البيوت التراثية في جرش.. قصص استثمار ناجحة يقابلها إهمال وإزالة

جرش- تحولت العديد من البيوت التراثية القديمة والتاريخية في قرى وبلدات مدينة جرش، إلى مكبات للنفايات ومواقع خطرة آيلة للسقوط، رغم أهميتها التاريخية والسياحية وكذلك الاستثمارية، في مقابل بيوت أخرى شهدت قصص استثمار ناجحة، حيث أقيمت فيها مطاعم سياحية وشاليهات ومتنزهات توفر مئات فرص العمل للمجتمع المحلي.

وتسبب الإهمال والعبث والبحث عن الدفائن في تدمير البنية التحتية لبيوت تراثية يزيد عمرها على مئات السنين، ويبلغ عددها عشرات في القرى والبلدات، ومنها بلدة سوف وبلدة الرياشي وبلدة النبي هود، فضلا عن وجود ما يقارب 16 منزلا داخل الوسط التجاري قرب المدينة الأثرية.
في المقابل، قام العديد من أبناء محافظة جرش باستثمار بعض هذه البيوت التراثية القديمة، إذ تحولت إلى منتجعات ومطاعم تراثية ومتنزهات ومشاريع استثمارية ناجحة وفرت المئات من فرص العمل، ومنها بيت خيرات سوف وبيت نعمة ومطعم أرام، وهي مشاريع استثمار البيوت والمواقع الأثرية القديمة وصيانتها وتجهيزها، وهي معالم سياحية بارزة في مدينة جرش وموجودة على الخريطة السياحية.
بدورها، قالت مديرة مطعم ومعرض بيت خيرات سوف سمية كريشان، وهو أحد مشاريع جمعية النور المبين الذي أقيم في أحد البيوت التراثية القديمة في بلدة سوف، إن المشروع يهدف إلى الحفاظ على القيمة التراثية والتاريخية للبيت المقام فيه، بالإضافة إلى إيجاد فرص عمل لسيدات المجتمع المحلي، ويقدم برامج تأهيلية وتوعوية وتدريبية للشباب من أجل تطوير مهاراتهم الحياتية.
وأوضحت أن البيت قسم إلى غرف عدة كبيرة الحجم، أطلقت عليها أسماء لأشجار حرجية في جرش، مثل غرفة الصنوبر وغرفة البلوط، التي تحوي إحداها عددا من الدراجات الهوائية التي تدخل ضمن مسار البيت التراثي، حيث يتم أخذ الزوار في جولة سياحية في المنطقة بحسب رغبتهم أو ضمن الخطة السياحية لهم في المحافظة، كما يتوفر في المكان ذاته بيت صغير جانبي يضم مجموعة من الطيور التي تعيش في المنطقة، وكذلك غرفة أخرى للاجتماعات أو لتنظيم الورش التدريبية، يتم الاستفادة منها كذلك خلال فصل الشتاء لاستقبال الزوار.
وأضافت كريشان أن للبيت جماليات عديدة في طبيعة المبنى، وكان في السابق كنيسة قديمة جدا بنيت منذ العام 1881، وما يزال يتمتع بعمق تراثي جميل يستقطب الزوار في كل وقت، لذا ارتأت جمعية بيت النور أن تستغل هذا المكان ليكون تراثيا من خلال المشروع الذي تستفيد منه نسبة لا بأس بها من سكان المنطقة.
وأشارت إلى أن عمل فريق بيت خيرات سوف لا يقتصر على الإنتاج الغذائي فقط لخدمات المطعم، بل إن هناك الكثير من الرؤى والخطط التي يسعون إلى تحقيقها، وتوعية المجتمع بخطورة التحطيب الجائر الذي تعاني منه الكثير من القرى الريفية، حيث يطال هذا التحطيب أشجار البلوط المعمرة، إذ تم إنتاج قهوة البلوط منها، وبذلك يسهمون في تشجيع المزارعين على عدم اقتلاع البلوط وتحويله إلى خط إنتاج للقهوة التي يتم استخدامها في بيت خيرات سوف، ونالت إعجاب الزوار لما فيها من فوائد صحية كثيرة.
هدف للباحثين عن الدفائن
وبحسب الخبير السياحي الدكتور يوسف زريقات، فإن البيوت التراثية والتاريخية القديمة منتشرة في كل القرى والبلدات وفي الوسط التجاري في جرش، لا سيما أن مدينة جرش تعد من أكبر المدن الأثرية على مستوى العالم، ومن الطبيعي أن تتوزع فيها البيوت التراثية والتاريخية القديمة.
لكن القليل من تلك البيوت، كما يؤكد زريقات، شهد استثمارات، بينما العشرات تحولت إلى مكاره صحية أو مواقع خلافات بين الملاك، وأصبحت هدفا للباحثين عن الدفائن، حتى تعرضت أجزاء منها للسقوط وتحولت من مواقع أثرية وتراثية وتاريخية إلى بيوت تشكل خطرا على المارة والمجاورين، بسبب قلة الصيانة والترميم والتأهيل.
وأوضح أن المواقع التي تم استثمارها واستغلالها فيها مشاريع ناجحة وكبيرة وتوفر المئات من فرص العمل، وهي مواقع استقطاب وجذب سياحي كبيرة ومعروفة، ووضعت نفسها على الخريطة السياحية، ومن الأولى أن تستثمر كل البيوت التراثية، كما حصل في بلدة سوف التي افتتحت فيها مشاريع سياحية كبرى أقيمت على هذه البيوت التراثية والأثرية.
وأضاف زريقات أن من أهم هذه المشاريع قصر الباشا في سوف الذي يعد من أهم وأكبر المشاريع السياحية، وهو مستملك لوزارة السياحة منذ خمسين عاما وقد تم صيانته وترميمه، أما باقي البيوت فما تزال غير مستملكة وغير مستثمرة، وهذا الإهمال يفقدها قيمتها التراثية والأثرية.
إلى ذلك، كانت بلدية جرش الكبرى، نفذت حملة لإزالة البيوت القديمة الآيلة للسقوط التي تشكل خطرا على المجاورين والمواطنين، نظرا لقدم هذه الأبنية وعدم صلاحيتها للاستخدام.
محاولات استثمار لم تر النور
ووفق مصدر مسؤول في البلدية، فإن البلدية حاولت الدخول مع أصحاب هذه البيوت التراثية والتاريخية في شراكات استثمارية لكن دون جدوى، نظرا لتعدد الورثة فيها ورفضهم للاستثمار، مما حول هذه الأبنية القديمة إلى مكاره صحية ومرتع للعابثين، وتتعرض أجزاء كبيرة منها للانهيار بين الحين والآخر، مما استدعى إزالتها.
وأكد أن هذه البيوت عمرها مئات وآلاف السنين، وكان من الممكن أن يتم استثمارها بموافقة أصحابها كونها مملوكة وبنيت بطريقة أثرية وقديمة، إلا أن أصحابها رفضوا الاستثمار وتركوها مهجورة عشرات السنين، مما عرضها للانهيار، ويشكل تواجدها خطورة كبيرة على المجتمع المحلي كونها في مواقع نشطة داخل الوسط التجاري.
وشكلت إزالة هذه البيوت التراثية حالة استياء بين المواطنين الذين طالبوا بدلا من إزالتها، بترميمها وصيانتها واستثمارها سياحيا، نظرا لقيمتها التراثية والأثرية وموقعها الذي يساعد في مشروع دمج المدينة الأثرية بالحضرية.
وداخل السوق العتيق في جرش، وهو من أقدم الأسواق التراثية والأثرية والتاريخية على مستوى المملكة، صنفت بيوته الثمانية والعشرون بأنها تراثية وتاريخية وتعود للعهد العثماني، ومنها بيوت ما تزال تستخدم، وأقلها عمرا لا يقل عن مائتي عام، وتنقسم إلى ثلاث فئات: بيوت مهجورة تعرضت للانهيار والتصدعات وتحولت إلى مكبات للنفايات وملجأ للعابثين؛ وبيوت مؤجرة؛ وبيوت ما يزال يقطنها ويعمل فيها أصحابها الأصليون الذين ورثوها عن أجدادهم.

صابرين الطعيمات/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة