الصبر والحلم /د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي

=

الصبر في اللغة: الحبس، وفي القرآن «فصبر جميل»؛ أي: الصبر الذي لا شكوى فيه ولا جذع. وأما الحلم لغةً: فمصدر حلم؛ أي: صار حليماً، ومادة حلم تدل على ترك العجلة.
ويكفي الصبر والحلم شرفاً وفضلاً أن الله تعالى تسمَّى بهما (الصبور، الحليم)، وهما كذلك من صفات الأنبياء عليهم الصلاة السلام.
ومن الأمثلة العظيمة على الصبر والحلم عند الأنبياء: صبر وحلم نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم على كفار قريش الذين آذوه وطردوه من بلده، فلما تمكن منهم لم ينتقم، بل قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، ولو كان حاملاً للحقد في قلبه، وكاتماً غيظه عليهم إلى أن تتاح له الفرصة، لأمر بقتلهم شر قتلة، لكن أخلاق الأنبياء تأبى ذلك.
وأحياناً يتعرض رب العمل أو المسؤول لبعض المواقف من بعض العاملين والموظفين أو المراجعين الذين قد يثيرونه بالانتقاد أو الاعتراض، سواء كان ذلك بشكل فردي أو جماعيّ، وسواء كان ذلك في مقابلة فردية أو في اجتماعٍ رسميّ، وفي هذه الحالة إما أن يفقد المسؤول أعصابه فيثور ويبدأ بالدفاع أو الهجوم، وهذا الموقف فيه الكثير من السلبيات، ومنها: أن يتحوّل النقاش إلى خلاف شخصيّ لا علاقة له بالعمل، أو أن يخسر المسؤول في هذا الموقف الاختباري أمام الآخرين كقدوة.
لذا، فإن المنتظر من كل مسؤول أو صاحب عمل أن يكون صبوراً حليماً لا يستجيب لاستدراج الآخرين لإغضابه، والأسلوب الأمثل لتحقيق تلك الأخلاق الرفيعة، هو: أن يتذكر أنه قدوة للموظفين والعاملين، وكما يحب أن يكون موظفوه ناجحين، فعليه من باب أولى أن يصبر ويحلم عليهم، وعليه أيضاً أن يناقش موضوعات الخلاف بموضوعية وتجرُّد، وأن يقبل كل نقدٍ صحيحٍ وبناء، ولو كان فيه إبراز خطأٍ وقع المسؤول فيه، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، كما يجب عليه تذكر أن المؤمن مرآة أخيه المؤمن، فربما كان هذا الناقد قاصداً للخير بتقويم هذا المسؤول لكنه أساء الأسلوب، فالرؤية يجب أن تتوجَّه إلى الموضوع لا إلى الأسلوب، فالموقف الصحيح هو الصبر والحلم على المخطئ أو الناصح، وتقبُّل النصيحة والنقد، وتوجيه الناصح والناقد لتحسين أسلوبه.
وما يقال في صاحب العمل والمسؤول يجب أن يقال في الموظف الذي يواجه المراجعين وأصحاب الحاجات، وكثيراً ما نرى النزاعات ونسمع الأصوات المرتفعة في بعض الدوائر الحكومية والمؤسسات والشركات الأهلية بين الموظفين والمراجعين نتيجة عدم الالتزام بخلقي الصبر والحلم.
لذا، فإنه يجب على الجميع مسؤولين وموظفين أن يتحلوا بخلقي الصبر والحلم، كما أنه من الضروري إدراج هاتين الصفتين الجميلتين وبقية الصفات الجليلة في الدورات الإدارية التي تعطى للموظفين والإداريين، وفي مناهج معاهد التدريب في المؤسسات والشركات، لما لها من أثر ناجح وفعَّال في أداء الإدارة ومنسوبيها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهلمنا جميعا خلقي الصبر والحلم في كل أمور حياتنا ومع كل من نتعامل معه، وألا يحرمنا من هذين الخلقين الكريمين.

 

 

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة