الخطة الأميركية للسلام في غزة.. هل بات تدويل القطاع على الأبواب؟

برزت في الأفق خطة سلام جديدة بشأن قطاع غزة، تحمل بطياتها مقترح انسحاب تدريجي للاحتلال الصهيوني، لكن دون تحديد جدول زمني واضح، وهو ما يثير تساؤلات حول جدية التنفيذ.

الإدارة المقترحة للقطاع قد تكون دولية، ربما بإشراف الأمم المتحدة أو شخصيات مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بينما يظل الدور الفلسطيني بإطار الحضور الرمزي فقط دون تمكين حقيقي لصنع القرار.
وتطرح هذه الخطة فرضيات حول مدى جاهزية القطاع لإدارة شؤونه ذاتيا، كما تثير مخاوف من العودة لنماذج الانتداب الدولي التي شهدتها مناطق أخرى سابقا، حيث تُسلب المجتمعات المحلية حقها بتقرير مصيرها، وتُفرض عليها حلول خارجية.
وتدل المؤشرات الأولية على أن الحلول الداخلية لم تعد كافية لمعالجة الأزمة، وأن المجتمع الدولي بات اللاعب الرئيس برسم ملامح المرحلة المقبلة، بما يشمل تحويل المسؤوليات تدريجيا إلى جهات دولية وتقليص مساحة العمل المسلح داخل غزة.
وتتضمن الخطة بنودا تفتح المجال أمام دخول المساعدات الإنسانية تحت إشراف مؤسسات ومنظمات أممية، مع منح السلطة الفلسطينية دورا محدودا في الإدارة، بالتوازي مع تخفيف أو إلغاء سياسات التهجير والسيطرة العسكرية الكاملة من قبل الاحتلال.
هذا التحول يمثل نقلة نوعية في المشهد الميداني، لكنه يطرح في الوقت نفسه هواجس من إعادة إنتاج تجارب الانتداب، كما حدث في العراق أو بعض دول أوروبا الشرقية، حيث بقيت الإدارات المحلية في مواقع شكلية تحت سلطة لجان دولية.
في هذا السياق، يظهر تمسك القيادة الفلسطينية بمبدأ أن أي إدارة مستقبلية للقطاع يجب أن تكون خاضعة للحكومة الفلسطينية حصرا.
ويصر الرئيس الفلسطيني على أن وزيرا فلسطينيا هو من يجب أن يتولى هذه المسؤولية، في رفض غير مباشر للصيغة المطروحة.
تدويل غزة أصبح حتميا
من جهته قال الباحث والمحلل السياسي د. عامر السبايلة، إن “تدويل” قضية غزة أصبح أمرا حتميا، مشيرا إلى أن أدوات الحل لم تعد محصورة بالقدرات الداخلية.
وأوضح، بأن الاحتلال لا يزال حاضرا عسكريا بالمنطقة ولم يوقفه أي عامل حتى الآن، مضيفا أن الحلول لم تعد تأتي من الداخل بل من الخارج، حتى مع استبعاد السلطة الفلسطينية التي تتحمل جزءا من الأزمة.
وأشار إلى أن الوضع في الضفة الغربية يبدو أقرب إلى فكرة الوصاية الدولية، مؤكدا أن تدويل غزة يأتي نتيجة استمرار الأزمة وتوسعها ودخول أطراف متعددة على الخط، وهو ما يجعل الحل النهائي قادما من الخارج.
وأضاف، إن هذا الحل، رغم أنه لا يرضي الكيان الصهيوني بالكامل، يهدف لتقليص فكرة السلاح في غزة تدريجيا ونقل المسؤولية إلى المجتمع الدولي، ما يفرض في النهاية إدارة أقرب إلى نموذج الإدارات المحلية الذي تم تسويقه منذ البداية.
خطة ترامب
أفضل السيئ لغزة
بدوره قال الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد، إن الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة يمكن اعتبارها “أفضل السيئ”، أي أنها أفضل الطروحات التي ظهرت حتى الآن في هذا السياق.
وأوضح، أن خطة ترامب أسقطت ما يعرف بـ”النقاط الخمس” التي تمسك بها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، والمتمثلة بـ” تدمير المقاومة، نزع سلاحها، تهجير السكان، منع إدخال المساعدات الإنسانية إلا عبر شركات أميركية وبإشراف الجيش الصهيوني، إضافة إلى إقصاء السلطة الوطنية الفلسطينية عن إدارة القطاع بعد الحرب، وكذلك استبعاد حركة حماس”.
وأشار إلى أن الخطة الأميركية، المكونة من 21 بندا، تخلت عن هذه النقاط، حيث لم يعد خيار التهجير مطروحا، كما أن الانسحاب الصهيوني أصبح مؤطرا وممنهجا وإن لم يذكر بشكل مباشر.
وبين أن الخطة تفتح الباب أمام مشاركة- ولو جزئية- للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة، فيما يعد أبرز تحول هو السماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر المؤسسات والمنظمات الدولية، وليس حصرا عبر الشركات الأميركية أو تحت السيطرة الإسرائيلية.
والأهم من ذلك- بحسب قوله- أن المقترح أسقط فكرة إستراتيجية كان يسعى نتنياهو لفرضها، وهي ضم الضفة الغربية.
وأضاف أبو زيد: “من هنا قلنا إن هذه الخطة تعد أفضل السيئ فيما يخص مسار الصراع في قطاع غزة. لكن يبقى بند نزع سلاح المقاومة حاضرا في المقترح، وهو ما قد يعقّد شروط التفاوض”.
وتابع، “قبل يوم الاثنين المقبل، أي قبيل لقاء نتنياهو بالرئيس ترامب، أعتقد أن نتنياهو- عبر تصريحاته الأخيرة في الأمم المتحدة وخطابه هناك- لا يراهن على رفض المقاومة للمبادرة، بل يخشى أن تفاجئه بقبولها بشروط، ولا سيما بالتفاوض حول مسألة نزع السلاح، عندها ستكون المقاومة قد قلبت الطاولة على رئيس وزراء الاحتلال”.
وأشار إلى أن مثل هذا التطور “قد يتم قبل اللقاء المرتقب”، معتبرا أن قبول المقاومة بالخطة والتفاوض على شرط نزع السلاح سيحرج نتنياهو أمام معارضيه التقليديين داخل الكيان الصهيوني وكذلك أمام شركائه في الحكومة، خصوصا بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
وأضاف، “الخطة تنص على إدخال المساعدات، وانسحاب جيش الاحتلال من غزة، وعدم التهجير، إضافة إلى إشراك السلطة في الإدارة، وهو ما يشكل تحولا مهما في المشهد”.
واستطرد قائلا: “انطلاقا من هذه المعطيات، أرى أن نتنياهو سيحاول استثمار الخطة لتحويلها من هزيمة سياسية إلى إنجاز أو مكسب سياسي، ويعتقد أبو زيد أن نتنياهو سيسعى إلى عرقلة بعض البنود، أو على الأقل الدفع نحو استمرار العملية العسكرية، كما ظهر في خطابه الذي ألقاه الخميس في الأمم المتحدة”.
وقد يكون استثمار نتنياهو لهذه الخطة عبر محاولة إفراغها من مضمونها، خاصة في ما يتعلق بشرط نزع سلاح المقاومة، أو عبر الضغط على الولايات المتحدة لفرض شروط إضافية أشد قسوة على المقاومة، لأنه ما زال يراهن على احتمال رفضها للمبادرة، رغم أن الأخيرة قد توافق عليها قبل الاثنين المقبل”، وفق أبو زيد.
خطة تعيد سيناريو
الانتداب في غزة
بدوره، قال الباحث والمحلل السياسي جهاد حرب، إن ملامح الخطة التي يجري الحديث عنها والتي يبدو أن الإدارة الأميركية تميل إلى تبنيها، تقوم على صيغة تشبه “انتدابا جديدا” على قطاع غزة، عبر لجنة دولية قد تضم مؤسسات أممية، وربما يتولى رئاستها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
وبحسب ما تسرب من معطيات، فإن هذه اللجنة ستكون صاحبة اليد العليا في التحكم بحياة الفلسطينيين في القطاع.
وأوضح حرب أن السلطة الفلسطينية- وفقا لما ظهر حتى الآن- لن يكون لها دور حقيقي في هذه الخطة، وقد يقتصر حضورها على واجهة شكلية في العلاقة مع اللجنة أو مع العاملين في القطاع.
وأشار إلى احتمال أن تستند اللجنة إلى موظفين عموميين فلسطينيين سابقين في غزة، مع إمكانية إدخال تغييرات جوهرية على هذا الصعيد.
وأضاف أن طبيعة هذه الخطة تذكر بتجربة الحاكم المدني بول بريمر في العراق، أو ببعض التجارب التي شهدتها دول أوروبا الشرقية بعد انهيار أنظمتها، مؤكدا أن الفلسطينيين وفق هذه الملامح، لن يقبلوا بمثل هذه الصيغة.
وقال حرب: “حتى اللحظة لم تكشف التفاصيل الكاملة لهذه الخطة، بما في ذلك موقف الكيان منها، أو طبيعة أدوار الأطراف المختلفة المشاركة فيها”.
ولفت حرب إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان قد شدد في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، على أن أي إدارة لقطاع غزة يجب أن تكون خاضعة للحكومة الفلسطينية، وأن يتولى رئاستها وزير من وزراء الحكومة، وهو ما يشير برأيه إلى رفض مبدئي لهذه الصيغة المقترحة.
كما أشار إلى الموقف المصري الذي عبر عن رفض إدخال قوات عربية أو دولية لإدارة القطاع، مؤكدا أن أي وجود من هذا النوع يجب أن يكون بغرض دعم السلطة الفلسطينية وتمكينها من القيام بدورها هناك.
وشدد حرب قائلا: “ما زلنا ننتظر تفاصيل أوضح، وكذلك المواقف العربية والإسلامية التي ستتبلور في مواجهة ما تم تسريبه حتى الآن عن شكل هذه الخطة”.

محمد الكيالي/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة