القدس مرشحة للانفجار رغم وقف النار

 

الجمعة في الثانية فجرا بدأت أصداء الانفجارات بالانتقال من شرقي المدينة إلى غربها. آلاف سكان شرقي القدس خرجوا للاحتفال بما اعتبروه انتصارا لحماس في الجولة الأخيرة أمام إسرائيل. الاحتفالات شملت مسيرات صافرات انتصار وإطلاق آلاف المفرقعات في سماء المدينة. بفضل الليل الهادئ وصل صدى الانفجارات إلى جميع أرجاء المدينة، حتى سكان الأحياء في أقصى الغرب في المدينة قالوا إنهم استيقظوا على صوتها. هذا كان الحدث الأول في سلسلة الأحداث في شرقي القدس خلال نهاية الأسبوع التي تدل على أن دائرة العنف، التي بدأت في المدينة قبل اربعين يوما وانزلقت إلى غزة واللد ويافا، عادت إلى القدس وهي تواصل الدوي فيها.
حماس هي الرابح الأكبر. حتى أعضاء فتح في المدينة اعتقدوا أن الحركة الخصم كسبت نقاطا كثيرة في الرأي العام المحلي. مشاعر هذا الانتصار، إضافة إلى مواضيع متفجرة مثل الوضع الراهن في الحرم واخلاء عائلات فلسطينية في الشيخ جراح وفي سلوان، يمكن أن تؤدي إلى استمرار موجة العنف.
بعد بضع ساعات على الاحتفالات بالمفرقعات بدأ يتدفق آلاف المصلين لأداء صلاة الفجر في الحرم. في فيلم قصير انتشر مثل النار في الهشيم صباح يوم الجمعة، ظهر بعض الشباب الفلسطينيين وهم يدخلون إلى الحرم أمام جنود حرس الحدود على أحد أبواب الحرم “بطريقة استفزازية”. رجال الشرطة حافظوا على ضبط النفس، لكن هذه الحادثة، التي هي كما يبدو هامشية في سلسلة الأحداث العنيفة في القدس في الشهر الماضي، أثرت على سلوك الشرطة في وقت لاحق من ذاك اليوم.
في ساعات الظهيرة تجمع عشرات آلاف المصلين لصلاة يوم الجمعة في الحرم. الصلاة مرت بهدوء نسبي. ولكن في زمن خطبة الجمعة داخل المسجد الأقصى حدث حادث استثنائي يشير مرة أخرى إلى التغيير في المزاج العام في شرقي المدينة. ورغم تخوفات الشرطة إلا أن معظم المصلين غادروا المسجد بهدوء. بضع مئات من الشباب بقوا في المكان ورفعوا الأعلام الفلسطينية وأنشدوا أناشيد مؤيدة لحماس. الشرطة استغلت هذه الفرصة من اجل إعادة الاحترام لنفسها. رجال من الشرطة اقتحموا نحو الداخل وطاردوا من يرفعون الأعلام وقاموا بمصادرتها منهم. في المكان تطورت مواجهة، رشق حجارة وعلى الأقل زجاجة حارقة واحدة القيت على رجال الشرطة. 12 شخصا تم اعتقالهم. وبصورة استثنائية نشرت الشرطة صورا للمعتقلين وهم مكبلون ويقفون ووجوههم نحو الحائط. من الصعب تجاهل أن هذه الصورة غير العادية تم ارسالها كجزء من النضال من أجل تحسين ردع الشرطة.
أحداث أخرى من الجدير الاشارة إليها حدثت في نفس الوقت في الحرم. في أحدها هاجم رجال شرطة بشكل عنيف مراسلون، منهم المصور احمد غرابلة والمصور فايز أبو ارميلة، رغم أنهما كشفا بأنهما صحفيين. في حدث آخر وجد شرطي نفسه في وضع فيه كان يركض لوحده بين عشرات الفلسطينيين في باحات الحرم. شخص ما دفعه، وبعد ذلك في الليل اقتحمت قوة خاصة بيت المشتبه بدفعه وقامت باعتقاله. مرة أخرى الشرطة نشرت صور لفلسطينيين وهم مكبلون ومن بينهم المشتبه بدفعه الشرطي. في اليوم التالي تبين أنه لم يكن أبدا في منطقة الحرم وتم إطلاق سراحه. مشتبه فيه آخر بمهاجمة الشرطي ما يزال قيد الاعتقال.
بعد ظهر يوم الجمعة تجمع نحو 200 متظاهر، إسرائيلي وفلسطيني، في مظاهرة الاحتجاج الثابتة في حي الشيخ جراح. المظاهرة تفرقت بهدوء. وفي يوم السبت جرت مظاهرة مشابهة، هذه المرة لفلسطينيين فقط. وهذه المظاهرة تم تفريقها بالقوة عن طريق رش المياه العادمة وقنابل الصوت. ومثلما هي الحال في معظم الأحداث الأخرى في القدس في الشهر الأخير، لم يسبق تفريق المظاهرة أي رشق للحجارة أو أي استفزاز عنيف من المتظاهرين، فقط كانت هناك هتافات.
التخوف من ازدياد الغضب
مجمل الأحداث في نهاية الأسبوع في القدس تدل إلى أي قدر هذه المدينة، رغم وقف إطلاق النار، هي مدينة قابلة للانفجار. دائرة العنف فتحت في المدينة قبل أربعين يوما. وقد بدأت عند إغلاق درج باب العامود من قبل الشرطة وبعد يوم على نشر أفلام في “تيك توك” لمهاجمة أصوليين من قبل فلسطينيين في شرقي المدينة. بعد ذلك انتقلت إلى مواجهات شديدة مع رجال الشرطة في باب العامود والشيخ جراح خلال ليالي شهر رمضان. ولكن سؤال هل هذه الدائرة ستغلق في القدس وهل ستعود المدينة إلى الحياة المعتادة بقي مفتوحا.
هناك مواضيع توجد على الاجندة المقدسية، وهي يمكن أن تشعل من جديد العنف. الموضوع الأول والأكثر حساسية، كالعادة، هو منطقة الحرم. في الأسبوع الماضي منعت الشرطة اعضاء من أمناء جبل الهيكل من الدخول إلى الحرم. وسوية مع الإغلاق الثابت في الأيام العشرة الأخيرة في شهر رمضان، تم إغلاق الحرم مدة 19 يوما أمام زيارة اليهود. هذا هو وقف زيارة اليهود الأطول منذ فتح الحرم من جديد أمام زيارة اليهود في العام 2003 بعد إغلاقه لمدة ثلاث سنوات متواصلة في اعقاب اندلاع الانتفاضة الثانية. وقرار إبقاء الحرم مغلقا أمام اليهود ورغم أن الأعياد الإسلامية انتهت هو قرار استثنائي جدا ويدل على تخوف الحكومة والشاباك من التفسيرات الإسلامية لزيارة اليهود في فترة حساسة من ناحية أمنية. صباح أول من أمس تم فتح الحرم من جديد أمام زيارة اليهود، الذين سيسمونه كما يبدو في الشبكات الاجتماعية الفلسطينية مقتحمين يهددون سلامة المساجد. وإذا ارادت حماس كحركة أو كنشطاء محليين استغلال الأمر كذريعة لتجنيد الشباب من أجل استئناف أعمال العنف فهذا سيكون سهلا جدا. إيضا استمرار السلوك العدائي لرجال الشرطة في الحرم وفي أماكن اخرى في شرقي المدينة يمكن أن يؤدي إلى احتجاج شعبي.
موضوع حساس آخر هو إخلاء العائلات الفلسطينية من الشيخ جراح. وفي بداية الأسبوع الحالي أيضا من سلوان. في الغد (اليوم) المستشار القانوني للحكومة سيقدم موقفه حول أوامر الاخلاء التي صدرت لعائلات الشيخ جراح. وغدا ستناقش المحكمة المركزية استئناف مشابه لسبع عائلات من حي بطن الهوى في سلوان. أيضا هنا، مثلما في الشيخ جراح، والدعوى تتحدث عن أملاك يهودية من القرن التاسع عشر والتي بسببها يجب إخلاء عائلات تعيش فيها منذ عشرات السنين.
في الأسبوع الماضي كان هناك حاجز ثابت على مدخل الشارع الرئيسي في الشيخ جراح. وفقط يهود متدينون يذهبون للصلاة في قبر شمعون الصديق مسموح لهم المرور. الفلسطينيون الذين لا يسكنون في الحي أو يهود علمانيون يتم رفض دخولهم. الحاجز تمت اقامته في اعقاب اتفاق بين مكتب رئيس الحكومة وعضو الكنيست ايتمار بن غبير بعد أن وافق الأخير على اخلاء المكتب الارتجالي الذي أقيم في الحي وتسبب بزيادة التوتر وأعمال العنف في المكان. هذا الحاجز تم تعزيزه وأضيفت إليه مكعبات من الأسمنت في أعقاب حادثة الدهس عشية عيد نزول التوراة. الحاجز يعتبر أيضا تذكير بالانعطافة المقلقة جدا بالنسبة للقدس، خلق مزيج خطير يتكون من رغبة إسرائيل في اثبات السيادة في الحرم والشيخ جراح من أجل عدم إعطاء حماس أي صورة انتصار، هذا من ناحية. ومن الناحية الأخرى اشتعال الغضب وزيادة قوة حماس. هذا بالضبط هو المزيج الذي ينمو منه الافراد الذين ينفذون العمليات، سواء بواسطة سيارة أو سكين، الذين من شأنهم أن يشعلوا دائرة النار القادمة.

وكالات

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة