ويؤكد مواطنون وزوار أن الأشجار المعمرة الموجودة في منطقة الحفاير والشاطئ الأوسط والمناطق العامة تعاني من خطر السقوط في أي لحظة نتيجة قدمها، وهي قريبة جدا من الشاطئ، مستذكرين، في الوقت ذاته، وفاة شخص وإصابة ثلاثة آخرين العام 2016 إثر سقوط شجرة نخيل معمرة في الشاطئ الأوسط بمنطقة الحفاير.
وفي مشهد يعكس مزيجا من الحنين والخوف، وكيفية تحول الرمز البيئي إلى مصدر قلق يومي، وقف المواطن أبو محمد (70 عاماً) يتأمل مكان سقوط الشجرة قبل أيام، مؤكدا “أن هذه الأشجار كانت تظللنا منذ الطفولة، لكنني الآن أخشى أن تنهار على بيتنا أو على المارة”، مضيفا “في الأسبوع الماضي، سقطت شجرة على سيارة جارنا، والحمد لله لم يكن أحد بداخلها”.
أما المواطن محمد العوابدة، فيقول “كنت داخل المحل عندما سمعت صوت ارتطام قوي، خرجت لأجد شجرة ضخمة سقطت على الرصيف المقابل الذي تصطف فيه 3 سيارات. لو كان أحد هناك، لوقعت كارثة”.
وأضاف العوابدة “الأشجار مصدر أمان ورسم بصري جميل في العقبة، لا سيما في شارع السعادة الذي يكتظ على مدار الساعة بالمواطنين والزوار والسياح، لكننا نريد صيانتها”، مبينا “أن الخطر لا يقتصر على شارع السعادة، وإنما على جميع مناطق الشاطئ والأماكن العامة والقلب التجاري للمدينة السياحية”.
شاهد عيان يروي التفاصيل
وقال المواطن أحمد الصرايرة، وهو أحد شهود العيان، إنه كان في السيارة، وفجأة شاهد الشجرة تسقط ببطء على سيارات كانت مصطفة ورأى مواطنين يتراكضون، في مشهد يشي بالذعر والهلع، وعندما ترجل من سيارته، أدرك أن الأضرار مادية فقط، لكن لولا أن المركبات كانت فارغة، لحدث ما لا تحمد عقباه.
ولا يطالب المواطنون بإزالة الأشجار، بل برعايتها وحمايتها بما يضمن سلامة السكان ويحافظ على الطابع البيئي للمدينة، وسط دعوات تتزايد بعد سقوط عدد من الأشجار، لإجراء مسح شامل للأشجار المعمرة، وتشكيل لجنة بيئية مستقلة، وتفعيل دور المجتمع المحلي في الإبلاغ عن الأشجار المهددة بالسقوط.
كما يطالب البعض بإدراج ملف الأشجار ضمن خطط السلامة المدنية، وتوفير خط ساخن للطوارئ البيئية، وتحديث البنية التحتية لتشمل تقنيات مراقبة الأشجار وتحليل حالتها الصحية.
ووفق الخبير المهندس الزراعي محمد الشعيبات، فإن الأسباب المحتملة لسقوط الأشجار تشمل شيخوخة الجذور وغياب الرعاية الدورية، بالإضافة إلى التغيرات المناخية المفاجئة التي تؤثر على استقرار الأشجار، مؤكدا أن بعض الأشجار تجاوز عمرها 30-40 عاما، ما يجعل جذورها ضعيفة وغير قادرة على مقاومة الرياح أو الأمطار، وحتى درجات الحرارة المرتفعة.
ومن وجهة نظر المهندس الزراعي مشهور الشلول، فإن ربط سقوط الأشجار بالشيخوخة فقط يعد تبسيطا مفرطا للمشكلة، مؤكدا أن الجذور قد تكون قوية نسبيا حتى بعد مرور 40 عاما، خصوصا إذا تم الاعتناء بها بشكل دوري.
وأشار، كذلك، إلى أن بعض أنواع الأشجار تُظهر تكيفا بيئيا عاليا، ما يمكنها من مقاومة التغيرات المناخية المفاجئة، بما فيها الرياح والأمطار ودرجات الحرارة المرتفعة.
ويرى الشلول أن السبب الجوهري لسقوط الأشجار في المدن يعود غالبا إلى تدخلات بشرية خاطئة، كالحفر القريب من جذورها، أو بناء الأرصفة بطريقة تعوق تنفس التربة، أو حتى عمليات التقليم العشوائية التي تضعف التوازن الحيوي للشجرة، بالإضافة إلى غياب التخطيط البيئي المتكامل في المدن، الذي يعد من العوامل المؤثرة أكثر من عمر الأشجار بحد ذاته.
عنصر جذب سياحي
حول ذلك، يقول الخبير العمراني محمد شعث، إنه وفي ظل رؤية العقبة كوجهة سياحية واقتصادية، فإن الحفاظ على السلامة العامة يعد جزءا من تعزيز ثقة الزوار والمستثمرين، والأشجار المعمرة يمكن أن تكون عنصر جذب سياحي إذا تم إدارتها بشكل صحيح، من خلال لوحات تعريفية ومسارات آمنة وبرامج توعية بيئية، لكن إذا تركت من دون صيانة، فإنها تتحول من رمز للجمال إلى مصدر خطر يهدد الأرواح والممتلكات.
وكان شارع السعادة، بداية الأسبوع الحالي، قد أغلق لبعض الوقت بعد ورود بلاغ بسقوط شجرة معمرة على الشارع العام في العقبة، حيث تعاملت فرق سلطة منطقة العقبة، بالتعاون مع فرق الأمن العام، مع الحادثة بشكل فوري، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإزالة الزوائد كافة لضمان سلامة المواطنين والحركة المرورية، بإشراف ومتابعة رئيس مجلس المفوضين شادي رمزي المجالي، ومفوض شؤون البنية التحتية والحضرية الدكتور المعتصم الهنداوي، ومفوض البيئة والسلامة العامة الدكتور نضال العوران.
ولم تسجل أي إصابات بشرية، وإنما فقط أضرار مادية، حيث تضررت 3 مركبات وتم تحويلها للجهات المختصة لكشف الأضرار عليها، فيما تم إعادة فتح الشارع واستمرار الحركة المرورية بشكل اعتيادي.
من جهتها، أعدت سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة حملة على المناطق كافة التي تتواجد فيها الأشجار، لا سيما المعمرة، من أجل الكشف عليها وإزالة الأشجار التي تشكل خطرا.
وردا على استفسارات “الغد”، قالت سلطة العقبة إنها اتخذت قرارا بإزالة جميع الأشجار الآيلة للسقوط، التي من الممكن أن تشكل خطرا على السلامة العامة، مؤكدة في الوقت ذاته، أنها لن تزيل أي شجرة سليمة وذات منظر جمالي.
ودعت المواطنين للإبلاغ عن أي شجرة وضعها غير طبيعي للكشف عليها واتخاذ القرار المناسب من قبل الفرق الزراعية المختصة، لا سيما قبل دخول فصل الشتاء، خوفا من سقوط أي شجرة، مؤكدة أنها تولي الغطاء النباتي أهمية قصوى وعناية فائقة، لا سيما بعد إطلاق الخطة الإستراتيجية لها.