الاحتجاجات والإضرابات بشوارع الاحتلال.. هل تستطيع وقف الحرب في غزة؟

تبدو المظاهرات التي تعم شوارع دولة الاحتلال والتي ترافقها أحيانا إضرابات العمال وحتى الإدانات الدولية للوهلة الأولى أدوات ضغط قوية على الكيان الصهيوني.
ومع ذلك، يبقى تأثير كل ذلك محدودا، في سياق الحرب على غزة، بحسب محللين أكدوا لـ”الغد”، إن الحكومة الإسرائيلية خصوصا التيار اليميني المتطرف المسيطر على الحكم، تواصل تبني القوة العسكرية كوسيلة لتحقيق أهدافها، معتبرة أن فرض الهيمنة هو السبيل الوحيد لضمان توسعها الإقليمي وإخضاع الفلسطينيين.
وعلى الرغم من الأهمية الرمزية للتحركات الشعبية والدولية لدى الكيان، إلا أن الواقع السياسي والعسكري داخل دولة الاحتلال شديد التعقيد، بخاصة وأن هناك انقسامات محتملة بالجيش وصراعات حزبية وحتى تدخلات من السلطة القضائية بالإضافة إلى ضغوط خارجية.
كل هذه العوامل قد تؤثر على مسار الأحداث، لكنها ليست كفيلة لوحدها بإنهاء الحرب.
وأكد محللون أن نجاح أي ضغط -سواء داخلي أو خارجي- يتوقف فعلا على قدرة الأطراف على تنسيق الجهود الدولية وحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وقد تشكل هذه الخطوات بداية حقيقية نحو تخفيف التصعيد، لكن دونها، تظل الاحتمالات محدودة للغاية.
إضعاف لصورة الاحتلال
من جهته قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د.خالد شنيكات، إن الاحتجاجات والإضرابات العامة، بالإضافة إلى الإدانات الدولية، تعد من القضايا المهمة التي تضعف صورة دولة الاحتلال على المستوى العالمي وتحد من نفوذها، وتؤثر كذلك على الحركة الصهيونية ككل.
لكنه أكد أن هذه الإجراءات، على الرغم من أهميتها، لا يمكن أن تكون حاسمة بوقف الحرب إلا إذا تحول الوضع إلى صراع داخلي داخل الكيان الصهيوني نفسه.
وأضاف شنيكات أن تحقق ذلك لا يعتبر أمرا ضروريا أو مضمونا، بل يعتمد على مجموعة من المعطيات مثل حدوث انقسام داخل الجيش الإسرائيلي، أو انقسامات في القضاء أو صراعات بين الأحزاب الدينية والعلمانية.
وأوضح أن الإدانات الدولية، مهما كانت قوية وشاملة، غير قادرة على وقف الحرب لأن القرار النهائي بشأن وقفها يعود لدولة الاحتلال نفسها، حيث تتركز السلطة في يد اليمين المتطرف.
ولفت إلى أن “هذا التيار السياسي مستعد للتضحية بكل شيء من أجل تحقيق رؤاه الدينية، التي تعتبر التوسع في المنطقة فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها وليس فقط وسيلة لمواجهة التهديدات القادمة من غزة أو جنوب لبنان أو سورية أو حتى الأردن”.
وقال شنيكات “بالنسبة لهم، المسألة تتعلق بتمديد “مملكة إسرائيل” إلى مساحات أكبر من المنطقة، ورؤيتهم تنطلق من اعتبار هذا التوسع ضرورة تاريخية وسياسية يجب تحقيقها بقوة الحديد والنار”.
وأشار إلى أن هذه السياسة تهدف إلى خلق حالة من الركوع والخوف لدى الفلسطينيين على مدى 50 عاما على الأقل، حيث يرى اليمين المتطرف أن فرض القوة العسكرية والاستخدام المكثف لها سيؤدي في النهاية إلى إخضاع الفلسطينيين وإجبارهم على الاستسلام.
وأوضح أن هذا التيار يتبنى سياسة فرض الواقع، وهي سياسة تعتمد على التوسع المستمر للدولة الإسرائيلية كلما سنحت الفرصة، دون الانحسار ضمن حدود ثابتة، فحدود دولة الاحتلال وفق رؤيتهم ليست نهائية بل قابلة للتمدد والتوسع الدائم.
وشدد شنيكات على أن هذه الرؤية لا تقتصر على الوقائع الميدانية والسياسية، بل هي أيضا أيديولوجية قائمة على قناعات دينية وتاريخية مستمدة من روايات تاريخية ليست بالضرورة دقيقة أو صحيحة لكنها تمثل الأساس الفكري الذي يوجه السياسات التوسعية للتيار اليميني المتطرف في الكيان الصهيوني اليوم، ويحدد طريقة تعاطيه مع الفلسطينيين ومع جيرانها الإقليميين.
الاحتلال يمر بحالة من الاستعصاء
بدوره، أكد الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد، إن التصعيد الشعبي الأخير في الشارع الإسرائيلي من غير المرجح أن يفضي إلى تغيير في توجهات الحكومة الإسرائيلية نحو المسار الدبلوماسي أو التوقف عن الحرب، موضحا أن الاحتلال يمر بحالة من الاستعصاء فيما يخص الحسم العسكري وغياب الآفاق الدبلوماسية.
وأشار أبو زيد إلى أن هذه الاحتجاجات، سواء في الداخل الإسرائيلي أو حتى في الشوارع الغربية، كشفت عن الغطاء الإعلامي الذي كان يعتمد عليه الاحتلال، عبر ماكينة إعلامية تروج لسردية تقوم على المظلومية ومعاداة السامية، وهو ما يمكن اعتباره إنجازا معنويا لصمود المقاومة في غزة.
ولفت إلى أن هذه الظاهرة تمثل للمرة الأولى في تاريخ الكيان الصهيوني موجة انتقادات واسعة في الشوارع الغربية، حيث اعتبرتها بعض المجتمعات الغربية اعترافا شعبيا بالدولة الفلسطينية، وهو ما دفع الخطاب الرسمي في تلك الدول إلى محاولة احتواء هذه الاحتجاجات عبر الترويج لفكرة الاعتراف الرمزي أو الإعلامي بالدولة الفلسطينية.
وعلى الرغم من الطابع الرمزي لهذه الخطوات، فإنها تضع دولة الاحتلال تحت ضغط دبلوماسي ملموس على المستوى الدولي.
وأضاف أبو زيد أن تأثير الإضراب الذي انطلق صباح أمس في الكيان، والذي شاركت فيه نقابات العمال “الهيستدروت”، من غير المتوقع أن يكون ملموسا على مستوى وقف العملية العسكرية، حيث ما تزال الموافقة النهائية عليها بيد وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس المنتظر صدورها مساء (الأحد).
واعتبر أن أثر الإضراب يظل في المقام الأول معنويا، ينعكس على الحالة النفسية العامة والوعي المجتمعي، أكثر من كونه تأثيرا عمليا على مطبخ القرار السياسي الإسرائيلي.
وفي مقال مشترك نشره أستاذ الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا الأميركية جاكوب جيه ليو ومدير معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس والمبعوث الأميركي السابق للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد في مجلة “فورين أفيرز”، طالب المسؤولان الأميركيان بضرورة إبقاء المعابر مفتوحة في غزة وعدم استخدام المساعدات كأداة ضغط مع التركيز على التنسيق بين جميع الأطراف الدولية لضمان إيصال المساعدات، وهو ضمن دعوات ضمنية لوقف الأعمال العدائية لضمان فعالية الإغاثة.