الذئب بريء… وغزة يوسف هذا الزمان! // د. باسم القضاة

 

حين نعيد قراءة قصة يوسف عليه السلام، لا نكتفي بها كحكاية من زمن مضى، بل نجد فيها مرآة لواقعنا، ومشهداً يتكرر بأسى في حاضرنا، ولكن بأسماء جديدة ودماء حقيقية.
يوسف… الفتى الطاهر، الصادق، المحبوب من أبيه، غُدر به من أقرب الناس إليه. إخوته الذين تقاسم معهم البيت والمائدة والدم، خانوه، حسدوه، ألقوه في الجب، ثم جاؤوا إلى أبيهم بقميصه ملطّخًا بدم كذب، وقالوا: “أكله الذئب”.
واليوم… غزة، قطعة القلب، جوهرة الأمة، تُلقى كل يوم في بئر من الحصار، ويُحيك إخوتها من حولها حبال التخلّي والتبرير، ويعودون إلى الشعوب بقصص منمقة، يحملون فيها قميص غزة ملطخًا بدم “الشرعية الدولية”، “اتفاقيات السلام”، و”الواقعية السياسية”، ثم يقولون لنا: أكلها الذئب… وحدها من اختارت مصيرها.
لكننا نعرف، كما عرف يعقوب، أن الذئب بريء، وأن الكذب له دمٌ لا رائحة له. نعرف أن الذئب لم يأكل يوسف، وأن ما يحدث لغزة ليس قدَرًا ولا سوء حظ، بل نتيجة خذلان ممن كان يجب أن يكونوا السند، فإذا بهم يفتحون الأبواب للعدو، أو يغلقونها في وجه الجريح.
يوسف صبر، وسُجن ظلمًا، لكنه خرج يومًا وأصبح عزيز مصر. وغزة أيضًا، رغم جراحها، ستخرج من بئر الحصار أقوى، وستبقى عصيّة على الانكسار. لأن فيها من يوسف براءة الصدر، وصبر القلب، وإيمان المظلوم أن العدل آتٍ لا محالة.
في زمنٍ أصبحت فيه الخيانة تُجمّل، والصمت يُبرر، والدم يُساء تأويله، تبقى غزة شاهدة، كقميص يوسف، على كذب من خان، وصدق من صبر.
قد تكون الخيانة قاسية، لكن العاقبة للمتقين، ولمن لم يُلقِ بإخوته في الجب، ولم يبعهم بثمن بخس.
وغزة، كما يوسف، تحفظ الوجوه، وتنتظر الفرج من ربّها، لا من إخوةٍ باعوا دمها بثمنٍ من ذهبٍ زائف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة