الدكتور زياد الحجاج: المونديال ليس فرحة عابرة… بل اختبار جاد لجدّية الدولة في حماية أحلام شبابها وتحويل الإنجاز إلى مشروع وطني شامل

 

وضعتنا قرعة كأس العالم في المجموعة العاشرة إلى جانب الأرجنتين والجزائر والنمسا، وهي مجموعة لا تُجامل أحدًا ولا تعترف بالأمنيات، بل تفرض واقعًا صارمًا لا ينتصر فيه إلا من يملك التخطيط والإدارة والإرادة. لكن السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه اليوم: هل نحن، كمنظومة رياضية وإدارية وحكومية، على مستوى هذا التحدي التاريخي؟ أم أننا سنكتفي بالمشاعر والصور والشعارات ونغفل عن جوهر المعركة؟

إن وصول الأردن إلى كأس العالم حدث استثنائي لا يجوز التعامل معه بعقلية المناسبات، ولا بمنطق “إنجاز تحقق وانتهى”، بل هو ملف سيادي بامتياز يجب أن يُدار بعقل الدولة لا بعقل المؤسسة، وبقرارات مصيرية جريئة لا بإجراءات روتينية بطيئة تُبدّد الفرص وتقتل الأحلام.

اليوم، لا عذر لأحد. أي تقصير في الإعداد، أو تخبّط في القرار، أو ارتجال في التصريحات، سيُسجَّل تاريخيًا على كل من بيده المسؤولية. فشباب الأردن الذين صنعوا هذا الإنجاز بعرقهم وتضحياتهم لا يستحقون أن تُهدر فرصتهم بسبب البيروقراطية أو المزاجية أو الحسابات الضيقة التي لا تمتّ للوطنية بصلة.

نؤكد على تشكيل خلية وطنية تُعنى حصرًا بملف كأس العالم، تضم نخبة من الخبراء الرياضيين والإداريين والاقتصاديين والإعلاميين والأمنيين واللوجستيين، وتعمل بمرجعية مباشرة من أعلى المستويات، لأن هذا الحدث لا يمثل منتخبًا فقط، بل يمثل صورة الدولة الأردنية أمام العالم، وهيبته ومصداقيته وقدرته على تحويل الإنجاز إلى نجاح مستدام.
ويجب علينا ان نبتعد عن المجاملة والواسطة والمحسوبية والمحاصصة والاستعراض الإعلامي ونعزز طموح الشباب الذي ينظر الى هذا الإنجاز كنافذة امل وكرامة وتمثيل مشرف .

كما نؤكد أن الاعتماد على الأساليب التقليدية في الإعداد يعني الفشل المبكر. لا نريد خطابات، ولا مؤتمرات شكلية، ولا لافتات دعائية، بل نريد أرقامًا واضحة، وبرامج دقيقة، وخططًا مدروسة، وتقارير أداء، وتقييمًا مستمرًا قائمًا على الشفافية والمساءلة. ويجب أن ندخل المونديال بعقلية المنافسة الحقيقية والمشاركة الايجابية

وليست الوطنية في إغراق اللاعبين بالشعارات الرنانة، ثم تركهم وحدهم في الميدان أمام مدارس كروية تمتلك كل أدوات النجاح. الوطنية الحقيقية تكمن في الاعداد الجيد وتوفير مباريات ودية قوية مماثلة لفرق مجموعتنا وتوفير أفضل المدربين، وأقوى البرامج، وأحدث وسائل التحليل، وأعلى درجات الدعم النفسي والمعنوي واللوجستي، وفي تهيئة بيئة تحفظ كرامة اللاعب وتستثمر في قدراته وتُخرِج أفضل ما لديه من إمكانات.

إننا لا نتحدث هنا فقط عن كرة قدم، بل عن صورة وطن كاملة تقف تحت أضواء العالم، وعن جيل كامل يُراهن على هذا الحلم ليؤمن بأن للأردن مكانًا بين الكبار. والتقصير في هذا الملف سيُترجم إلى خيبة أمل وطنية عميقة سيدفع ثمنها الجميع، وليس المنتخب وحده.

وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن مشاركة الأردن في كأس العالم تمثّل فرصة تاريخية لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني؛ إذ ستزداد فرص الاستثمار في القطاع الرياضي، وستنشط قطاعات الإعلان والرعاية والبث والإنتاج الإعلامي، كما ستجد الشركات المحلية في هذا الحدث منصة عالمية لتسويق منتجاتها وتعريف العالم بالهوية الأردنية، ما ينعكس إيجابًا على فرص العمل والنمو الاقتصادي.

أما من الناحية السياحية، فإن اسم الأردن سيتردد بشكل كبير بالأعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الشاشات العالمية بالتزامن مع متابعة مباريات المنتخب، وهو ما يشكّل نافذة ذهبية لتسويق المملكة كوجهة سياحية عالمية، وإبراز معالمها التاريخية، من البترا إلى وادي رم والبحر الميت وجرش والعقبة، بما يسهم في زيادة أعداد الزوار وتنشيط قطاع الفنادق والطيران والمطاعم والخدمات السياحية بشكل عام.

وعلى الصعيد الاجتماعي والثقافي، فإن الوصول إلى المونديال سيزرع حالة من التلاحم الوطني غير المسبوق، حيث يلتف الأردنيون حول راية واحدة وقميص واحد وحلم واحد. كما سيُعيد الاعتبار لقيم الانتماء والهوية والفخر، ويُقدّم للشباب نماذج حقيقية في الانضباط والعمل الجماعي والتضحية من أجل الوطن، ويُعزز من حضور الثقافة والتراث الأردني على الساحة العالمية من خلال التفاعل الجماهيري والإعلامي المصاحب للبطولة.

كما أؤكد أن عوائد هذه المشاركة يجب أن تُوجَّه لتطوير الرياضة من جذورها، من المدارس إلى الأحياء الشعبية ومن من القرى والمخيمات لبناء منظومة رياضية عادلة تعطي الفرص لكل موهوب بعيداً عن الطبقية والعلاقات الشخصية ، …
الأردن اليوم امام فرصة تاريخية ويستحق اكثر من مجرد مشاركة ، وشبابه يستحقون الكثير وتاريخه لا يقبل الا موقفاً يكتب بمداد الارادة والتحدي والانجاز

الدكتور زياد الحجاج
الأمين العام لحزب البناء والعمل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة