القواسمي: الفن لغة تخاطب وجدان الناس والدراما تنقل الواقع

– ينظر الفنان الأردني عبد الكريم القواسمي للمثقف بأنه متعطش للقراءة والبحث والاطلاع، ويستطيع أن يرى ويناقش ويبحث في كل الأمور بذهن منفتح بنقد بناء وتحليل مقنع.
ويقول في حديثه لـ”الغد”: “من يقرأ بنهم يكتسب العلم ويزيد من رصيده المعرفي، ويمتلك رؤية شاملة لكل موضوع يطرح أمامه ولديه من الخبرة والتجربة الكثيرة”، مؤكدا أن المثقف هو الذي تنعكس ثقافته على سلوكه وتصرفاته، فيتقبل الآراء والنقد بصدر رحب، ويجند نفسه ليدافع عن قضايا مجتمعه ساعياً إلى خلق فضاء أكثر انفتاحاً وتطوراً مما هو عليه.
ويطل القواسمي على المشاهدين عبر الشاشة الصغيرة في الموسم الرمضاني للعام الحالي، من خلال مشاركته في أربعة مسلسلات وهي: “جلمود الصحاري”/ بدوي، و”نشميات من البادية”/ بدوي، و”كرم العلالي”/ بيئي قروي، و”نلاقي عندك شغل” /اجتماعي مودن.
ولا يخالف الرأي الذي يشير إلى تعميق الثقافة لدى الفنان، لكونه المرآة النابضة للمجتمع التي يرى فيها أشياء تجعله يفعل دوره في الحياة ويكون ناتجه مفعماً بالفكر الحياتي، وبحسب قوله، فإن أداء الممثلين عنصر رئيسي في نجاح الأعمال الدرامية والمسرحية، ليس عنصراً ثانويا، بل هو يمثل مسؤولية تقع على عاتقهم وفق الأداء الموكل لكل ممثل في عمل درامي أو مسرحي.
ووفقاً لرؤيته في عالم التمثيل، فإنه يعتبر المسرح أساس تكوين الممثل، وفيه يكتسب أدواته ويمسك بتقنياته، لأن الموهبة لا تكفي وحدها، خاصة في ظل عدم وجود مفهوم إدارة الممثل، بالتالي تكون نتيجتها أعمالا بلا روح. ويشير إلى أن بعض الأعمال الدرامية في الفترة الأخيرة فيها نوع من التخبط في أداء بعض الممثلين، إثر التسرع في التصوير والمونتاج بشكل واضح، وقد يكون التأثير لهذه الأعمال بسبب ظروف جائحة كورونا، خصوصاً على مستوى التصوير، لكن نوعية هذا الأداء المهزوز لا تتعلق بفترة كورونا، بل هي عنوان يشمل السنوات الأخيرة، وما يحدث هو أن الوضع يزداد سوءاً.
ويعيد التأكيد بالقول، إن مسار الممثل طويل وشاق للوصول إلى معرفة عميقة بأصول الأداء، على عكس ما يعتقد كثيرون، من ذلك أن الممثل يحتاج إلى وعي كي يتقمص شخصية ما، وقد تتيح معرفته مقترحات لبناء الشخصيات، وبذلك فإن الممثل الجيد عامل إضافي في تطوير الأعمال الدرامية وإنقاذها من النمطية والتشابه.
ويقول القواسمي صاحب التاريخ الطويل في عالم الدراما التلفزيونية والمسرح “إن القيمة الفنية للأعمال التلفزيونية متفاوتة، وقد اتسمت في أغلبها بالاستسهال والتسرع وغياب الحرفية في أهم مفرداتها مثل؛ طرافة الموضوع والتمكن من بناء السيناريو، ناهيك عن عدم الإلمام بالأدوات الإخراجية، إلا أنها في المقابل كشفت عن قدرات أدائية لافتة لجيل جديد مع تأكيد من تميزوا سابقا”.
ويبين القواسمي المهمة التي لابد من أن يضطلع بها صناع العمل الفني وجمهوره أيضاً، إذ لا قيمة لهذا العمل ما لم يكن فرصة لتحريك الراكد في معتقداتنا، وإثارة أسئلة كبرى في عقولنا، وأداة لفهم أكبر لواقعنا، بل ومؤشرا على التغيير نحو الأفضل.
وأضاف: “الفن لغة تخاطب وجدان الناس والدراما تعبر عن واقع المجتمع”، مشيراً إلى ضرورة التخطيط لنشر أعمال الدراما وإيصالها للجميع، بحيث تكون مصدر دخل داعما للاقتصاد الوطني، وهذا يحتاج إلى الإنتاج الذكي الذي ينفق بسخاء على الأعمال الدرامية التي تناقش قيماً إنسانية وتاريخية، التي يبحث عنها المشاهد، ويجد فيها استعادة الهوية والأمجاد.
ويشير القواسمي إلى أن أهم المقومات التي تفترض أن تكون في الأعمال الدرامية وأبرزها؛ مصداقية الأحداث واختيار المواضيع المناسبة لتقديمها للمشاهد، والتي أيضا تتوافق مع الفكر الإنساني، سواء في الدراما التاريخية التي تعتمد على نقل التاريخ وعرضه، إضافة إلى اختيار المواضيع الحديثة من اجتماعية أو كوميدية، لوضعها أمام الرصيد البشري الإنساني من خبرات في أصول الدراما.
إلى ذلك، فإن الفن غير المراقب يلفت النظر ويخاطب وجدان الناس، بحسبه، وإن الرقابة وتقييد حرية المبدع لهما أثر كبير في عمل الدراما، فحينما يتمتع المبدع بحرية كافية للتعبير عن قضايا حقيقية تشغله وتشغل مجتمعه، عندها تتميز أعماله بالصدق، وبالتالي العمل الصادق يصل وينتشر أكثر.
ويؤكد القواسمي لـ”الغد”، أن الفنان الأردني ما يزال يعاني قلة الإنتاج الفني للقطاع العام “الحكومي”، ويشير إلى عدم الاعتراف بالفن كما يجب، ويعدها عاملاً ثانوياً. وعلى نقيض ذلك، فإن قطاع الإنتاج الفني الخاص احتل الساحة الفنية لإنتاج المسلسلات الأردنية وبثها على الفضائيات العربية، وبخاصة في ماراثون المسلسلات التي تبث في شهر رمضان المبارك.
ويعيد التأكيد أنه رغم كل المعاناة والتحديات التي يمر بها الفنان، إلا أنه يبقى صامداً بوجه كل هذه التحديات، والفن رسالة الدولة الأردنية للمشاهد، وله أهمية بالغة في التنمية، قائلاً: “لدي تاريخ طويل من الأعمال المسرحية والدراما التلفزيونية، ونصف هذه الأعمال بأنها كانت إنتاج قطاع خاص، فإذا لم أكن شخصاً يسهم في نجاح أي عمل، أتصور أني كنت سأمكث في البيت، ولكن هذا لم يحدث”. واعتاد القواسمي قراءة القرآن الذي زوده بالطاقة الفكرية وجعله يكون ملماً باللغة العربية الفصحى التي درسها، ما أشبع حاجته الإبداعية وحرية الرأي التي امتلأت بها مسيرته في عالم الفن على مدى أكثر من خمسين عاماً، وفق وصفه.
ويعتقد القواسمي أن المسؤولين الجدد ليسوا على اطلاع كاف بتاريخ الإنتاج الفني في الأردن، فمن يعمل في هذه الصناعة يجب أن يكون ملماً بدرجة كافية بكل رموز الصناعة من كتاب السيناريو والحوار والتصوير والمخرجين، مؤكدا أن في الصناعة المكسب والخسارة ليس كل شيء، ويجب أن يكون إعلام الدولة بأدواته المختلفة، ومنها الإنتاج الفني حاضراً، وليس مغيباً عن المشهد الفني، لأنه مرآة الوطن في الخارج. ويؤكد القواسمي، وهو من مؤسسي نقابة الفنانين الأردنيين والحاصل درجة البكالوريوس في الأدب العربي من جامعة بيروت العربية، “أن هناك انحسارا أو اختفاء للأعمال الدرامية التاريخية في التلفزيون الأردني”، متسائلاً: “أين قطاع الإنتاج، وأين شركات الإنتاج التي تتحمس لمثل هذه الأعمال وتتحمل إنتاجها؟ وهي تحتاج لكلفة إنتاج عالية، ويتعين علينا النهوض بقطاع الإنتاج ودعمه، ليكون قادراً على أن يضع العائد الأدبي قبل العائد المالي في اعتباره”.
ولا ينكر أن عمله في مهنة التعليم أعطاه قوة في مفاهيم اللهجات المحكية في مناطق المملكة كافة، وبخاصة في الأرياف والبوادي، مشيراً إلى أنه من الضرورة أن تصنع نقابة الفنانين فضاءات ورش لمنتسبيها تزيدهم معرفة في مجال الفن الواسع، وبخاصة بما يتعلق باللهجات المحكية في المجتمع الأردني، فهناك العديد من المتخصصين في هذا المجال.
ويحمل الفنان عبد الكريم القواسمي تاريخا حافلا في عالم التمثيل منذ العام 1969 للآن، ومن أبرز أعماله التلفزيونية: “دليلة والزيبق”، “آخر أيام اليمامة”، “الحجاج”، “قمر بني هاشم”، “المرابطون والأندلس”، “سلطانة”، “راعي الصيت”، “محاكم بلا سجون”، “الغريبة”، “العقاب والصقر”، “نمر بن عدوان”، “صقر قريش”، “هبوب الريح”، “طاش ما طاش”، “راعي الاولة”، “مغامرات زعتر وعنتر”، “زمن ماجد”، “عيال مشهور”، “عمر ابن الخطاب”، “القسمة والنصيب”، “جرحك يا ذيب” و”الخوابي”.
أما أعماله المسرحية، فهي: “الغائب”، “الشحادين”، “قناع السعادة”، “الوافد”، “مين ضحك على مين”، “اسكابا”، “خادم سيدين”، “قرية الشيخ حماد”، “بدك تضحك”، “ثمن الظل”، “نار البراءة”، “القلعة”، و”الهبة”، إلى جانب مشاركته في المسلسل الكرتوني المدبلج “كعبول”.

أحمد الشوابكة/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة