الجنوب السوري وما يطبخه الاحتلال.. خطوط أردنية حمراء لا تقبل المملكة تجاوزها

برز الأردن كلاعب رئيسي بمحاولات التهدئة في السويداء، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار ما يزال “هشًا” على خلفية الأحداث الدامية التي شهدتها المحافظة الواقعة جنوب سورية وعلى حدود المملكة الشمالية خلال الأيام الماضية.

ورغم ضبابية المشهد على الجانب الآخر من الحدود، حيث يشكل الجنوب السوري “فوهة بركان” بدأ دخانه يتصاعد في الأسابيع الماضية لكنه لم يصل حد الانفجار الكلي، يدرك الأردن الرسمي خطورة ما يحدث هنالك على أمنه القومي بعد أمل بهدوء نسبي رافق تغيير النظام في سورية وتسلم قيادة جديدة أرسلت رسائل طمأنة لجيرانها بأن زمن الخوف والتوتر السابق قد ولى، بعد سنوات من تهديدات أمنية للمملكة على رأسها حروب المخدرات.

لكن تدخلات “إسرائيل” وأطماعها في جنوب سورية منذ سقوط النظام السابق، وصولًا إلى حلمها بدولة من “النيل إلى الفرات” زادت من تدهور الأوضاع الأمنية هناك.

وتريد “إسرائيل” من جنوب سورية أن تكون منطقة منزوعة السلاح، بالإضافة إلى زعمها أن تدخلها في السويداء هو لحماية طائفة الموحدين الدروز، لكنها بحسب مراقبين تهدف إلى بث الفرقة والخلاف بين أبناء الشعب السوري، سعيًا لبقاء بلدهم ممزقًا ومفتتًا ومقسمًا لا قدرة له على النهوض.

عقدة تل أبيب
ويمثل الوضع الجديد في سورية عقدة لقادة تل أبيب الذين وصفوا الرئيس السوري أحمد الشرع بأنه يمارس التقية السياسية وبالتالي الخوف من تكرار ما حدث في “طوفان الأقصى” أو هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، محذرين ومهددين في الوقت نفسه من خطورة الوضع الجديد على أمنهم القومي.

وتفجرت الأحداث في السويداء قبل أكثر 10 أيام، عندما وقعت اشتباكات بين فصائل محلية من الدروز وآخرين من البدو، وسرعان ما دخلت قوات من الجيش السوري والأمن الداخلي إلى المحافظة، ما فاقم من الوضع الأمني تسبب بتجاوزات وسقوط عدد كبير من المدنيين، وهو التدخل الذي استخدمته إسرائيل ذريعة لقصف مؤسسات في الدولة بينها رئاسة هيئة الأركان في دمشق.

وانسحبت على إثرها القوات الحكومية من المحافظة – التي بقيت على مسار متوتر مع الدولة الجديدة رغم مرور 8 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد- لكن ذلك فجر أزمة أخرى عندما تداعت عشائر عربية لدخول السويداء من أجل ما أسموه “حماية السكان البدو”.

وليل الأربعاء الخميس، وقع اتفاق لإطلاق النار برعاية الولايات المتحدة بمشاركة أردنية، سمح بعودة القوات الحكومية لفض الاشتباك.

لكن حتى أمس الأحد، ما يزال الوضع الأمني في المحافظة هشًا ومتوترًا جدًا مع استمرار الاشتباكات، وسط انفتاح المشهد على احتمالات من بينها ما تخفيه تل أبيب في أدراجها وصولًا إلى شبح التقسيم.

وعطفًا على ما سبق، فإن الأردن يعتبر ما يحدث في الجنوب السوري أولوية له وضمن خطوطه الحمراء التي تؤثر بشكل أساسي على أمنه القومي التي لا يقبل بتجاوزها، بحسب خبراء.

“الأردن يعي حقيقة ما يحدث”
في هذا الصدد، يؤكد أستاذ العلوم السياسية البروفيسور محمد القطاطشة، أنه كان للأردن دور كبير في التوصل إلى اتفاق التهدئة في السويداء الأخير، من منطق دعمه لوحدة سورية واستقرارها وحفظ سيادتها.

ويقول القطاطشة لـ”الغد” إن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لا تريد للأمور أن تهدأ في سورية، والمفارقة أنها تدعي دفاعها عن الأقليات هناك، لكنها تجوّع وتقتل البشر والأطفال في غزة في الوقت نفسه.

وأشار إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو تدعم أطرافًا سورية، من بينها الزعيم الدرزي حكمت الهجري، وفلول النظام السابق، وتزودهم بالسلاح من أجل إثارة القلاقل وفصل السويداء عن الدولة الأم.

ويرى الخبير السياسي أن الأردن وضع سيناريوهات مسبقة لما يمكن أن يحدث في سورية من منطلق القوة، لأن المملكة دولة راشدة وتستبق الأحداث وتعي تداعياتها.

ويتابع: “لذلك أكد الأردن أنه لن يقبل مطلقًا بفتح ممر إنساني بين السويداء والمملكة وفق دعوات أطلقها الهجري، بالإضافة إلى إعلان الجيش العربي أنه سيطبق قواعد الاشتباك عند أي محاولة خرق للحدود الشمالية”.

ويبين القطاطشة أن الدولة الأردنية لا تعترف إلا بحكومة دمشق برئاسة أحمد الشرع، والتي اعترف بها العالم وأزال العقوبات عنها، وأن الممر الوحيد فقط سيكون مع دمشق لا مع السويداء أو غيرها، ولذلك من مصلحته العليا أن تكون سورية مستقرة وموحدة.

وأكد أن ما يقوم به الأردن الرسمي من حماية مصالح وأمن المملكة القومي، هو ضد مصالح الاحتلال الإسرائيلي الذي يهدف إلى بث الفرقة والنزاعات في سورية وصولا إلى أهدافه الكبرى.

ولفت إلى أن غالبية الدروز في سورية مع الدولة وضد مشاريع التقسيم والانفصال، وضد التدخلات الإسرائيلية باستثناء فئة قليلة جدًا، يراهن الاحتلال عليها.

ويشدد على أنه “لا خوف على الأردن مما يحدث في الجنوب السوري؛ لأنه مدرك لأبعاده ويقوم بكل ما يمكن للحفاظ على أمنه واستقراره، وبالتالي لن يسمح بأي ممرات إنسانية كما يروج لها في الإعلام على حدوده الشمالية”.

الأردن يدرك ما يدور
بدوره، يرى الخبير والمحلل الأمني العقيد المتقاعد بشير الدعجة، أن ما يحدث في الجنوب السوري ليس مجرد اضطراب داخلي، بل هو تطور ميداني له تداعيات إستراتيجية خطرة على الأردن.

ويقول الدعجة إن “الأردن أمام حالة استخباراتية مركبة تدار على الأرض من قبل مصالح إقليمية ودولية بواسطة فواعل غير نظامية من مليشيات طائفية، وتجار سلاح، ومخدرات، وكل ذلك في ظل هشاشة الوضع الأمني بسورية وخاصة درعا والسويداء”.

ويتابع إن “الأردن يراقب المشهد بقلق متزايد، خاصة أن الجنوب السوري بات خاصرة رخوة تهدد أمنه من ثلاث زوايا رئيسية”.

والزاوية الأولى بحسبه، هي “تصاعد عمليات التهريب المنظمة من قبل الميليشيات المدعومة الخارجية”، والثانية: “ازدياد احتمالات الفراغ الأمني جنوب سورية والذي يسمح ببيئة عابرة للحدود”.

وثالث هذه الزوايا “الأبعاد الجيوسياسية لممر داود الذي تحاول إسرائيل فرضه كأمر واقع في جنوب سورية حتى الحدود الأردنية”.

ولفت إلى أنه “إذا استمر الوضع في جنوب سورية دون حل أو استقرار فإنه سيصبح منطقة صراعات مستقبلية تؤثر على الأمن الأردني، وقد يفرض موجات نزوح جديدة إلى المملكة مثلما حدث في 2011”.

لذا، وبحسبه، فإن “الموقف الرسمي الأردني تؤيده المؤسسة العسكرية والأمنية، وينطلق من مبدأ استباق التهديد لا انتظار وقوعه”.

ويؤكد أن “التدخل الأردني لوقف إطلاق النار في السويداء كان جزءًا من عمل أمني إستراتيجي شامل هدفه منع الانفجار ووقف التهديد في خاصرته الشمالية، وتحول الجنوب السوري إلى ساحة مفتوحة لعمليات قذرة تخدم أجندات لا علاقة لها بالشعب السوري أو الأمن الإقليمي”.

وبين أن “الجيش الأردني رفع استعداداته على الحدود الشمالية، لكن المعركة الحقيقة ليست فقط بالدفاع بل في التأثير الميداني والدبلوماسي لخلق حالة توازن دون اختراق الجنوب السوري”.

وختم الدعجة قوله إن “الأردن يدرك أن ما يطبخ في الجنوب السوري هو اختبار لصبره وقوته وحكمته، فإذا كان الأمن الوطني الأردني خطا أحمر فإن الجنوب السوري بات اليوم محوره الأخطر”.

 أحمد غنيم/الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة