التنافس على رئاسة “النواب” يبدأ مبكرا: استعادة الثقة.. أم عام آخر من الركود؟

بخلاف ما كان عليه الوضع في الدورة العادية الأولى لمجلس النواب الـ20، تشير البوادر إلى أن الدورة العادية الثانية، والتي يرجح بأن تبدأ في الثلث الأول من تشرين الأول (اكتوبر) المقبل، ستشهد تحالفات نيابية مختلفة عما كان في الدورة السابقة، وهو ما يظهر مع بدايات انعقاد تلك التحالفات.

فمجلس النواب دخل دورته السابقة، بتوازنات كانت واضحة، وأشارت الترشيحات وقتذاك لفوز رئيسه الحالي احمد الصفدي بالموقع بسهولة، واستند عندها على دعم قوي وتحالفات متعددة، أبرزها ترشيح كتلته (الميثاق) له، فضلا عن تحالف كبير من كتل أخرى، وموافقة غير معلنة من مراكز القرار.

في الدورة العادية المنصرمة، خيّم على المجلس طابع من الارتباك الرقابي، والميل للتهدئة السياسية، برغم أن نوابا حاولوا الدفع تجاه تفعيل أدوات الرقابة والتشريع، لكن ذلك لم يكن كافيا، لذا مرت الدورة اقل من عادية، ولم يستطع النواب تسجيل حضور كاف في المشهد السياسي.
ومع قرب بدء دورة جديدة، يرجح بأن يشهد المجلس نقلة نوعية في الأداء الرقابي، مدفوعا بالضغط الشعبي المتزايد بسبب الأزمة الاقتصادية، ووجود ملفات مهمة كالتحديث الإداري والضرائب والبلديات، والضمان الاجتماعي والعمل، وهي كلها ملفات ضاغطة ستدفع نوابا للسعي إلى إثبات جدية برلمانية بعد عام أول خجول، وهذا ما يجعل معركة رئاسة النواب والمكتب الدائم مختلفة، وليست ضمن السياق السابق، بل ستكون مؤشرا على طبيعة المجلس في عامه الثاني، وما إذا سيكون من ذوي الأعمار الطويلة أو القصيرة ، وهل سيبقى أداة تمرير أو سيذهب ليكون اكثر تموضعا وحيوية واستقلالا؟.
اليوم، وعلى مسافة شهرين من بدء الدورة العادية الثانية، فان الحراك النيابي بدا مختلفا؛ يريد بعضهم منه، أن يقولوا، بأن المنافسة هذه المرة مختلفة، فهناك نواب يطمحون للجلوس في موقع الرئاسة؛ لذا فإن الغرض يتبلور بتداعي نواب في اكثر من مناسبة لعقد اجتماعات في منازلهم، لبحث الأمر وسواه، وبعض تلك الجلسات شهدت سخونة في الطرق والنقد، وأعلن نواب خلالها نيتهم المنافسة على موقع الرئيس أو أي من مواقع المكتب الدائم.
وهذا يعني، بان هناك من يريد تحريك الرمال مبكرا، وإعلان الحضور. في المقابل فإن نوابا مخضرمين يرون بأن ما يجري من تحركات، يمكن النظر إليه بجدية، ولكنه أيضا يأتي في سياق إشغال للنواب وتعزيز للحوار بينهم، بخاصة وأن هذا المجلس وفي سابقة نادرة، لم يعقد دورة استثنائية؛ وبالتالي فإن مدة العطلة طويلة،   ولا ضير من التحريك والتحفيز بين فترة وأخرى.
هذا الطرح، يختلف معه نواب كثر يرون بأن هناك تبلورا ورؤى مختلفة عن الدورة الماضية، فبعض الكتل بدأت تتخذ مواقف أكثر وضوحا، وتدخل في مشاورات لاختيار مرشحها لرئاسة المجلس وعضوية المكتب الدائم، ما يعني بأن مرحلة التوافقات قد تكون بدأت باكرا، وهذه التوافقات قد تنسحب على اللجان الدائمة.
كتل نيابية تعرف بأن مستوى الرضا الشعبي عنها، لم يكن وفق الطموح، وبالتالي فهي تريد الظهور بأنها قادرة على صياغة قرار جماعي، وليست رهينة الفردية، كما أن نوابا جددا اصبحوا اكثر جرأة وطموحا نحو المواقع القيادية، وأولئك يتحدثون بقوة عن التغيير في المكتب الدائم، وأهمية الحاجة  لتجديد القيادات البرلمانية.
توازنات ومرشحين مفترضين
الآن، وقبل 60 يوما على افتتاح الدورة، تقفز أسماء كثيرة، لديها طموح بموقع الرئيس، بعضها اعلن عن ذلك رسميا، وبعضهم يقرأ المشهد ويتابع بصمت، ومن أبرزها الرئيس الصفدي، ويتطلع للحصول على الدعم، والذي يجب أن يكون في البداية من كتلته “الميثاق الوطني”، والتي يوجد فيها راغبون آخرون بالترشح للموقع، لذلك بات على كتلته التحرك وحسم أمرها مبكرا قبل أن تتحرك غيرها، كذلك يبرز من “الميثاق”: مجحم الصقور وعلي الخلايلة، وإبراهيم الطراونة ومازن القاضي ونصار القيسي.
أما من خارج الكتلة، فيبرز اسم النائب المنتمي لـ”تقدم” د. مصطفى الخصاونة، كذلك النواب خميس عطية ومصطفى العماوي اللذان يتابعان المشهد عن كثب.
المكتب الدائم منافسة أيضا
الحديث عن المنافسة على عضوية المكتب الدائم، لا يقل أهمية عن حديث التنافس على الرئاسة، لأنه يعكس ميزان القوى في المجلس، ويتوقع بأن يشهد سباق المناصب فيه (النائبان الأول والثاني والمساعدان) حراكا أكثر انفتاحا مما كان عليه في الدورة الماضية، فيما هناك تراجع لحماسة بعض الوجوه التي لم تقدم أداء بارز، إلى جانب وجود رغبة من نواب في تجريب وجوه جديدة على مستوى القيادة البرلمانية.
عمليا؛ فإن الدورة الثانية للمجلس لن تكون اعتيادية، بل يمكن اعتبارها مرحلة تثبيت لهوية المجلس، فيها سيتحدد من سيقوده وكيف سيدار التوازن بين التشريع والرقابة، وما إذا كان المجلس قادرا على لعب دور دستوري حقيقي في ظل التحديات الوطنية المتصاعدة.
المشهد عموما ما يزال في طور التشكل، لكن المؤكد بأن الرئاسة المقبلة ستكون أكثر من مجرد منصب برلماني، بل علامة باتجاه المجلس السياسي، وان كان المجلس لديه قدرة على استعادة ثقة الناس أم يضيف عاما آخر من الركود البرلماني.

جهاد المنسي/الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة