الغزيون يواجهون تهجيرهم بالصمود أمام آلة الاحتلال العسكرية المتوحشة

منذ أن استفاق الاحتلال من صدمة كسر صورته في عملية “طوفان الأقصى” التي أكدت على هشاشة قلعته التي ظل يتفاخر بقوتها وصلابتها، فتح نيرانه على الفلسطينيين من دون تمييز بين طفل وامراة او كهل او شاب، كما فتح فمه، ليتحدث عن ضرورة فتح ممرات آمنة لسكان قطاع غزة، سعيا منه لتهجيرهم، الى شبه جزيرة سيناء المصرية، أو حشرهم في جنوب القطاع، في خطوة تنبئ بوجود مخطط مسبق، رسمته سياسات التهجير الاحتلالية التي ارتكبتها عصاباته منذ العام 1948 بحق الفلسطينيين.

وإذ يعتقد الاحتلال الصهيوني، بأن تهجير الفلسطينيين، سيحقق له الأمن والأمان، ويعزز من يهودية الدولة و”نقائه الديني”، فإنه يواجه اليوم، برفض لهذه المخططات التي تستند على ما يسمى بـ”صفقة القرن”، معتبرا بأن عمليات تهجير الفلسطينيين، خلاص له من الخوف المستمر الذي لا يتوقف على أمنه، وتقوقعه داخل قلعته الهشة، ما يرفع وتيرة شعوره بعدم الاطمئنان وسط محيط عربي يرفضه، حتى تحت اعتقاده بأن هناك قبولا له من بعض أجزاء هذا المحيط، كما يتوهم، فرضته اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية.

دعوات التهجير الاحتلالي للفلسطينيين من أراضيهم، تأتي في وقت تتصاعد فيه حربه على غزة ومقاومتها، لكن هذا لم يمنع من تصاعد ردود فعل دول عربية مجاورة لفلسطين المحتلة، على ما ينويه الاحتلال من أعمال تهجير لفلسطينيي القطاع، إذ حذرت مصر، الدولة العربية الوحيدة ذات الحدود المشتركة مع غزة، كما فعلت الأردن؛ المتاخمة للضفة الغربية المحتلة، من إجبار الفلسطينيين على ترك أراضيهم.
وتعكس هذا المخاوف العربية، من أن الحرب الدائرة الآن في القطاع، قد تؤدي إلى موجة جديدة من النزوح الدائم من الأراضي التي يريد الفلسطينيون بناء دولتهم المستقبلية عليها، وسط تأكيدات لمراقبين، بأن سكان غزة يرفضون الهجرة، لأن كل من هاجر من أرضه في كثير من قضايا الهجرة في فلسطين والعالم، لم يعد الى بلده، بل بقي في البلد الجديد الذي حط رحاله مهاجرا فيها.
وخلال لقائه أول من امس، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حذر جلالة الملك عبدالله الثاني من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية، أو التسبب بنزوحهم، مشددا على عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار ومفاقمة قضية اللاجئين.
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية د. محمد مصالحة، قال إن تلويح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بتغيير خريطة المنطقة، وهو بطل العدوانات والحروب على فلسطين والعرب في المنطقة، وأن ما يمارسه وطاقمه الفاشي في الحكومة من ذبح للمدنيين في القطاع، ومحاولاته تهجير أبنائه الذين يقطنون المناطق الشمالية فيه، إلى جنوبه لتسهيل غزوه البري الى الشمال الغزي.
وأضاف مصالحة، أن قوات الاحتلال دمرت معبرا قائما بين فلسطين ومصر “ومنعت وصول اي شحنات إغاثه من مصر الى القطاع، وفي الضفة الغربية قتلت وأعدمت عشرات المواطنين الأيام الماضية”.
وبين أن المراقبين والمحللين، يقرأون مواقف وتصريحات مسؤولي الحكومة الاحتلالية الفاشية في تل أبيب، ويدركون أنها تعمل بوضوح  على تهجير الشعب الفلسطيني من غزه إلى سيناء، طبقا لما طرحته صفقة القرن، وهو ما أعلنت مصر عن رفضه جملة وتفصيلا، لأنه يعني تصفية قضية فلسطين على حساب دول الجوار العربية.
وأضاف؛ اليوم مصر وغدا الأردن، تليهما سورية ولبنان، وهو ما يشكل انتكاسة مهولة لجهود الأمم المتحدة لحل قضية فلسطين على ارض شعبها، وفقا للمقررات الشرعية الدولية، ومن غير الوارد قبول الشعب الفلسطيني بهذا المخطط الاجرامي، وانه سيبقي فوق تراب أرضه، ويرفض أي طرح يبعده عنها أيا كانت الكلفه التى ستلحق به.
وقال “كما أن الأردن بمواقفه الواضحة جهة الحفاظ على الحق الفلسطين، هو للأردنيين ولن يقبل بأن يكون وطنا بديلا، كما أن فلسطين للفلسطينيين وليست لوافدين من شتى أصقاع العالم، وإذا كانت إسرائيل عازمة على هذا المخطط الجهنمي، فهي تسعى الى حتفها، فهي لم تتمكن من تصفية قضية فلسطين خلال 75 عاما، ولم ولن تفلح إطلاقا، بدليل تجدد حروبها مع العرب، والانتفاضات والثورات الفلسطينية، التي تجدد في كل مرة رفض الفلسطينيين، لأي نوع من أنواع إبعادهم عن أرضهم، وآخر عملية طوفان الأقصى، دليل على أن الفلسطينيين لن يدعوا إسرائيل ترتاح حتى ينالوا حقوقهم كاملة.
وأشار مصالحة، الى أن دول الجوار العربي، ستأخذ على محمل الجد تخرصات نتنياهو، التي أطلقها حول ما سيجري من تحولات على خريطة المنطقة، وتعد نفسها وقوتها لما هو مقبل.
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، قال “ثارت الكثير من التكهنات بسبب طلب إسرائيل تهجير الجزء الشمالي من سكان غزة الى الوسط والجنوب”.
وأضاف، لقد “أثار هذا الطلب الإسرائيلي، كثيرا من المخاوف، لارتباطه بتاريخ القضية الفلسطينية التي شهدت موجات هجرات ولجوء ونزوح وغير ذلك، وأصبح هناك استحضار للتاريخ، بأن يتكرر المشهد على نحو مختلف هذه المرة، فيكون التهجير من غزة الى مصر، بأن ينزح مليون فلسطيني الى شبه جزيرة سيناء، او أن ينزح سكان الضفة الغربية إلى الأردن.
وأضاف، إن “هذا الخيار الذي يطرحه الاحتلال، اذا كان يعني النزوح او التهجير بشكل دائم، فهو يواجه تحديات، أبرزها أن الفلسطينيين حاليا، باتوا أكثر وعيا بما يتعلق بالهجرة عن أرضهم، لأن كل من هاجر من أرضه في كثير من قضايا الهجرة الفلسطينية او العربية والعالمية، لم يعد الى أرضه، بل بقي في البلد الذي هاجر اليه”.
وأضاف، أن الجانب الآخر في هذه القضية، يكمن في أن الدول العربية كالأردن ومصر- وهما دولتان معنيتان بموضوع قصة الهجرة الفلسطينية، بحكم التواصل الجغرافي والإنساني مع الأرض الفلسطينية، تقفان بقوه ضد أي موجة نزوح، لأن أي هجرة هي تهديد حيوي لاستقرار الدولتين، قد يؤدي الى تغيير جغرافي وديموغرافي، وقد أمر أي تهجير ايضا الى تغيير جذر للدول التي يجبر الفلسطينيون على الهجرة اليها”.
وقال شنيكات، إن اليمين المتطرف الإسرائيلي، يجد في الحرب فرصة لفرض قواعد جديدة تدفع الى إنتاج واقع جديد، لكني لا أعتقد بأنه سينجح بسبب اختلاف المشهد عن العامين 1948 خلال النكبة الفلسطينية و1967 إبان النكسة.
وقال د. علاء الخوالدة، إن الأمر بالنسبة للفلسطينيين يعيدنا الى أن فكرة رحيلهم وتهجيرهم أو إجبارهم على الخروج من أرضهم التي يتطلعون لإقامة دولتهم عليها، تحمل أصداء النكبة، عندما طرد كثير من الفلسطينيين من أراضيهم في حرب العام 1948 التي صاحبت قيام كيان الاحتلال.
وأضاف، أن القضية الفلسطينية تشهد حاليا منعطفا هو الأخطر في تاريخها، موضحا بأن هناك مخططا واضحا لخدمة الأهداف الإسرائيلية لتصفية الأراضي الفلسطينية المحتلة من أصحاب الأرض وسكانها، وإجبارهم على تركها بتخييرهم بين الموت تحت القصف الإسرائيلي أو النزوح للخارج.
وحذر الخوالدة من المخاطر المحيطة بتداعيات الأزمة الراهنة على ثوابت القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني، لافتا إلى أن مساعي تل أبيب للتخلص من مسؤولياتها تجاه سكان غزة قديمة ومتواصلة.
وأشار الى أن محاولات الاحتلال تفريغ وفصل غزة عن الضفة الغربية، يستهدف استبعاد القطاع من أي تسوية مستقبلية للنزاع الفلسطيني مع المحتل الصهيوني، موضحا بأن لفت الانتباه عن جوهر الصراع هو مصلحة  للاحتلال في الأساس.

 

وكالات

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة