البتراء كما لم تُروَ من قبل// د. باسم القضاة

يُعدّ الأستاذ مأمون النوافلة، الباحث والخبير في علم الفلك، وأحد أبناء وادي موسى، نموذجًا فريدًا في مقاربة الإرث الحضاري لمدينة البتراء، إذ لم يتعامل معها بوصفها موقعًا أثريًا تقليديًا، بل باعتبارها رسالة حضارية متكاملة، نُحتت في الصخر، وانعكست فيها معارف الأنباط في مجالات العمارة، والبيئة، والفلك.
لقد سعى النوافلة، من خلال سنوات طويلة من البحث والدراسة، إلى إعادة قراءة البتراء برؤية علمية معاصرة، تجمع بين التأمل المعماري والدراسة الفلكية الدقيقة. وتمكن من الربط بين تفاصيل العمارة النبطية وبين حركة الأجرام السماوية، مبينًا العلاقة بين توزيع المعالم النبطية والفصول الأربعة، وبين الظلال الناتجة عن الأبنية والمسارات الشمسية، وهو ما يشير إلى فهم متقدم لدى الأنباط لمفاهيم الزمن والكون.
وقد عبّر النوافلة عن رؤيته قائلاً:
“البتراء ليست كما يراها الناس، بل كما فهمتها من خلال الرموز، وكما أراد صانعوها أن تكون.”
وفي مؤلفه الأخير المعنون “الرقيم”، قدّم الباحث خلاصة جهوده العلمية التي امتدت لسنوات، كاشفًا عن أوجه جديدة لمدينة البتراء، تسهم في إعادة تقديمها للعالم من منظور علمي حضاري متكامل، لا يقتصر على البُعد السياحي أو الأثري فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى أبعاد معرفية وإنسانية أعمق.
وبناءً على ما تم التوصل إليه من نتائج علمية رصينة، فإن من الواجب على الجهات الرسمية، وفي مقدمتها وزارة السياحة والآثار، ومختلف المؤسسات المعنية بالإرث الوطني، أن تبادر إلى دعم هذا المشروع البحثي، وتوفير السبل الكفيلة بترجمته إلى برامج ومبادرات تليق بقيمة البتراء التاريخية والمعرفية.
فالبتراء، كما وصفها مأمون النوافلة، ليست مجرد مدينة أثرية، بل هي منظومة فكرية ناطقة بلغة الكون.