الكروم تضمنت .// احمد القضاه

في مثل هذه الايام الصيفية، تختلطُ نسمات الهواء تعانق بعضها بعضا، تمتزج لتنتج لنا اجواء ريفية تليق بالتضاريس، صخور وبلوط والسنديان، منطقة تتطوي في معالمها تاريخ وحضارات سكنت واستعمرت، اثار ومخلفات، مما يعكس اهميتها وموقعها الاستراتيجي..
وبعد دخول موسم البيطخ والكرز تاتي مواسم اخرى مثل موسم الخوخ والعنب، حيث يعتبرن فاكهة رئيسية في المناطق والقرى الريفية، كانت ولا زالت الزراعة مقصد الفلاحين، وكان من لدية قطعة ارض يزرعها بجميع الاصناف التي تناسب طبيعة الارض، وكان اتجاه الفلاحين حسب منطقتهم وطقسها، كان مزارعي الغور يزرعون الليمون والبرتقال لان هذه الاشجار تحتاج طقس حار، وكان مزارعي عجلون يزرعون الزيتون والخوخ واللوز لانها مناسبة لعوامل الطقس مما تنتج الثمار الكافية لايرد التكلفه التي دفعها المزارع ..
يقسم المحصول المنتج الى قسمين :
القسم الاول : للعائلة والجيران والاقارب، وكان هناك اسامي لبعض الاشجار التي تتميز بثمارها وهي بالاغلب تبقى للعائلة ( خوخة محمد ) .
القسم الثاني : يباع لاحدى الاشخاص التي يسمى ( بالضمان ) شخص الجميع يعرفه ويعرف طبيعة عمله، تكون لدي الخبرة باصناف الشجريات وكمية الانتاج، ياتي ويعقد اتفاق مع صاحب الكرم، بالسعر الكامل وطريقة الدُفع،
مثلا:
كان الاتفاق على السعر بالكامل (٦٠٠ دينار ) الدفعة الاولى ( ٢٠٠ دينار) عربون وضمان لصاحب الارض ( ليدفع الالتزمات المترتبه عليه من العناية بالشجر،سماد ومبيدات واجار الحراث )
الدفعة الثانية ( ٢٠٠ دينار ) عند اللقطة الاولى .
الدفعة الثالثة ( ٢٠٠ دينار ) عند اللقطة الاخيرة .

في يوم وانا في التاسعة من عمري كنت في بيت جدي، بين اغصان شجرة التوت، لا اكترث لشيء العب واللقط الحبة التي تم نضجها، جدي وجدتي يجلسون تحت التوته ولم اسمع لهم حديث الا ( انزل ياجده لا تقع، كتيت التوت على الارض )
صوت احدى الاشخاص ينادي مع صريخ جدتي، قفزت والى الباب مهرولا والا بشخص طويل القامة، بشرته سوداء وعليه اثار التعب، سألني: جدك هون !؟
نظرت اليه باستغراب وقلت له : اه هون، اتمعن في شكله، يداه نصفها شوك، والحذاء لا يتضحُ لونه من كثر التراب .
نزلت ولحق بي وعندما رآه جدي هلا ورحب به كثيرا وقال له 🙁 هلا ابو نايف) على ما يبدو انه صديق جدي ويعرف حق المعرفه، احضرت الشاي وهم يتبادلون الحديث وكل منهم يسأل الآخر( شلون ولادك ) وبعد عشر دقائق برد الشاي وبرد الحديث، حيث وقف ابو نايف وقال : حجي جاي بدي اتضمن الخوخات، تعال معي لنشوفهن .
لحقت بهم ودخلنا الى الكرم، كانت الاشواك طويلة على اطراف السلاسل، العشب لونه مثل الذهب، والاشجار المثمرة تعطي منظرا كانها لوحة فنية،
ذهبنا الى جميع الاشجار وكان ابو نايف ينظر حول كل شجرة ويحسب وعند الوصول الى شجرة في نصف الكرم ،شجرة تحمل الكثير من الثمار وقف جدي وقال له : هاي ما بدي اضمنها، بدي اخليها للولاد.
وعند عودتنا الى البيت، بدا ابو نايف بالحديث وقال: والله يا حجي السنه مش حملات، اذا بدي اوخذهن زي السنه الفاتت ما بتوفي معي، جدي امسك يده وقال : بلاش من عشرين ليره ..
ضحك ابو نايف وقال على بركة الله ..
رجعنا الى بيت جدي وكانت جدتي تنتظر، جدي على ملابسه الكثير من التراب والاعشاب، احضرت الماء وبدات بالاسئلة، حجي ضمنتهن ؟؟
ابتسم جدي وهز براسه .
هذه الايام احب الايام للفلاحين واصعبها بنفس الوقت، مما كانت تتطلب جهدا كبيرا من سقاية الماء ورش المبيدات، وكان اغلب المزارعين يذهبون فجرا الى اراضيهم، لتفقد الاشجار وطرد الطيور، وتتم عملية طرد الطيور باخراج الاصوات، وكانت تتم بعدة طرق ومنها التقليدة، حيث يحضر وعاء حديدي( برميل) ويتم ربطه بحبل ويعلق ويضرب عليه بعصا، وعند سماع الصوت تتطاير الطيور وتتباعد عن الاشجار .

كانت العائلات قديما تؤجل وترتب الاعمال وعمليات الشراء مع المواسم، حيث كانت تعتبر مصدر رزق وحيد، لضمان الخوخات، وللبيدر، وللزيتون .
توفيق وبركة ورزق .
نسأل الله ان يكون موسم خير وبركه للمزارعين .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة