العربده الإسرائيلية من قصف غزة الى استهداف قطر // محمد متعب احمد الفريحات

ضاعت السيادة ياسادة في ظل التجويع وحرب الاباده فأسرائيل وبدعم امريكي تقتل بلا رحمة وبلا هواده .
في قلب هذا العالم المتعب وعلى رقعة الارض التي شهدت اروع الحضارات تستمر اسرائيل في فرض واقع من التعدي بلا قيود . من غزة التي تنهار مبان وصرخات الى سماء قطر التي اخترقت يبدو ان السيادة تتهاوى امام منطق القوة وحده ، وان الغطرسة لا تعرف حدودا حينما تحظى بالتأييد او باللامبالاة الدولية .

لم تعد اسرائيل مجرد قوة احتلال ، صار فعلها سرطانا ينخر العظم ويقضم ما تبقى من ثقة وامن ، مشرطا باردا يقطع اوصال الوطن من الوريد للوريد دون تمييز . اما الردود الرسمية فتتحول في الغالب الى نصوص مدققة على سطور البيانات ، تصريحات ملفوفة بالعبارات الدبلوماسية ، ووعود تعلن بصخب اعلامي سرعان ما يتبدد مع اول صباح جديد . لكل بيت يهدم ، ولكل طفل يدفن ، تتأكد الحقيقة القاسية ، الكلمات وحدها لا تكفي .

الاعتداء الاخير على قطر لم يكن خرقا عابرا في السجل الامني ، كان اهانة لكل الاعراف التي يفترض انها تحمي فضاء الدول ، ورسالة مفادها ان لا بقعة آمنة ، وان القانون الدولي لا يطبق الا بشروط . المشهد الاصعب ان ردود الفعل بقيت حبيسة الخطابات المتقنة ، كأنها تمارين بلاغية تؤدى امام مرآة فارغة من اثر حقيقي .

تتكرر الدورة ، مجزرة ، تنديد ، اجتماعات ، صمت ، ثم مجزرة اخرى . دورة تسرق الامل وتنغص كل امكانية للثقة . الاحتلال يدرك تماما ان الفعل الغائب هو اقوى حليف له ، لذلك لا يتوانى عن دفع الحدود حتى يثبت ان لا ردع فعلي يقف في وجهه .

لكن المأساة هنا انسانية قبل كل شيء . الاطفال الذين فقدوا مآربهم ليسوا ارقاما في احصاء بارد ، هم قصص توقفت في منتصف الطريق . النساء الحائرات ، الوجوه المحروقة بخيبة الانتظار ، المنازل التي صار ذكرها جزءا من الماضي ، كلها مشاهد تعيدنا الى سؤال اولي ، كيف نحمي انساننا قبل ان نحمي حدودنا .

التاريخ يخبرنا ان الظلم قد يطول ، لكنه لا يدوم الى الابد . قوى بدت لا تقهر تهاوت امام ارادة الشعوب في ازمنة سابقة ، والذاكرة الوطنية قد تعود لاهلها من خلال يقظة جماعية وصوت موحد لا يكتفي بالنداء . ما يسقط اليوم من دم قد يغدو غدا بذرة مقاومة او اشراقة وعي .

امام هذا الواقع ثلاثة مسارات . اما الاستمرار في عزلة الكلام وهامشية الخطابات ، او الانخراط في فعل واضح يفرض حسابا حقيقيا ، او البحث عن سبل جديدة لمساءلة العالم واعادة بناء توازن داخلي وقوى اقليمية تستطيع حماية المقدسات والناس . اما الخيار الثالث فليس سهلا ، لكنه الطريق الوحيد لاستعادة الكرامة .

تفترض الحرية اليوم اكثر من بيانات ، تفترض عملا مؤسسيا ، وقرارا داخليا ، وتعبئة للضمير العام ، وتخطيطا طويل المدى . هناك من يراهن على الزمن ، وهناك من يختبر الصمت . السؤال الذي يبقى معلقا فوق كل بيت مدمر هو ، هل سنشهد على التاريخ ونحن مكتوفو الايدي ، ام سنحول الالم الى فعل يسترد للانسان كرامته ولقيمته مكانها .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة