الدعم اللوجستي وترسيخه في القيادات الشبابية// جميل محمد العنيزات

يُعتبر الدعم اللوجستي أحد أهم الأعمدة التي تقوم عليها الإدارة الحديثة في مختلف القطاعات، فهو علم يتجاوز حدود توفير الموارد المادية ليصل إلى مستوى التخطيط الاستراتيجي والتنظيم المحكم للعمليات وضمان استدامتها. وقد أثبتت التجارب العالمية أن المؤسسات التي تضع الدعم اللوجستي في صميم عملها تحقق تقدماً نوعياً في أدائها وتتفوق على غيرها في القدرة على المنافسة محلياً ودولياً. ولأن المجتمعات لا يمكن أن تنهض إلا بقيادات شابة واعية قادرة على استيعاب أدوات العصر وتطبيقها بكفاءة، فقد أصبح ترسيخ مفهوم الدعم اللوجستي في القيادات الشبابية مطلباً وطنياً واستراتيجياً يفرض نفسه على صانعي القرار والجهات التعليمية والقطاع الخاص على حد سواء.
إن أهمية الدعم اللوجستي للشباب تكمن في أنه يزودهم بالقدرة على التفكير المنظم ورؤية الصورة الكاملة لأي مشروع أو مبادرة، فالقائد الشاب الذي يفهم هذا المفهوم لا يكتفي بإطلاق الأفكار والشعارات، بل يعرف كيف يحولها إلى واقع ملموس من خلال التخطيط المدروس وإدارة الموارد البشرية والمادية والمالية بشكل متكامل. وهذا ما يجعل من الدعم اللوجستي أداة لبناء شخصية قيادية متوازنة تجمع بين الرؤية البعيدة المدى والقدرة على الإنجاز العملي، وهو ما تحتاجه مجتمعاتنا اليوم لمواجهة التحديات المتزايدة في مجالات الاقتصاد والأمن والتنمية المستدامة.
ولا يمكن الحديث عن ترسيخ الدعم اللوجستي دون التطرق إلى دور المؤسسات التعليمية والجامعات، فهي البوابة الأولى التي تصقل عقول الشباب وتؤسس فيهم مهارات التفكير النقدي والتحليل المنهجي. وعندما يتم إدماج مبادئ الدعم اللوجستي في المناهج الدراسية والبرامج التدريبية، فإن ذلك يفتح أمام الطلبة آفاقاً واسعة لفهم العلاقة بين النظرية والتطبيق، ويؤهلهم ليكونوا قادة ميدانيين قادرين على إدارة الموارد بكفاءة سواء في المؤسسات الحكومية أو في القطاع الخاص. كما أن الجامعات التي تمنح مساحة للتدريب العملي والبحث التطبيقي في هذا المجال تسهم في تخريج جيل قيادي مسلح بالعلم والخبرة العملية في آن واحد.
وإلى جانب التعليم الرسمي، تلعب المبادرات الشبابية دوراً محورياً في ترسيخ هذا المفهوم، إذ أن إشراك الشباب في المشاريع المجتمعية والأنشطة التطوعية التي تتطلب تنسيقاً وتخطيطاً لوجستياً يعزز لديهم الخبرة العملية في إدارة الموارد والوقت والكوادر. فالمبادرات الشبابية التي تقوم على العمل الجماعي والتخطيط المسبق تشكل مختبراً واقعياً لصناعة قادة المستقبل، كما تمنح الشباب الثقة بقدراتهم وتعلمهم كيف يواجهون العقبات بمرونة وابتكار.
ولكي يكتمل المشهد، لابد من الإشارة إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في هذا المجال، حيث يعد من أكثر القطاعات استفادة من تطبيقات الدعم اللوجستي. فعندما يفتح القطاع الخاص أبوابه أمام الشباب من خلال برامج التدريب والتشغيل في إدارات سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية، فإنه لا يسهم فقط في تنمية كفاءات فردية، بل يبني قاعدة قيادية وطنية قادرة على قيادة الاقتصاد في المستقبل. كما أن الشراكة بين القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية في تصميم برامج تدريبية متخصصة يمكن أن تخلق نقلة نوعية في مستوى الوعي الشبابي بأهمية هذا المجال.
إن القيادات الشبابية التي تستوعب أهمية الدعم اللوجستي تكون أقدر على التعامل مع الأزمات، فهي تدرك أن كل أزمة هي في جوهرها تحدٍّ لوجستي يتعلق بكيفية إدارة الموارد وتوزيعها في الزمن المناسب. وقد رأينا خلال الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا أن الدول التي امتلكت كوادر لوجستية متمكنة استطاعت تجاوز التحديات بسرعة أكبر وضمان استمرارية خدماتها الأساسية، في حين عانت الدول التي أهملت هذا الجانب من ارتباك كبير وتراجع في مستوى الأداء. ومن هنا فإن إعداد الشباب في هذا الاتجاه يشكل خط دفاع أول ضد الأزمات المستقبلية ويمنح المجتمعات مرونة عالية في مواجهة التغيرات الطارئة.
إن ترسيخ الدعم اللوجستي في القيادات الشبابية ليس خياراً ثانوياً بل ضرورة استراتيجية ترتبط بمستقبل الدول واستدامة تنميتها، فالشباب الذين يملكون هذا الوعي سيكونون أكثر قدرة على ربط السياسات الوطنية بالخطط التنفيذية وتحويل الرؤى الكبرى إلى إنجازات ملموسة. وهم أيضاً الأكثر قدرة على دمج التكنولوجيا الحديثة في العمل اللوجستي، حيث تفتح الثورة الرقمية أمامهم مساحات واسعة لتطوير أنظمة ذكية في إدارة الموارد وسلاسل التوريد، الأمر الذي يعزز من تنافسية المؤسسات الوطنية على المستوى العالمي.
وفي الختام، فإن بناء جيل من القيادات الشبابية المؤمنة بأهمية الدعم اللوجستي والمتمكنة من أدواته هو استثمار استراتيجي طويل الأمد، فهؤلاء الشباب سيكونون قادة الغد الذين يحملون على عاتقهم مهمة بناء مجتمعات أكثر تنظيماً وكفاءة وقدرة على مواجهة التحديات، ولذا فإن تعزيز هذا المجال في أذهانهم وعقولهم يمثل ركيزة أساسية لأي مشروع وطني يسعى إلى التقدم والاستدامة والتفوق في عالم يتغير بوتيرة متسارعة.
بقلم 🖋️ : جميل محمد العنيزات