الصناعات الثقافية.. غياب الوعي بأهميتها وضعف التمويل

بينما تزايد حضور الاقتصاد الثقافي والصناعات الإبداعية في السنوات الأخيرة، يؤكد خبراء أن استغلال وتطوير هذا النوع من النشاط بات ضروريا لرفد الاقتصاد الوطني المتعطش للمزيد من الموارد.
وربما يكون سهلا لأي دولة أن تسخر المنظومة الثقافية لتحقيق فوائد اقتصادية كبيرة، عبر استثمار مختلف أشكال النشاط الثقافي من حرف يدوية وفنون وسينما ونشر، وغيرها من المنتجات الإبداعية في تحقيق عوائد ودخل مالي مباشر.
لكن الأمر يتطلب انتباها ومتابعة لتطوير هذا الاقتصاد، وتنظيمه حتى يزداد حضورا بين القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
ويعتبر خبراء أن الاقتصاد الثقافي، وما يحتويه من صناعات إبداعية ومنتجات ثقافية، ممكن له ان يرفد بعوائده وانتشاره صناعات أساسية أخرى في المملكة، كصناعة السياحة بجوانبها المتعددة، ثقافية وعلاجية وطبيعية وتاريخية، حيث تتوفر في الأردن مواهب وبيئة جيدة لهذا النوع من الاقتصاد.
ويرى الخبراء، أن هناك غيابا أردنيا في الوعي الحقيقي، بمدى أهمية الاستثمار في الصناعات الإبداعية، وضرورة ولوجها في الخطط والاستراتيجيات الاقتصادية الوطنية، إضافة إلى غياب الدعم والتمويل اللازم لكثير من القطاعات الناشطة في هذا المضمار مما يضيع فرصا اقتصادية هامة.
وتعرف مجلة هارفارد بزنس ريفيو، الاقتصاد الثقافي أنه هو أحد الفروع الحديثة لعلم الاقتصاد التي ظهرت في التسعينيات من القرن الماضي، كأحد مكونات الاستدامة الاقتصادية القائمة على إبداعات البشر في المجالات الإجتماعية والبيئية والثقافية.
ويشير أحد التقارير الصادرة عن “إيرنست آند يونغ” للابحاث، أنه من المتوقع ان يصل سوق الصناعات الثقافية والإبداعية العالمي خلال السنوات القادمة إلى اكثر من تريلوني دولار، مما يوفر 29.5 مليون وظيفة عالميا وفي منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، ومن المتوقع ان يبلغ سوق الصناعات الثقافية والإبداعية نحو 58 مليار دولار، مما يوفر نحو 2.4 مليون وظيفة جديدة وهو ما يعادل 1.1 % من الناتج المحلي لهذه المنطقة.
ويؤكد الباحث في الاقتصاد الإبداعي عبدالله احمد التميمي، أن استغلال المهارات الإبداعية والثقافية المختلفة من حرف يدوية، وفنون، ونشر، وترفيه، والاستثمار بها، يشكل مورد دخل وتشغيل مهمن تبحث عنه كل الدول وبات اليوم اقتصادا قائما بذاته على أرض الواقع.
ولفت التميمي، إلى أن هناك عدم وعي حقيقي أردنيا، بمدى أهمية الاستثمار في الصناعات الإبداعية وضرورة تضمنيها في الخطط، والاستراتيجيات الاقتصادية الوطنية.
وأوضح أن مهرجان جرش، وسوق جارا للحرف إحدى أشكال الاقتصاد الثقافي الناجحة في الاردن، والتي كان لها دور مهم في الجذب السياحي، إذ يمكن اتخاذ هذين النموذجين مثالا حول أهمية الاقتصاد الثقافي.
ودعا التميمي إلى ضرورة استثمار المواهب الثقافية والفنية التي يزخر بها الأردن، وتقديم التأهيل الرقمي والتكنولوجي للمنخرطين في الصناعة الإبداعية إضافة إلى تقديم التسهيلات الممكنة لهم لتمكينهم من تسويق منتجاتهم ضمن أكبر مستوى انتشار ممكن.
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي زيان زوانة، أن الاقتصاد الثقافي وما يحتويه من صناعات، يمثل أحد جوانب اقتصاد الخدمات حيث أن هذه الصناعات الثقافية(دور نشر، والافلام والمسارح، الحرف اليدوية) ترفد بعوائدها وانتشارها صناعات أساسية أخرى في المملكة، كصناعة السياحة بجوانبها المتعددة ثقافية وعلاجية وطبيعية وتاريخية
وأكد زوانة أن الاقتصاد الثقافي يحتاج إلى إدارة مركزية تعمل على تطويره، ضمن استراتيجية أساسية ترتبط بتاريخ الأردن وما لديه من موارد طبيعية وبشرية، وتوظيفها مجتمعة لتخدم استراتيجية جذب الاستثمار، وتوفير فرص عمل شديدة التنوع، والندرة في الأردن والمنطقة، ما يجعل من عملية خطط التطوير هذه رافعة اقتصادية فعلية تحتاج لقليل من المال لاعدادها والسير بها.
بدوره، قال مدير خدمات الإنتاج في الهيئة الملكية لصناعة الأفلام، بشار ابو نوار إن “صناعة وإنتاج الأفلام لها مساهمة جيدة في دعم الاقتصاد الوطني على أكثر من بعد، سواء من خلال الترويج السياحي أو فرص التشغيل التي توفرها هذه الصناعة”.
وبين أبو نوار أن الأردن يملك بيئة مميزة، وبنية تحتية فنية، وتكنولوجية، لان يكون مركزا إقليميا لصناعة الأفلام، إضافة إلى توفره على كوادر بشرية محترفة في هذا المجال، حيث انه في السنوات الأخيرة، بات أحد الوجهات التصويرية والإنتاجية المهمة لصناعة الكثير من الأعمال العالمية، مستدركا بأن صناعة الأفلام على المستوى المحلي تواجه ضعفا في تمويل الإنتاج، مقارنة مع حجم التمويل الذي يتلقاه هذا القطاع في دول الخليج وغيرها في المنطقة.
وطالب ابو نوار بأهمية التوسع في تقديم الحوافز التي تشجع شركات الإنتاج العالمية، على تصوير أعمالها في المملكة إلى جانب أهمية دعم قطاع الإنتاج المحلي ليتمكن من المنافسة على مستوى المنطقة.
إلى ذلك، أشار رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين جبر ابو فارس، إلى أن قطاع النشر من القطاعات المهمة في صناعة الثقافة وتسويق منتجاتها من خلال المشاركة في المعارض المختلفة، ومنها الخارجية إذ يساهم ذلك في رفد الخزينة المحلية بالعملة الصعبة.
وكشف أبو فارس أن الأردن يعتبر الدولة العربية الأولى في صناعة الكتاب الأكاديمي، إضافة إلى انها رائدة في مجال مكتبة الطفل على المستوى العربي إذ يمكن تحقيق عوائد ثمينة منها في حال تقديم الدعم اللازم للقطاع.
ودعا أبو فارس إلى ضرورة الإلتفات إلى هذا القطاع، خاصة وانه تعرض لنكسة بعد جائحة كورونا وما نجم عنها من انتشار القرصنة الإلكترونية عن طريق تحويل الكتب إلى صيغة الـpdf، دون اذن مسبق مما انعكس سلبا على المبيعات إضافة إلى ارتفاع كلف الإنتاج خاصة الورق والأحبار عالميا.

عبدالرحمن الخوالدة/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة