الكرك.. المسارات السياحية تنعش مواقع غائبة

كرست المسارات السياحية الثقافية التي أطلقتها فعاليات رسمية وشعبية بالمحافظة قبل عامين، العديد من المواقع الطبيعية والأثرية والتراثية على خريطة السياحة المحلية، بحيث أصبح لا يمكن تجاوزها في أي زيارة لمحافظة الكرك.
وتضم تلك المسارات، مسارات وادي الكرك وبلداته التراثية، ومسار عي وقرى كثربا وجوزاء وبساتين التين والزيتون وقنوات وعيون المياه القديمة فيها، ومسار وادي بن حماد وينابيع المياه الساخنة فيها، ومشار جلجول شجرة الميسة وجبال غرب المحافظة، ومسار عينون قلعة الكرك، ومسار البيوت التراثية في المزار الجنوبي وأضرحة ومقامات الصحابة فيها، ومسار البيوت والمنازل والأبنية التراثية في مدينة الكرك ومتحف الحياة الشعبية بالمدينة.
وأكدت فعاليات شعبية في الكرك، أن إطلاق برامج المسارات السياحية بالمحافظة، عمل على تكريس بعض المناطق التي كانت غائبة عن عيون المواطنين وهي في الحقيقة مناطق جميلة وذات طبيعة خلابة، مشيرة إلى أن تلك المسارات ساهمت في إيجاد البدائل عن السياحة الخارجية بكلفة أقل وارتباط أكثر مع الأرض والطبيعة.
وكانت الظروف الإقليمية المحيطة بالمملكة، لا سيما العدوان الصهيوني على غزة، ألحقت ضررا بالغا بقطاع السياحة في مختلف مناطق المملكة، خصوصا المواقع السياحية ومن بينها محافظة الكرك التي تضم العديد من المواقع السياحية.
فقد شهدت المحافظة خلال العامين الماضيين، تراجعا كبيرا في أعداد السياح والزوار، خصوصا سياح الخارج، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن زوار المحافظة تراجعوا من 285 ألف زائر خلال العام 2023 إلى حوالي 110 آلاف زائر فقط خلال العام 2024.
لكن ذلك التراجع في زوار الخارج شهد زيادة في السياحة الداخلية التي جاءت تحت مسميات المسارات السياحية المحلية، والتي تنظمها مؤسسات وفعاليات شعبية ورسمية مختلفة.
وشهد العام الحالي تنفيذ العديد من المسارات السياحية في الكرك، وهي برامج سياحة محلية منخفضة التكاليف تسهم في تعريف الزائر من داخل المحافظة وخارجها على مواقع سياحية طبيعية أو أثرية، تتضمن مشاركة في إعداد الوجبات المحلية الشعبية وبمشاركة أسرية.
ويسهم التنوع الطبيعي والجغرافي في محافظة الكرك، بوجود مسارات سياحية مختلفة طوال العام، لا سيما مع احتضان الكرك العديد من الأودية ومسارات الطبيعة الجبلية ومياه الأودية الجارية التي تنتهي في منطقة الأغوار الجنوبية.
مواقع طبيعية وتراثية
ووفق موقع وزارة السياحة والآثار، فإن محافظة الكرك تضم زهاء 16 موقعا ومسارا للزيارة من قبل السياح، وهي: قلعة الكرك، غابة اليوبيل، عين سارة، وادي الموجب، البحر الميت، وادي عسال، وادي النميرة، قلعة القطرانة، كهف لوط عليه السلام، البانوراما الشرقية، البانوراما الغربية، آثار ومقبرة محي، آثار ذات الرأس، موقع المشهد في مؤتة، آثار الربة، وآثار القصر.
غير أن ناشطين بالكرك يؤكدون أن المحافظة تضم مسارات سياحية عديدة لم تدرجها وزارة السياحة ضمن مواقع المسارات السياحية التي أعلنتها من طرفها، وهي تشمل وادي الكرك، ووادي بن حماد، ووادي سيل الحسا، ووادي سدير، ووادي ويدعة، واللجون، وسيل حمود، ومسارات فقوع وصرفا، وغيرها من المواقع التي تمارس فيها سياحة المسارات السياحية الطبيعية التي تجذب آلاف الزوار والسياح من داخل الأردن وخارجه، خصوصا السياح العرب.
وبحسب الناشط والباحث الاجتماعي مصطفى المواجدة، فإن المسارات السياحية الجديدة التي أطلقتها مديرية ثقافة الكرك ومؤسسات ثقافية واجتماعية بالمحافظة ساهمت في استمرار بعض المنشآت السياحية بالعمل خلال فترة التعطل الطويلة طوال العامين الماضيين، ناهيك عن تكريس مواقع ومرافق طبيعية وتراثية لتصبح جزءا مهما من الزيارات السياحية بالمستقبل أو أي زيارات للمحافظة، بعد أن كانت مهملة وغير معروفة.
وأشار إلى أن تنظيم المسارات السياحية الثقافية، خلافا لأهميتها السياحية في تعريف المواطنين والزوار من داخل المحافظة وخارجها بتلك المواقع والمناطق، له أهمية بالغة في التوعية بالتراث والإرث الحضاري للمنطقة، خصوصا فيما يتعلق بالأبنية التراثية والحياة الشعبية ومواقع كانت مندثرة لولا أن أعادت المسارات السياحية الحياة لها وأنعشتها من جديد.
واعتبر المواجدة، أن تلك المسارات المحلية ليست مكلفة على الزائر المحلي أو الخارجي، وهي تعد من نمط السياحة منخفضة التكاليف التي تجذب أعدادا كبيرة من الزوار المهتمين بهذا النوع من السياحة.
من جانبها، قالت مساعد الأمين العام لوزارة الثقافة ومديرة ثقافة الكرك عروبة الشمايلة إن المسارات السياحية الثقافية التي تنفذها المديرية منذ أكثر من عامين تهدف إلى جعل الثقافة جزءا حيا من التجربة السياحية وربط الإنسان بالمكان عبر الفنون والأنشطة التفاعلية.
وبينت أن المديرية، وبالتعاون والتنسيق مع مجموعة من الفعاليات الثقافية والشعبية بمختلف بلدات وقرى المحافظة، وبهدف الترويج للسياحة المحلية وإعادة إحياء الثقافة المحلية على مختلف الصعد، لا سيما ثقافة الطعام والإنتاج المحلي والترويج للمنتجات الشعبية وتوفير الدخل المناسب للأسر التي تعيش في بلدات وقرى المحافظة، فقد تم تنظيم جولات المسارات السياحية الداخلية لتلك القرى، وهي تشكل جزءا مهما من الزيارات السياحية المحلية لاحقا، مؤكدة أن تلك الأماكن أصبحت معروفة ومقصدا للزوار حتى من داخل المحافظة للتعرف على جمالها وطبيعتها الخلابة.
التكامل بين الثقافة والسياحة
وأشارت الشمايلة إلى أن المسارات تعمل على تبادل الحكايات والقصص الشعبية المرتبطة بالمواقع المختلفة، إلى جانب توثيق التجربة بالصور والأنشطة الفنية، مؤكدة في الوقت ذاته أن تنظيم هذه المسارات يؤكد أهمية التكامل بين الثقافة والسياحة كرافعة للتنمية المجتمعية، وإبراز الكرك كمحافظة تزخر بالمواقع الغنية التي تستحق أن تكون مقصدا للزوار والمهتمين بتاريخ المكان وجمالياته.
ومن وجهة نظر الناشط والمشارك في المسارات السياحية الطبيعية الدكتور عودة الجعافرة، فإن المسارات السياحية الثقافية لا تشكل بديلا عن الحركة السياحية بالمحافظة، لكنها تعد مكملا لها في ظل تراجع السياح من الخارج، بحيث تبقى الحركة السياحية نشطة ولو بدرجة أقل.
وبين الجعافرة أن محافظة الكرك بحاجة فعلية إلى عملية تحديد وتنظيم للمسارات السياحية بعد أن تكرست مواقع سياحية مهمة وذات حضور شعبي كبير، بهدف تنشيطها وإدراجها على المسارات السياحية الرسمية بمحافظة الكرك.
وقال مدير ثقافة الزرقاء محمد الزعبي أثناء مشاركته بأحد المسارات الثقافية السياحية في الكرك، إن هذا التبادل الثقافي السياحي بين الزرقاء والكرك ليس مجرد فعالية، بل هو رسالة وطنية تعبر عن عمق الانتماء وثراء المشهد الثقافي الأردني وتؤكد أن الثقافة هي الطريق الأسمى لتعزيز الهوية وترسيخ الوحدة وبناء جسور من الفهم والانتماء بين محافظات الوطن.
وكانت وزارة السياحة قد نفذت بمدينة الكرك العديد من المشاريع السياحية المهمة خلال السنوات الماضية، التي تسهم في تطوير الحركة السياحية، بالإضافة إلى تطوير البنى التحتية لمدينة الكرك، ومنها المشروع السياحي الأول الذي شمل إعادة تأهيل المباني التراثية القديمة بمدينة الكرك وإنشاء ساحة القلعة.
كما شمل المشروع السياحي الثاني، الذي بلغت كلفته مليون دينار، تطوير ساحة قلعة الكرك وبعض المرافق الخدمية وبعض المواقع القريبة من القلعة، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية في بعض المواقع.
وجاء المشروع السياحي الثالث، الذي بلغت كلفته 12 مليون دينار، ليستهدف تطوير البنية التحتية بمدينة الكرك، وتضمن إعادة تأهيل الشوارع وشبكة المياه وشبكة تصريف مياه الأمطار والكهرباء وإنارة الشوارع، وعمل الأرصفة وتوفير مقاعد للجلوس على جنبات بعض الشوارع، ويتم الآن تنفيذ المشروع الأخير وهو تطوير مدخل مدينة الكرك من الجهة الشرقية، ويبدأ بعدها تنفيذ المسارات السياحية.


