العقبة تنطلق في زراعة “البابايا” وسط آمال بجدوى اقتصادية مستدامة

العقبة- شهدت العقبة خطوة إستراتيجية تهدف إلى تعزيز التنوع الزراعي وتحقيق جدوى اقتصادية مستدامة، حيث أطلقت المؤسسة التعاونية الأردنية بالتعاون مع وزارة الزراعة مبادرة نوعية لتوطين زراعة 100 ألف شجرة بابايا في محافظة العقبة بحضور عدد من المزارعين وممثلي التعاونيات وخبراء الزراعة ليشهدوا لحظة فارقة في مسار التنمية الزراعية في الأردن.
وتشكل هذه المبادرة، نقطة تحول في التفكير الزراعي المحلي، وتفتح الباب أمام زراعة غير تقليدية تتماشى مع المناخ المحلي وتحقق جدوى اقتصادية ملموسة وتحمل في طياتها وعودا اقتصادية واجتماعية.
وتعد شجرة البابايا فاكهة استوائية تنتمي إلى عالم النباتات الاستوائية، وتعرف بجمالها الفريد وسرعة نموها، مما يجعلها من أكثر الأشجار جذبا للمزارعين في المناطق الحارة كما هو مناخ العقبة والأغوار، كما أن جذعها الطري المجوف يحمل أوراقا كبيرة تشبه المروحة، تتوزع في الأعلى بشكل تاج أخضر، بينما تتساقط الأوراق السفلية تدريجيا مع مرور الوقت.
ولا تحتاج هذه الشجرة إلى سنوات طويلة لتثمر، بل تبدأ بإنتاج الثمار خلال أقل من عام من زراعتها، وهي ميزة نادرة في عالم الأشجار المثمرة.
يقول خبراء زراعيون إن العقبة بمناخها الدافئ وتربتها الرملية تحمل إمكانيات كامنة تنتظر من يكتشفها ويستثمر فيها زراعيا، خاصة أن العقبة من المناطق الحارة وتنتج بسرعة، وتملك قيمة غذائية واقتصادية عالية.
وبين المزارع محمد الحويطات أن شجرة البابايا تفضل المناخ الدافئ، وتزدهر في درجات حرارة تتراوح بين 20 إلى 30 درجة مئوية ولا تتحمل الصقيع، وتحتاج إلى ضوء شمس مباشر لا يقل عن ست ساعات يوميا، وهو متوفر في مناطق وادي عربة والقويرة التي تمتلك تربة مثالية، مما يجعلها خيارا طبيعيا للزراعة. وهي لا تحتاج إلى رعاية معقدة، لكنها تتطلب متابعة مستمرة في مراحل النمو الأولى لضمان إنتاج ثمار عالية الجودة.
تستخدم في صناعات متعددة
وأشار إلى أن شجرة البابايا تعد من المحاصيل الواعدة اقتصاديا وسريعة النمو، وتثمر بسرعة، وتستخدم في صناعات كثيرة، مما يمنحها قيمة سوقية مرتفعة، ويمكن بيعها طازجة في الأسواق المحلية أو تصديرها إلى الخارج، خاصة أن الطلب العالمي على الفواكه الاستوائية في تزايد مستمر، وتدخل في صناعة العصائر والمربى والحلويات ومستحضرات التجميل، ما يفتح أمام المزارعين أبوابا متعددة للدخل.
أما المزارع أحمد الزوايدة، فأشار إلى أنه كمزارع استغرب في البداية الفكرة وزراعتها في الأردن، لكن بعد أن سمع من الخبراء وشاهد نماذج ناجحة في مناطق مشابهة بدأ يؤمن أن هذه الزراعة ممكنة بل ومربحة، مؤكدا أن المزارع بحاجة إلى دعم فني ومالي وتدريب على كيفية العناية بهذه الأشجار، وإذا توفرت هذه الأدوات فهو مستعد لزراعة البابايا.
ويقول المزارع محمود النجادات إن زراعة البابايا تساهم في تحسين جودة التربة وتوفير ظل طبيعي وتقليل الاعتماد على الري المكثف مقارنة بمحاصيل أخرى، كما أنها تسهم في تنويع الغطاء النباتي وتعزز من استدامة الزراعة في المناطق الحارة. وجودها في الحقول يضيف لمسة جمالية ويخلق بيئة زراعية أكثر توازنا، مؤكدا أن البابايا يمكن أن تكون مشروعا صغيرا يحمل أثرا كبيرا لدى الأسر المنتجة والتعاونيات، وأن النساء الريفيات يمكن أن يستفدن من هذه الزراعة سواء عبر بيع الثمار أو تصنيع منتجات مشتقة منها.
وأشار إلى أن هذه الشجرة لا تحتاج إلى مساحات واسعة، ويمكن زراعتها في الحدائق المنزلية أو الأراضي الصغيرة، ما يجعلها مناسبة للمزارعين الصغار.
وبين المزارع محمد الموسى أن التحديات التي قد تواجه زراعة البابايا تشمل الحاجة إلى تدريب المزارعين على أساليب العناية بها وتوفير الشتلات الجيدة وضمان وجود سوق مستقر لتصريف الإنتاج، وهي بحاجة إلى دعم فني مستمر ومتابعة من الجهات المختصة لضمان نجاح التجربة وتحقيق العائد المرجو منها.
مردود اقتصادي كبير
ووفق مدير تعاون العقبة أحمد الحويطات، وهو أحد أصحاب فكرة هذه المبادرة، فإن هذه المبادرة تستهدف التعاونيات والأسر المنتجة ومؤسسات المجتمع المدني بهدف تمكينها من دخول عالم الزراعة الحديثة وتحقيق دخل مستدام وتعزيز الإنتاج المحلي.
ويضيف الحويطات أن هذه الخطوة تتزامن مع الاحتفال بالسنة الدولية للتعاونيات 2025، وبعد إقرار قانون التعاونيات رقم (13) لسنة 2025، الذي يمنح القطاع التعاوني أدوات جديدة للتمكين والنمو.
من جهته، قال مدير زراعة العقبة ثائر الرواجفة إن مديرية الزراعة تدعم المزارعين لزراعة شجرة البابايا، مشيرا إلى إمكانية استثمارها من قبل المزارعين لمردودها الاقتصادي الكبير.
وأكد الرواجفة أن شجرة البابايا شجرة ذكية وتنمو بسرعة وتثمر خلال أقل من عام، وتتحمل درجات الحرارة العالية كما في العقبة التي تقدم لها بيئة مثالية، وإذا تم الاعتناء بها جيدا يمكن أن تصبح مصدر دخل ثابت للمزارعين، بل وتفتح بابا للتصدير، وما يميز البابايا أيضا هو استخدامها في الصناعات الغذائية ومستحضرات التجميل وحتى في الطب الشعبي، ما يجعلها فاكهة متعددة الاستخدامات وقابلة للتسويق داخليا وخارجيا.
وبحسب دراسة أولية أعدتها وزارة الزراعة، فإن زراعة البابايا يمكن أن توفر مصدر دخل جديدا لأكثر من 500 أسرة في العقبة خلال السنوات الثلاث الأولى، وتخلق فرص عمل في مجالات الزراعة والتسويق والتصنيع الغذائي، وتقلل من الاعتماد على المحاصيل التقليدية ذات العائد المحدود، وتساهم في تحسين الأمن الغذائي المحلي من خلال إنتاج فاكهة غنية بالفيتامينات. وهي زراعة ذكية تتماشى مع التغيرات المناخية وتحقق عائدا اقتصاديا، خاصة في مناطق مثل العقبة التي تتمتع بخصائص مناخية فريدة.
ومن أبرز ما يميز هذه المبادرة تركيزها على التعاونيات باعتبارها أدوات تمكين مجتمعي، فبدلا من أن تكون الزراعة حكرا على المستثمرين الكبار، تسعى المؤسسة التعاونية إلى إشراك المجتمعات المحلية وتمكينها من امتلاك أدوات الإنتاج.
وكانت المبادرة قد أقيمت تحت رعاية محافظ العقبة أيمن العوايشة، لزراعة شجرة البابايا بدعم من الشركة الكونية الزراعية التي تكفلت بتوفير 100 ألف شتلة لتوزيعها في مختلف مناطق المحافظة، وبحضور مديرها العام المهندس سامح سالم وبالتعاون مع مديرية زراعة العقبة. وتتضمن المبادرة تأمين توزيع 100 ألف شتلة من شجرة البابايا على التعاونيات والأسر المنتجة ومؤسسات المجتمع المدني في عدد من مناطق العقبة لزراعتها، نظرا للجدوى الاقتصادية والتنموية المترتبة عليها.
أحمد الرواشدة/الغد