الرئيس الكازاخي: التعليم والذكاء الاصطناعي هما المحركان الرئيسيان لمستقبلنا

–
بقلم: الدكتور عبد الرحيم إبراهيم عبد الواحد
أستانا، كازاخستان – في خطاب حاسم أكد طموحات كازاخستان في أن تصبح قوة إقليمية رائدة في المعرفة والابتكار، حدد الرئيس قاسم جومارتتوكاييف رؤية وطنية جريئة، مؤكدا رؤية كازاخستان في أن تصبح مركزاً عالمياً للمعرفة والابتكار والتحول الرقمي، وأعلن عن تنفيذ برامج اجتماعية جديدة لضمان تكافؤ فرص الحصول على تعليم جيد، ودعا إلى تعزيز الصلة بين التعليم والعلوم والإنتاج الاقتصادي الحقيقي.
فمن خلال هذه الرؤية، تسعى أستانا إلى توطين التكنولوجيا ضمن التعليم، وتحويل الجامعات إلى مراكز إنتاج معرفي تخدم الاقتصاد الحقيقي وتفتح مجالات جديدة أمام الشباب.
ويؤكد الخطاب، في جوهره، أن مستقبل كازاخستان لن يُبنى على الموارد الطبيعية فقط، بل على العقول المبدعة والقدرة على توظيف العلم في خدمة التنمية المستدامة— وهي رسالة تتناغم بوضوح مع ملامح رؤية كازاخستان 2030 نحو دولة عصرية رقمية، رائدة في المنطقة.
وفي كلمته خلال المنتدى الدولي الثاني للشركاء الاستراتيجيين “كازاخستان – أرض المعرفة الأكاديمية”، دعا الرئيس إلى تعميق التعاون العالمي في مجال التعليم العالي، وتوسيع فرص الحصول على تعليم عالي الجودة، وتسريع الإصلاحات الرقمية لضمان مكانة كازاخستان في اقتصاد المعرفة العالمي الناشئ.
يأتي خطاب الرئيس توكاييف في لحظة مفصلية من مسار التحول الوطني في كازاخستان، إذ يعبّر عن انتقال الدولة من مرحلة الإصلاح المؤسسي إلى بناء اقتصاد المعرفة المتكامل، القائم على الابتكار والذكاء الاصطناعي والانفتاح الأكاديمي العالمي.
جمع هذا الحدث رفيع المستوى رؤساء جامعات ووكالات تصنيف عالمية رائدة، بما في ذلك مؤسسة QS، وجامعة MGIMO، وجامعة بكين للغة والثقافة، وجامعة كارديف، وجامعة ووسونغ، وجامعة مينيرفا، ومعهد موسكو للهندسة الفيزيائية، مما سلط الضوء على الدبلوماسية الأكاديمية المتنامية لكازاخستان واندماجها في المشهد التعليمي العالمي.
زيادة ثلاثية في تمويل التعليم وإصلاح سياسة العلوم
وأكد الرئيس توكاييف أن التعليم والعلوم يمثلان أولوية وطنية عليا وركيزة أساسية لازدهار كازاخستان على المدى الطويل، مشيرا إلى أن تمويل الدولة للقطاع تضاعف ثلاث مرات منذ عام 2019، مما أتاح للجامعات مزيدًا من الاستقلالية والتوسع في القدرات البحثية.
كما أُقِرَّ توكاييفقانون جديد للعلوم والسياسة التكنولوجية لتحديث الإطار التشريعي للابتكار، وأُنشئ المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا برئاسة رئيس الجمهورية ليكون منصة لتنسيق ودعم التطور العلمي، مع تركيز خاص على تشجيع الباحثين الشباب، وقال: «إن التعليم والعلوم هما القوتان القادرتان على تغيير العالم، ويجب على جامعاتنا أن تتكيف مع متطلبات العصر سريع التحول».
وأشار الرئيس إلى أن خمس جامعات كازاخية دخلت مؤخرًا تصنيف Times Higher Educationالعالمي، واصفًا ذلك بأنه إنجاز وطني مهم.
صناديق تعليمية وطنية
وأعلن الرئيس عن إطلاق برنامجين وطنيين يهدفان إلى ضمان المساواة في الوصول إلى التعليم الجيد.
الأول هو صندوق الأطفال الوطني، الذي يخصّص 50% من عائدات الاستثمارات السنوية للصندوق الوطني لحسابات شخصية لكل طفل في كازاخستان.
أما الثاني فهو نظام الادخار التعليمي “كيليشِك“، الذي يتيح للأسر ادخار أموال لتعليم أبنائها مدعومة بحوافز حكومية وأرباح استثمارية.
وقال توكاييف إن هذه المبادرات «تعكس عزمنا على ضمان حصول كل طفل – بغض النظر عن خلفيته – على تعليم حديث عالي الجودة».
تعزيز الشراكات الأكاديمية العالمية
أوضح الرئيس أن كازاخستان أقامت شراكات مع 40 جامعة عالمية رائدة وافتتحت 33 فرعًا لجامعات أجنبية داخل البلاد، تقدّم برامج تعليمية باللغات الإنجليزية والروسية والصينية، مع إلزام جميع الطلاب بدراسة اللغة والتاريخ الكازاخيَّين لتعزيز الهوية الوطنية.
وقال توكاييف: «إن التعدد اللغوي في التعليم هو مفتاح الانفتاح والتنافسية، للأفراد والمؤسسات والدول على حد سواء، ونحن نتخذ خطوة واعية نحو الاندماج في الفضاء الأكاديمي العالمي».
ويبلغ عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون في كازاخستان حاليًا أكثر من 31 ألف طالب، فيما تخطط الحكومة لرفع العدد إلى 100 ألف بحلول عام 2029 عبر تبسيط إجراءات التأشيرات، وتحسين ظروف الدراسة، وإطلاق برامج توظيف للخريجين الأجانب.
وأضاف الرئيس أن افتتاح فروع الجامعات الأجنبية يتماشى مع هدف كازاخستان في تعزيز التعليم الهندسي وتكنولوجيا المعلومات، كما أكد أن تأهيل الكوادر في مجال الطاقة النووية يمثل أولوية وطنية – وهو ما أكده أيضًا رئيس جامعةMEPhIفلاديمير شيفتشينكو خلال المنتدى.
الذكاء الاصطناعي محرك استراتيجي للتنمية الوطنية
وخصّ الرئيس توكاييف جانبًا واسعًا من كلمته لموضوع الذكاء الاصطناعي ودوره في التعليم والاقتصاد.
وأشار إلى التوقعات العالمية التي تفيد بأن مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي ستتجاوز 15 تريليون دولار بحلول عام 2030، مؤكدًا أن كازاخستان عازمة على الاستفادة من هذا التحول التاريخي.
وقال: «إن تطوير وتكامل تقنيات الذكاء الاصطناعي يمثلان إحدى أعلى الأولويات الاستراتيجية لكازاخستان، وإن الاستثمار في التعليم والعلم هو استثمار في مستقبل أكثر إشراقًا».
واستعرض الرئيس نجاح برنامج “AI-Sana”الذي أتمّه أكثر من 540 ألف طالب، موضحًا أن مقررات الذكاء الاصطناعي أصبحت إلزامية في جميع المدارس والجامعات، وأن العمل جارٍ لتأسيس جامعة متخصصة في تكنولوجيا المعلومات.
كما أعلن عن إطلاق مشروع تجريبي لتطبيق أدوات تعليمية تعتمد على ChatGPT، في أعقاب الاتفاقات المبرمة مع شركة OpenAI، بهدف تسريع التحول الرقمي في منظومة التعليم.
وأوضح أن هذه الخطوات تمثل انتقال كازاخستان نحو نظام تعليمي رقمي بالكامل، وتجسد طموحها في أن تكون جزءًا فاعلًا من اقتصاد المعرفة العالمي.
الربط بين التعليم والاقتصاد الحقيقي
شدد الرئيس توكاييف على ضرورة ربط التعليم والبحث العلمي بالاقتصاد الواقعي، مشيرًا إلى أن الشراكة بين جامعة كوزيباييف وجامعة أريزونا أثمرت عن تطوير تقنية لتحويل الكبريت إلى بوليمرات مبتكرة، وهو مشروع مهم لدولة غنية بالموارد مثل كازاخستان.
وقال الرئيس: «يجب أن يسير التعليم والعلم جنبًا إلى جنب مع الصناعة، فهذه الشراكة تضمن أن لا يقتصر دور جامعاتنا على إنتاج المعرفة فحسب، بل على خلق قيمة مضافة للمجتمع والاقتصاد».
رؤية لمستقبل قائم على المعرفة
اختتم الرئيس كلمته بالتأكيد على أن كازاخستان تسير بثبات نحو التحول إلى دولة متقدمة تكنولوجيًا ومبنية على الابتكار، وقال: “الجامعات القوية هي مصانع المستقبل، حيث تولد الأفكار وتُكسر الحواجز. وسنواصل الاعتماد على التعليم والعلم كأساس لبناء كازاخستان نظيفة وآمنة وقوية، وبفضل شراكاتها الدولية المتنامية وإصلاحاتها العلمية وريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي، تضع كازاخستان نفسها اليوم كجسر معرفي بين الشرق والغرب، وكنموذج إقليمي في بناء اقتصاد المعرفة المستدام”.


