الجيش الذي لا يقهر.. ماذا سيفعل لو تخلى عنه الغرب وسط إقليم ملتهب؟

تفصح نشأة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي أعلن عن تأسيسه في الـ26 من أيار(مايو) 1948 عن أن نواته جاءت من رحم عصابات متطرفة مثل “الهاغاناه” و”أراغون” و”شتيرين” وغيرها من العصابات الإجرامية، ذات العقيدة الصهيونية، التي تستند في أساساتها على الخرافات التوراتية، وعقدة التفوق (شعب الله المختار)، ورفض الآخر (الغوييم)، وقد اشتركت هذه العصابات بعمليات إبادة جماعية في مناطق عديدة من فلسطين، مثل مجازرها المروعة في كفر قاسم ودير ياسين والطنطورة والدوايمة، وغيرها، في عملية مهدت لترويع الفلسطينيين، ودفعهم للتهجير.

ولعل رئيسا وزراء الاحتلال الأسبقين إرييل شارون وإسحق رابين، من أبرز عناصر تلك العصابات التي ما تزال جرائهما محفورة في ذاكرة من عايشوا نكبة 1948 قبل نحو 8 عقود.

تشكلت هذه العصابات، التي تنتمي في الأساس، لجماعات مافيوية غربية في فلسطين، بعد الهجرات اليهودية الى “أرض اللبن والعسل”، أي فلسطين، وساعدت على جلبهم عبر السفن، دول غربية مثل بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين، بذريعة حماية مستوطنات المهاجرين اليهود، وهو ما يشي بولادتها من رحم الانتداب البريطاني على فلسطين، قبل أن تصبح القوى العسكرية المساهمة في قيام الكيان الصهيوني على أنقاض الآخرين.
في ذلك الزمن أيّ قبل النكبة، كانت تلك العصابات تعمل تحت حماية الجيش البريطاني ودولته التي أعطت وعدها المشؤوم، ثم وإثر ذلك انتقل “الكيان الوليد” إلى حضن الغرب، وتحديدا القوة الجديدة الصاعدة بعد الحرب العالمية الثانية الولايات المتحدة الأميركية.
والمتتبع للتاريخ، يرى أن (إسرائيل)، لم تكن قوية، أو قادرة على حماية جماعاتها وأفرادها وسط منطقة مليئة تحتشد بالتقلبات، هي المنطقة العربية، بل كانت الحاجة الغربية إلى إنشائها لتغدو “طفلها المدلل”، كي تكون “أداة” في المنطقة العربية لتحقيق مصالح قوى كبرى.
وهذا الكيان على مر الأعوام، لا يقدر أن يتنفس من دون راع أو حام أو داعم، مادي أو معنوي، ففيه كل عوامل الضعف والوهن والفناء الداخلي، حتى وإن بدا ديمقراطيا، لذلك لا يمكنه التنفس من دون أن تمده الولايات المتحدة بالاوكسجين، وهي ترسل جيشها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، محملة بالقنابل والطائرات والبوارج، بعد أن توقف عن التنفس في عملية  “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية، وكسرت فيها زعم هذا الكيان بأنه يمتلك جيشا لا يقهر، خلال بضع ساعات.
تدرك واشنطن وحلفاؤها أن “طفلتهم”، ستفنى إن رفعوا أيديهم عنها، خصوصا وإن تحولت الحرب الدائرة الآن على قطاع غزة، إلى حرب تجر معها دولا وجماعات أخرى في الإقليم الملتهب أساسا، وكذلك يدرك الإسرائيليون هذه المعادلة، برغم مباهاتهم الدائمة، بهزيمتهم للعرب مجتمعين في حربي 1948 والأيام الستة في 1967، مغفلين طبعا هزيمتهم النكراء في حربهم مع الأردن في معركة الكرامة عام 1968، وفي حربه مع مصر وسورية عام 1973 على عادتهم في التواري خلف صورة البطل الخارق، وهزيمتهم المدوية في جنوب لبنان في العام 2000.
في ضوء ذلك، يحتفظ الكيان الإسرائيلي، بصورة البطل أمام الغرب، والغرب يدرك جيدا أن هذا البطل من ورق، إذا توقف عن دعمه، لكن الغرب لن يصل إلى تلك اللحظة إلا إذا ثبت فشل هذا الكيان بان يكون ممثله في المنطقة، لذا فإن فرصة هذه الكيان، تتجلى اليوم وغدا وفق تصوره، هو في ابقاء الغرب مساندا له، متلبسا دور الضحية، لذا فالغرب مستمر بترهيب وتخويف واسترضاء وتعاون وفرض سياساته في المنطقة، منذ عقود. كل ذلك، لإبقاء (إسرائيل) تتنفس.
وحتى يخشاك الآخرون، عليك بناء أسطورة حول نفسك أو دعهم يبنوها لك ويرددوها، لكنها أكذوبة من كذبات كثيرة، انطلت على العرب أو كانوا شركاء في صياغتها.
ومن هذه الأساطير “الجيش الذي لا يقهر”، وهي مقولة أطلقت على جيوش الإمبراطورية الرومانية في زمن انتهى، لكن بقيت آثاره شاهدة عليه، وهي اليوم تلصق بجيش لم يكن ليتمكن من الصمود في وجه أي جيش عربي، لولا ما مده به الغرب من قوة خلال “النكبة” و”النكسة”، وكانت هذه المقولة تخفي وراءها، أكمة كبيرة، وهي إيجاد “خيار السلام” عنوة.
هزم جيش الاحتلال في معارك عربية : الكرامة، على يد الجيش الأردني، الذي لم يكن يمتلك عشر ما يملتكه جيش الاحتلال الإسرائيلي من قوة، وكانت هزيمته في غور الأردن فادحة، وحرب اكتوبر 1973 على يدي مجموعة دول عربية: مصر وسورية، بمشاركة الاردن ودول أخرى، وكذلك جنوب لبنان، على يد مجموعة حزبية مسلحة هي حزب الله.
لكن الغرب يغذي هذا الجيش، بالسلاح والتدريب والتمويل إلى حد غير مسبوق في التاريخ، فقد مده بجسر جوي بعد تقهقره في حرب رمضان 1973. وحتى وقتنا هذا أعطي كل الأدوات ليبقى “متفوقًا” على نظرائه في المنطقة، لكن هذا التفوق لم يشفع له في أن يذوق في يومنا هذا الويل من فئات صغيرة لا تسمى جيوشا.
ولكن سابقًا وللتاريخ كان أول تحطيم لأسطورة “الجيش الذي لا يقهر” هو في “معركة الكرامة” التي جرت على الأرض الأردنية، بتاريخ 21 آذار(مارس) 1968، حينها هُزم الجيش الإسرائيلي الذي كان يُمني جنوده بشرب القهوة على جبال السلط.
وأثبتت المعركة أن جنود الاحتلال في الميدان كانوا ضعفاء وجبناء وينهزمون أيضًا.
وأثتبت حرب أكتوبر1973، أن الجندي الإسرائيلي يهزم كذلك، حيث يقول القائد العسكري المصري ورئيس أركان تلك الحرب، الجنرال سعد الدين الشاذلي إن “الجندي الإسرائيلي يكون شجاعًا إن كان متفوقًا في النيران والأسلحة ولكن إن توازت الإمكانيات مع الطرف الآخر يظهر جبنه بطريقة واضحة”.
أما اليوم فأثبتت المقاومة الفلسطينية أن هذا الجيش يقهر ويهزم ويذل كما رأينا في صور اقتحام مستوطنات غلاف غزة يوم معركة “طوفان الأقصى”.
تتمحور العقيدة الإسرائيلية حول مبدأ “الدفاع”، ولهذا اسمت (إسرائيل) جيشها بـ”جيش الدفاع”، ومن أجل تحقيق ذلك عليها القيام بالعديد من الأمور للأعداء من بينها الحروب الخاطفة، الضربات الوقائية، الضربة الأولى، وتجنب المفاجآت.
والحروب الخاطفة أو الضربات الوقائية أو الضربة الأولى، ما كان لها أن تتحقق لولا حجم الدعم التقني والتكنولوجي والمعنوي الكبير الذي تمتلكه (إسرائيل) والذي يتيح لها التحرك كيفما تشاء بدعم وغطاء من الولايات المتحدة من أجل تحقيق مبدأ الردع مع أعدائها.
مع العلم بأنه في العام 2007، قال رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق غابي أشكنازي بعد حرب لبنان في تموز 2006، إن “جيش الدفاع هو دائماً في حالة حرب، فهو إما يقاتل فعليًا على الجبهة أو أنه يستعدّ للحرب المقبلة”.
ولكن ماذا لو لم تتحق هذه الشروط؟
ترى (إسرائيل) أنها تخسر، إذا لم تكن صاحبة الضربة الأولى، أو إن طالت الحرب التي تخوضها أكثر مما هو مقرر، أو كان عدد خسائرها كبيرا جدا، فهي لا تتحمل أرقاما كبيرة مثل دول أخرى.
حتى أن قادة (إسرائيل) يقرون مثلا انسجاما مع هذه العقيدة، بضرورة “الضربة الوقائية” لإيران، لمنع أي هجوم مستقبلي منها، كونهم لا يستطيعون خوض معركة طويلة معها لعوامل كثيرة أهمها غياب العمق الاستراتيجي، وعدد السكان والقدرة على التجنيد، إلى جانب حلفاء طهران الذين يطوقون إسرائيل، وبدون تدخل غربي معها.
إلى جانب أن الكيان شن فعليا ضربات خاطفة ووقائية في سورية وغزة ولبنان خلال السنوات الماضية.
وأكثر ما يقلق (إسرائيل) في الحرب الحالية التي بدأت بعد معركة 7 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، والتي كانت مفاجئة، طول أمدها، الخوف من الحرب البرية، وفتح أكثر من جبهة بوقت واحد، رغم تباهيها السابق بقدرة الكيان على محاربة أكثر من جيش وهزيمته في العام 1967، إلا أن جميع المعطيات على أرض الواقع حاليًا تختلف.
فمعركة إسرائيل الحالية ليست مع جيوش نظامية مثل العام 67 و73، بل مع مجموعات وفصائل عقائدية، ولأجل خوض معارك مع هؤلاء عليها قتالهم على طريقة “حروب العصابات” لا الحروب التقليدية.
وحتى تنجح “حرب العصابات”، على المقاتل أن يمتاز بشجاعة منقطعة النظير فأي مواجهة “وجها لوجه” سيخسر فيها الجندي الإسرائيلي، لأسباب كثيرة أهمها أنه ليس صاحب حق أو قضية بل محتل، وثانيا فهو يقاتل بلا عقيدة بل موظف في مؤسسة عسكرية يتقاضى راتبا في النهاية، مع أشخاص يريدون الموت دفاعًا عن قضيتهم.
ولقد بدا ذلك واضحًا وجليًا في معركة “طوفان الأقصى” وما أظهرته الصور والمشاهد حول ذلك، وقبل ذلك في الأحداث التي شهدتها الأراضي المحتلة، حيث بدا الجندي الإسرائيلي خائفا من حجر أو طفل وهو داخل آليته المصفحة التي لا يقوى أن يترجل منها إلا وحوله جيش جرار ومدافع ودبابات أو يرمي قنابله من فوق الأبراج والحصون المنيعة والطائرات البعيدة على رؤوس الأبرياء.
وكان الله عز وجل وصف في كتابه العزيز يهود بني النضير أثناء قتال المسلمين في زمن الرسول: “لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ”.
وأثبتت هذه الآية أنها “قاعدة تسير (إسرائيل) على نهجها في القتال داخل القرى المحصنة التي أنشأتها للعيش فيها أو من وراء الجدر التي نصبتها حول الضفة وغزة والمستوطنات ودول الطوق، ولكن عند اختراقها نجد أن الكيان أوهن من بيت العنكبوت.

أحمد غنيم/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة