السياسة الخارجية السلمية لكازاخستان…نموذج للحوار والاستقرار والتعاون العالمي

بقلم: د. عبد الرحيم عبد الواحد
أستانا – دبي: في عالمٍ غالبًا ما تشوبُه الاضطرابات والتحولات الجيوسياسية، تبرز جمهورية كازاخستان كمنارةٍ للدبلوماسية والسلام الراسخ، بموقعها الاستراتيجي بين آسيا وأوروبا. وقد رسّخت هذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى هويةً فريدةً ليس فقط من خلال مناظرها الطبيعية الخلابة وتراثها الثقافي الغني، بل أيضًا من خلال التزامها الراسخ بتعزيز الوئام العالمي.
عندما نتعمق في السياسة الخارجية لكازاخستان، نجد سردًا منسوجًا بخيوطٍ سلميةٍ من التعاون والدبلوماسية، وتفانيًا عميقًا في الحفاظ على علاقاتٍ سلميةٍ مع جيرانها وما وراءها. من قلب أوراسيا، تُعدّ مسيرة كازاخستان على الساحة الدولية شهادةً على القوة التحويلية للدبلوماسية الاستباقية والمشاركة الاستراتيجية. بالنظر بعمق في سياستها الخارجية، يمكننا التأكد من استكشاف كيف ساهمت مبادرات كازاخستان في السياسة الخارجية السلمية في تشكيل الاستقرار الإقليمي، وتعزيز التنمية المستدامة، وإرساء سابقة للحوار البنّاء في عالم مترابط.
التخلي عن السلاح النووي
ومن أهم هذه النقاط نزع السلاح النووي وقيادة جهود منع الانتشار النووي، والتي بدأتها السياسة الخارجية السلمية لكازاخستان بقرار تاريخي بالتخلي عن رابع أكبر ترسانة نووية في العالم ورثتها من الاتحاد السوفيتي. في عام 1991، أغلقت كازاخستان موقع سيميبالاتينسك للتجارب النووية وتخلت طواعيةً عن أسلحتها النووية، مُشكلةً سابقة عالميةً بارزة.
كما أنشأت الدولة اليوم الدولي لمناهضة التجارب النووية (الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 2009)، واستضافة بنك اليورانيوم منخفض التخصيب التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية في أوست كامينوغورسك، والدعوة إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية.
الدعم السلمي للتنمية المستدامة
في الوقت نفسه، اعتمدت جمهورية كازاخستان، منذ استقلالها عام 1991، سياسة خارجية سلمية متميزة متجذرة في الدبلوماسية والتعددية والتعاون الدولي. وبصفتها دولة غير ساحلية في قلب أوراسيا، تدرك كازاخستان أن أمنها وازدهارها يعتمدان على الحفاظ على علاقات مستقرة مع جيرانها والانخراط بشكل بنّاء مع المجتمع الدولي الأوسع. على مدى العقود الثلاثة الماضية، برزت كازاخستان كمدافع عالمي عن السلام ونزع السلاح والتنمية المستدامة والحوار بين الثقافات. توضح هذه المقالة النطاق الشامل لسياسة كازاخستان الخارجية السلمية وكيف تساهم في الاستقرار الإقليمي والوئام العالمي.
وقد اتخذت كازاخستان العديد من الإجراءات الإضافية لتعزيز سياستها الخارجية السلمية، وتعزيز التعاون الإقليمي والعالمي، والمساهمة في التنمية المستدامة،وفيما يلي قائمة موسعة بالإجراءات والمبادرات الملموسة:
علاقات متوازنة
أولاً، يمكننا القول إن السياسة الخارجية الكازاخستانية “متعددة الاتجاهات” تضمن علاقات متوازنة مع القوى العالمية الكبرى، بما في ذلك روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الإسلامية. وقد مكّن هذا النهج المتوازن كازاخستان من العمل كوسيط محايد في النزاعات الدولية والإقليمية.وفي الوقت نفسه، وخلال الحرب الروسية الأوكرانية، حافظت كازاخستان على موقف محايد، وأكدت دعمها لوحدة أراضي أوكرانيا، ودعت إلى مفاوضات سلمية. وامتنعت عن الاعتراف بالمناطق الانفصالية، مع مواصلة الحوار مع كل من موسكو وكييف.
وعالميًا، وفي عام 2017 تم انتخاب كازاخستان عضوًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي أول دولة من آسيا الوسطى تحظى بهذا المنصب، لدورها البارز وسياستها الخارجية السلمية المميزة والفعالة. كما استجابة للمتطلبات الإنسانية العالمية والتضامن في مواجهة كوفيد-19، حيث تبرعت بمعدات الوقاية الشخصية والإمدادات الطبية والمساعدات المالية خلال جائحة كوفيد-١٩ إلى: قيرغيزستان، طاجيكستان، أفغانستان، والعديد من الدول الأفريقية والآسيوية، ودافعت عن التوزيع العادل للقاحات في الأمم المتحدة، وأظهرت تضامنًا عالميًا في ظل الأزمة العالمية.
قضايا الشرق الأوسط والعالم الإسلامي
وحول قضايا السلام في الشرق الأوسط، استضافت كازاخستان جولات متعددة من محادثات أستانا للسلام بشأن سوريا، مما سهّل الحوار بين إيران وروسيا وتركيا وجماعات المعارضة السورية. وأصبحت عملية أستانا آلية مكملة لمحادثات جنيف التي تقودها الأمم المتحدة، كما دعت كازاخستان إلى السلام في فلسطين وعززت اقتراحات حل الدولتين في إطار القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
وحول سياسة كازاخستان السلمية في قضايا العالم الإسلامي،أسست مؤتمر زعماء الأديان العالمية والتقليدية، الذي يُعقد كل ثلاث سنوات في أستانا منذ عام 2003، فيما تتعاون بنشاط مع كل من منظمة التعاون الإسلامي (OIC) والمنظمات الغربية مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتعزز التفاهم بين الدول الإسلامية والغرب، والمصالح العربية الإسلامية والأوراسية، وتضع كازاخستان في موقع الصوت المحايد الذي يعزز الوئام بين الشرق والغرب.
جهود دولية
ولم تغفل السياسة الخارجية الكازاخية، قضية الوساطة في النزاعات الإقليمية، والتي استضافتها كازاخستان منذ عام 2017، مما سهّل المفاوضات بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة والجهات الدولية المعنية مثل روسيا. وفي عام 2014، وفّرت كازاخستان منصة محايدة لمحادثات السلام بين أرمينيا وأذربيجان. وفي العام نفسه، أصبحت كازاخستان من القيادات في المنظمات الدولية، حيث ترأست العديد من المنظمات الدولية الرئيسية، بما في ذلك منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، ومنظمة الدول التركية (OTS)، ومؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا (CICA)، مما عزز التعاون والأمن الإقليميين.
تعزيز مصالح آسيا الوسطى
وليس ببعيد عن حدودها الجغرافية والتزامها بالاستقرار الإقليمي في آسيا الوسطى، تعمل كازاخستان بنشاط على تعزيز السلام والتعاون في آسيا الوسطى من خلال مبادرات مثل:قيادة دبلوماسية المياه وإدارة الموارد المشتركة مع قيرغيزستان وأوزبكستان والصين، واستضافة مبادرات المركز الإقليمي للأمم المتحدة للدبلوماسية الوقائية لآسيا الوسطى، والدعوة إلى مشاريع البنية التحتية والطاقة عبر الحدود.
وتعتمد السياسة الخارجية الكازاخية على مبدأ التعاون متبادل المنفعة والشراكة الاستراتيجية مع الدول المجاورة روسيا والصين ودول آسيا الوسطى والشركاء في التجمعات الدولية، مع الالتزام بالقانون الدولي الحديث وميثاق الأمم المتحدة.
المساعدات الإنسانية الدولية
ساهمت كازاخستان بأكثر من 700 فرد في مختلف بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك عمليات الانتشار في مرتفعات الجولان والصحراء الغربية وجمهورية أفريقيا الوسطى، وقدمت مساعدات إنسانية لدول مثل أفغانستان، بما في ذلك المساعدات الغذائية والمنح الدراسية وتطوير البنية التحتية.
وفي مجال العلاقات مع الأمم المتحدة، تعد كازاخستان داعمًا قويًا للأمم المتحدة، حيث استضافت العديد من فعاليات الأمم المتحدة ووكالاتها: يعمل مركز الأمم المتحدة الإقليمي للدبلوماسية الوقائية لآسيا الوسطى في عشق آباد بشكل وثيق مع كازاخستان بشأن الأمن المائي والتعاون عبر الحدود، كما استضافت قمة برنامج الأمم المتحدة الخاص لاقتصادات آسيا الوسطى في عام 2023.
سياسة متعددة الاتجاهات
ودائما يؤكد الرئيس الكازاخي قاسم جومارتتوكاييف إن بلاده ستواصل انتهاج سياسة خارجية بناءة ومتوازنة، مع الأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية، حيث تنتهج سياسة خارجية متعددة الاتجاهات، وتسعى إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع القوى العالمية المختلفة، ولا تنحاز إلى أي كتلة أو تحالف واحد، مما يسمح لها بالتعامل مع مجموعة متنوعة من الدول، كما أنها أعطت الأولوية باستمرار للالتزام بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ودعت إلى استخدام الوسائل السلمية والدبلوماسية في معالجة الصراعات التي لا تزال تتصاعد في جميع أنحاء العالم.
وفي الوقت نفسه، تبنى الرئيس في سياسته الخارجية استنادا على أنها متعددة الاتجاهات، تؤهلها لتكون مركزا دبلوماسيا يتعاون مع مختلف الدول والمنظمات، مما يعزز التعاون والحوار الدوليين، ويعكس خفة الحركة الدبلوماسية للأمة ويضعها كلاعب رئيسي في مواجهة التحديات في العالم المعاصر.
كما يؤكد الرئيس توكاييف على دور الزعماء الدينيين في بناء نظام جديد للأمن الدولي، معربا عن اعتزازه باستضافة كازاخستان لمؤتمر زعماء الديانات العالمية والتقليدية، وهي المبادرة التي قادتها البلاد منذ عام 2003، انطلاقا من مبدأ أن التحديات التي تفرضها التكنولوجيا الرقمية يتماشى مع جهود كازاخستان لتحقيق التوازن بين فوائد التقدم التكنولوجي والحاجة إلى الحفاظ على القيم الأخلاقية والإنسانية”.