الكلاب الضالة في الأردن.. رعب يتجول على أرصفة الحياة.// محمد متعب الفريحات

في الأزقة والحواري وعلى جنبات الطرق، تتكرر الحكاية نفسها كل يوم، ولكن بأبطال جدد وصرخات مختلفة. طفولة تنهشها الأنياب، وامرأة تركض مذعورة بين المركبات، ورجل يغالب خطواته ليصل إلى مأمنه. بين الخوف والغضب، باتت الكلاب الضالة كابوسا يتنقل بين الأحياء، لا يطرق بابا إلا وترك فيه وجعا لا يندمل.
الوجع لا يروى فقط بالأرقام ولا بالصورة الدامية، بل في تلك النظرات المرتبكة التي تبحث عن مخرج من شارع مظلم، في التردد قبل الخروج من المنزل، في التهامس عند كل نباح قريب. صار هذا الكائن، الذي يفترض أن يكون جزءا من توازن الطبيعة، مهددا لكل معنى من معاني الطمأنينة.
ولأن الخوف حين يهمل يتحول إلى فوضى، فإن هذا الملف بات مفتوحا على كل الاحتمالات. ما يجري ليس مجرد تزايد في أعداد الكلاب، بل انفلات صامت يعيد صياغة حياة الناس. لم تعد المسألة مرتبطة بقرية نائية أو حي منعزل، بل امتدت إلى قلب المدن، حيث المدارس والمستشفيات والأسواق.
وبينما يقال إن الحلول موجودة، تبقى على الورق فقط. برنامج التعقيم والإطلاق الذي يعمل به، يثير تساؤلات أكثر مما يقدم أجوبة. يمسك بالكلب، يعالج، ثم يعاد إلى نفس المكان. منطق يبدو إنسانيا، لكنه لم يكن كافيا أمام ما يسجل من هجمات متكررة على الأطفال والمارة. فالواقع لا يكذب، والشوارع تشهد.
ومع كل حادثة، تتجدد الأسئلة. لماذا لم يحاصر الخطر؟ كيف تحولت الأرصفة إلى ساحات للرعب؟ وما الذي ينتظر كي ترفع كرامة الإنسان فوق صوت النباح؟
ما تحتاجه هذه الأزمة ليس مجرد برامج نظرية، بل تدخلا ممنهجا ينطلق من مراكز إيواء حقيقية، بإشراف متخصصين قادرين على التعامل مع هذه الكائنات بحكمة ومسؤولية. كما أن نشر الوعي في المجتمع، وتثقيف الناس حول كيفية التصرف في حال المواجهة، ضرورة لا تحتمل التأجيل.
الأمر لا يقف عند الأمن الجسدي، بل يتعداه إلى الشعور بالانتماء إلى حي آمن وبيئة مستقرة. وهذا لا يبنى بالصمت ولا بالت برير، بل بفعل حقيقي يضع سلامة الناس أولوية قصوى.
لا أحد يدعو إلى القسوة، فالرحمة واجبة. لكن الرحمة لا تعني غض الطرف عن خطر محدق، ولا التساهل مع واقع يزداد انفلاتا. التوازن هو ما نحتاج إليه، توازن لا يقصي الحيوان ولا يهمل الإنسان.
حين يتحول الشارع إلى ساحة خوف، فإننا نخسر جزءا من سلامنا الداخلي. حين نعتاد سماع قصص الأطفال الذين أفزعهم النباح وجرحهم النهم، فإن شيئا من إنسانيتنا ينتزع بهدوء. ولا أسوأ من أن نعيش مع الخوف كأنه قدر.
الكلاب الضالة لم تعد مجرد مشهدا عابرا، بل صارت عنوانا يوميا لفوضى صامتة. والسؤال الذي لا يجب أن يموت بين الهمسات، هو إلى متى؟
في نهاية الحكاية، لا نحتاج إلى مزيد من التقارير، ولا إلى إحصاءات باردة تخبرنا كم عدد من نزفوا، ولا كم مرة تكررت الحادثة. ما نحتاجه هو أن نحمي أرواحنا من اعتداء الكلاب، من رفض أن نكون مجتمعا يتعايش مع الخوف وكأنه جزء من جدول يومي. أن نرفض أن يكبر أطفالنا وهم يركضون أسرع من ظلهم، لا لأنهم يلعبون، بل لأنهم يهربون من أنياب تركناها تتربص بهم.
ليست الكلاب هي العدو، بل التراخي عن إدراك خطورة ما يحدث. ليست القضية في أن نكره مخلوقا ضعيفا، بل أن نعيد ترتيب الأولويات بين الشفقة على حيوان، والرحمة بإنسان أعزل.
نحتاج إلى عيون تراقب، وضمائر لا تصمت، وأصوات لا تخاف أن تقول إن الشارع لم يعد كما كان، وإن الأمان ليس رفاهية بل حق أصيل.
فلنحفظ لهذا الوطن بسمته في عيون أطفاله، وخطوات أمهاته، وطمأنينة الشيوخ في طرقاتهم. فلنمنح الناس أبسط ما يمكن أن تهبه الأوطان لمن يسكنها. شارع خال من الرعب، وزاوية لا تختبئ خلفها أنياب. فبغير الأمان، لا يثمر العمر، ولا تستقيم الحياة.